الكيان الصهيوني بين الزوال وعدم الانتصار(فرح موسى)
أ.د فرح موسى – الحوار نيوز
يرى قادة محور المقاومة أن مجريات الحروب والصراعات العالمية المضطربة،ليست منذرةً بزوال الكيان الصهيوني سريعًا؛إلا أن منع هذا العدو من الانتصار يبقى ممكنًا،ويكفي المحور انتصارًا أن يحال بين هذا العدو وبين ما يسعى إليه من انتصار في فلسطين.أما زوال هذه الكيان،فدونه تحولات عالمية، وصراعات وجودية قاتلة قد لا تكون متوفرةً في زماننا هذا،وذلك لما يشوب عالمنا العربي والإسلامي من تشوّهات دينية وسياسية،كانت وما تزال تسهم في إطالة عمر هذا الكيان!
ولكن هذا لا يعني مطلقًا أن العدو تغيب عنه فرصة زواله،فتراه يمعن في القتل والإجرام،ويستجدي وحوش البشر لنصرته،معلنًا الحرب والعدوان في كل اتجاه،سعيًا منه لتحقيق مشروعه الاستيطاني الكبير. وهذا ما نرى أن العدو يعدّ له عدّته بدءًا من غزة والضفة الغربية،وانتهاءً بأي مكان يمكن أن تصل إليه أطماعه،ولو لم تكن له هذه العدوانية لما كنا نراه يضرب في بيروت وطهران ودمشق وصنعاء.فكل البلاد تتعرض لعدوانه،وهو غالبًا ما يتفاخر بقدراته وعزة ردعه بادّعائه أنه أعظم قوة في الشرق الأوسط!؟
وهكذا،فإن مشروع المقاومة يقتصر على عدم تمكين العدو من الانتصار في فلسطين،وتحقيق قوة الردع التي تمنعه من التوسع في مشروعه. ولا شك في أن هذا الأمر قد تحقق لمحور المقاومة،فجعل العدو ينطوي على نفسه،ويقاتل في ساحته وداخل كيانه،حتى وصل به الحال إلى أن يقتل نفسه بسلاحه،إما خوفًا وذعرًا، وإما خطأً على نحو ما يحدث له في صواريخه الاعتراضية! فأهل المقاومة يقولون: إن هذا العدو لا يزال قويًا،وإن لم تكن له قوة الماضي،وهو يخاف من الحرب فيما لو تعددت جبهات المقاومة؛ولكن هذا التوصيف قد لا يكون موضوعيًا بلحاظ المنازع العدوانية،إذ إن العدو لا يزال يضرب حيث يشاء،ويقتل حيث يشاء،ويمتد به الطغيان إلى كل مكان،وهذا ما يفترض أن تكون له حسابات أكثر واقعية بعد طوفان الأقصى،باعتبار أن العدو قد بدّل من خططه في التعامل مع الأحداث ذات البعد الوجودي،فحربه لم تعد لأيام، هذا فضلًا عما بات يألفه من خسائر معنوية ومادية،فكل شيء تغيّر بالنسبة للعدو؛ولهذا نجد ردعه قد تفلّت من عقاله،واستوى على مآله في ما أقدم عليه من اغتيال في بيروت وطهران غير آبه بما يؤول إليه عدوانه من نتائج!وهذا إن دل على شيء ،فإنه يدل على عزيمة الحرب للخروج من مأزق تهاوى الردع،وهل نحن نفترض دائمًا أن تكون حروب العدو لحكمة،أو لتعقل في الحسابات والنتائج؟
فالعدو يغامر بقوته في لحظة حساسة من وجوده،وهذا ما جعل الموقف المقاوم بعد الاغتيال في بيروت وطهران أكثر حراجةً، وأعمق صدمةً، ذلك أن العدو لم يتورع عن فعلته رغم ضيق خياراته،فكيف يستقيم لنا القول:إن العدو يعيش رهبة توسع الحرب،ويخشى من نتائجها،وهو يقدم كل يوم على أعمال تنافي الحكمة والتعقل،وتدفع به نزعةُ الطغيان إلى مزيد من العدوانية،ضاربًا عرض الحائط كل إدانات العالم ومحاكمه الجنائية! فهو يريد الحرب في لحظة أمريكية حرجة بمعزل عن حسابات الخسائر في المصانع والمزارع! أما تأخّره عن فتح الجبهات،فذلك ليس له،وإنما هو لأمريكا التي تتريّث في أي حرب أخرى لعلها تنهي حرب غزة،ولهذا هي تناور وتخادع وتتهم الكيان الصهيوني بذلك كذبًا ونفاقًا،فجوهر الأمر،هو أن أمريكا لا تريد حلًا على أمل أن يكون لها انتصارات شرق أوسطية،وحكومة العدو لا تملك خيارات إزاء التوجهات الأمريكية،ولعل من أكثر ما يدل على ذلك،هو التهديدات الأمريكية للدولة اللبنانية عبر الرسل والموفدين من قبل حلفاء الكيان الصهيوني،وقد ظننا لوهلة عجيبة أن هناك صديقًا حميمًا يحمل لنا بشائر العون والنصرة،فإذا به رجل التهديد والوعيد في زمن هوكستين!!!
فالسؤال عن قوة العدو،وافتراض وجود مثل هذه القوة،يستلزم دائمًا استحضار وسائل الردع التي يملكها العدو أمريكيًا،فلا ينبغي التكهن،أو الاعتماد على ما لدى العدو من مقومات الحرب،ولهذا نجده يتحدّث بوثوق عن انتصاره ووسائل ردعه،بخلاف ما يسعى محور المقاومة لتحقيقه بأن يكون العدو عاجزًا عن تحقيق الانتصار، ولهذا نجد أمريكا دائمًا تعد وتمنى وتعزز وسائل ردع العدو بهدف الإبقاء على قوته، فاتحةً له كل أبواب الغرور،ومقلدةً إياه سيف الغدر وكل الشرور!!.
وانطلاقًا من ذلك،نرى أن حسابات الكيان الصهيوني باتت مختلفة في ظل هيمنة اليمين المتطرف على مقاليد الحكم. فهذا الكيان يرى لنفسه اليوم وجودًا مختلفًا،وبنية متحولة جوهريًا باتجاه تحققات جديدة في الرؤية والهدف والمشروع،فلا خوف لديه أن تكون لهذا المشروع الصهيوني أكلافه طالما هوعازمٌ على إحكام البناء الصهيوني، بحيث يكون له امتداده الحيوي في الإقليم،ما يجعل الرهان على خوف العدو من خسارة المصانع والمزارع ومرافيء الحياة المدنية أمرًا ثانويًا إزاء ما يطمح إلى تحقيقه وجوديًا!وهذا ما قد يدفع به إلى المزيد من العدوانية،مستغلًا الدعم الغربي،عسكريًا وماليًا،لتعويض كل خساراته المادية،فإن لم يلجم هذا العدو بسرعة الانتقام العسكري من مشروعه،فإن شيئاً لن يُثنيهُ عن أن تكون له صولات أكثر عدوانية باتجاه محور المقاومة!
ولسنا نستبعد أبدًا اقتناع الغرب المستعمر بالمشروع اليهودي المتطرف،فينطلقون جميعًا في جريمة حربهم الجديدة لإعطاء الكيان الصهيوني ومشروعه الاستيطاني بعده الكامل في المنطقة على أمل أن تكون للقوى الغربية فرصة إقامة شرق أوسط هجين بعنوان الدولة اليهودية في حلتها الجديدة. كما أننا لا نرى في رفض العدو وحلفائه لوقف إطلاق النار في غزة،غير هذا الاستعداد للتطاول على بلاد المقاومة،حربًا وعدوانًا،لفرض وقائع جديدة تضمن لهم سقوط عامل الردع المقاوم،وتُبقي لهم اليد الطولى في فرض الشروط لإخضاع المنطقة وحماية مصالحهم!
ونظرًا لكون هذا العدو قد استقدم كل القوى الغربية لحمايته،فلم يبق أمام محور المقاومة سوى الإسراع في تظهير وسائل ردع جديدة تتعامل مع هذا العدو وفقًا لمعطيات قوته العسكرية التي لا يزال يتبجّح بها في كل حروبه؛فإذا لم يكن ممكنًا إزالة هذا الكيان لأسباب معهودة لدى أصحاب القرار،فليس أقل من أن يطمس وجه هذا العدو عسكريًا لضمان ألا تكون لديه قدرات الحرب لتصفية القضية الفلسطينية،أو لإعلان الحرب وفق مواقيته! بذلك فقط يمكن منع العدو من الانتصار،ومن أن تكون له يد الاغتيال متى شاء وحيث يشاء..والسلام.