الكيان الصهيوني وسبعون عاما الى الوراء:عودة الصراع الى جذوره الحقيقية(حسن عماشا)
كتب حسن عماشا:
في قوله ” في هذه الحرب اعادت جبهة المقاومة الكيان الصهيوني سبعين عاما إلى الوراء”، أشار السيد علي الخامنئي إلى عودة الصراع إلى جذوره الحقيقية.
في المنطقة العربية تشكل مشروع “الشرق الأوسط الجديد” كما ارتسمت معالمه في كتاب شيمون بيرز، وماهية الاستراتيجيات التي جندت لها العديد من الأدوات والبرامج لتطال كل نواحي الحياة الاقتصادية، السياسية، الثقافية والاجتماعية، بدءا من الاعلام ومنظمات المجتمع المدني مرورا بالثورات الملونة وصولا إلى “داعش” وأخواتها.
أول من استهدفت هذه الاستراتيجيات كان البنى التقليدية التابعة تاريخيا للاستعمار الغربي ووريثته الولايات المتحدة الأمريكية بغية إعادة تشكيل هذه البنى التابعة، بما يتلاءم ومقتضيات “ش-أ-ج” في إطار اعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة.
جملة من العوامل افشلت هذه المخططات والمشاريع، أبرزها كان بلا أدنى شك جبهة المقاومة والممانعة، والصمود الاسطوري لسوريا، ما أدى إلى تحطم المشروع وتشتت فلول أدواته المختلفة. كل ذلك دون أن نغفل ان هذه الادوات ما زالت موجودة ولها أثرها في الوعي العام، سواء كانت نظم عربية او ادوات حزبية او قوى شعبية، ولكنها عاجزة في مواجهة “محور المقاومة” بكافة تشكيلاته، بحيث لم يعد أمام الولايات المتحدة أي أداة تستكمل عبرها مشروعها سوى الكيان الصهيوني. لهذا السبب بالتحديد حشدت الولايات المتحدة خلف الكيان الصهيوني كل قواها ومواردها الخاصة، إضافة الى قوى وموارد الغرب الاستعماري وهو معاكس لكل ما حاولت وتحاول إشاعته وتروج له من انها تلعب دور الوسيط والناظم لإدارة المنطقة.
تبعا لذلك تصور الولايات ان المواجهة الحاصلة اليوم بين قوى المقاومة والكيان على انها مجرد حرب متطرفين “ارهابيين” و”الحكومة المتطرفة” في الكيان، بينما في الواقع يخوض هذا الكيان بالذات الحرب نيابة عنها، وهو الدور الوظيفي المنوط به وسبب نشأته.
بالمحصلة إذا ما هزم الكيان ستخوض الولايات المتحدة الحرب مباشرة بالتعاون مع ادواتها الغربية، أما في حال انتصر الكيان فستستعيد الولايات المتحدة دورها في ضبط إيقاع النظام الرسمي العربي وادواتها المتغلغلة في نسيجنا القومي على مختلف اشكالها.
ان المتابع لتطور الاحداث، بعيدا عن سطوة الاعلام المضلل، والقارئ للوحة بشكل شامل، سواء على مستوى المنطقة عامة أو لجهة الساحات الملتهبة بمواجهة الكيان خاصة، لا بد أن يلاحظ ان المسار والخط البياني للأحداث هو في صالح محور المقاومة. هذه المقاومة تشهد مزيدا من التلاحم في ما بينها وتنحى الى تعزيز التكامل بين مكوناتها العربية والإسلامية الى حد التماهي المتبادل.
هذا التوجه نحو التكامل شهد في الآونة الأخيرة صعودا فعليا بعد تعرض اطرافه الى سلسلة من الاغتيالات والعمليات الاستخباراتية الأمنية، وبعد توسع رقعة الساحات الساخنة، ما أدى إلى تقدم في الوعي العام لضرورة تبلور الدور المقاوم بشكل أشمل وتطويره ، ما نقل المقاومة الى البعد القومي -الإسلامي على حساب البعد الكياني، خصوصا ف يما يتعلق بالساحة الفلسطينية.
بالمقابل ما زال دور النخب دون المطلوب والمتوقع منه في تشكيل وعي عام يرتقي الى مستوى دور المحور المقاوم. ولا شك أن تبلور دور المقاومة وان كان مدركا في وعي “النخب المثقفة”، الا انه لا يترجم في الخطاب السياسي اليومي، كون هذه النخب ما زالت أسيرة الوعي الكياني ما يجعلها خلف مستوى المواجهة وأحيانا ما دونها في حين ان المطلوب منها هي أن تكون أمامها وفوقها.
يبقى ان نشير إلى أن الولايات المتحدة ليست في وارد اي تسوية الان، ولا قدرة لها على احتواء قوى المحور الذي ثبت انه عصي على الاحتواء، خصوصا بعد تقديمه هذه التضحيات الجسام. في المقابل لن تقبل الولايات المتحدة اي تسوية لا تلبي الحد الأدنى من احتياجاتها في مواجهة روسيا والصين. في الوقت عينه لن تستمر الولايات المتحدة بقبول حرب استنزاف كأمر واقع تضعف قوتها ومقدراتها العسكرية والاقتصادية في مواجهة الخطر الذي يتهدد نفوذها وسيطرتها على العالم، سواء من جهة روسيا والصين أو لجهة دول عديدة تسعى جاهدة لتتحرر من الهيمنة الأمريكية متى ضعفت، كالهند وباكستان وغيرهما.
امام هذا الواقع اليوم الذي ينسف استراتيجية مخطط اميركا للشرق الأوسط بكل ادواته، نجد انفسنا أمام مفصل تاريخي اساسي في رسم خارطة المنطقة، بدأت تتبلور ملامحه على أيدي قوى المحور، والتي لا يمكن الا وان تنتصر، لأنها تملك رؤية واضحة لإدارة الحرب كما يبدو في الميدان، ولا تنجرّ الى ردات الفعل.