طلال الامام / السويد
بغض النظر عن من يقف وراء انتشار ڤيروس كورونا الذي ازهق حتى الان ارواح ابرياء في العالم محدثا زلزالا انسانيا، اجتماعيا ،اقتصاديا وسياسيا تمثل في انهيار البورصات العالمية ،اقتراب افلاس شركات كبرى في مجالات النقل الجوي، السياحة والعديد من الصناعات الثقيلة والخفيفة،بدأت بعض المؤسسات الأوروبية تنهي عقود العمال والمستخدمين المؤقتين والموسميين. نقول بغض النظر عن ذلك كله فانه فتح في الوقت ذاته المجال امام العديد من الاسئلة حول مصير عالم أولويته المال والبورصة وليس صحة الإنسان.
لاحظنا ان هناك نمطان في التعامل مع الڤيروس حسب طبيعة النظام الاقتصادي السياسي:
الاول (الصين مثالا)والذي تسيطر الدولة فيه بشكل أساسي على منظومة الرعاية الصحية والبحث العلمي .
الثاني( دول الاتحاد الاوربي ، بريطانيا والولايات المتحدة ) ذاك الذي ترك الامور للقطاع الخاص، شركات الأدوية، خصخص المشافي وتراجع كثيرا في مجالات تأمين الرعاية الصحية والاجتماعية لمواطنيه .
الاول اتخذ إجراءات سريعة وفعالة لمواجهة الڤيروس وتداعياته عبر حشد امكانياته الطبية والعلمية والاقتصادية وتخصيص مبالغ ضخمة لمختبرات الأدوية لإيجاد الدواء اللازم .افتتح مشافي خاصة بأيام ، استنفر جميع كوادر الدولة ، الامر الذي أعطى نتائج إيجابية ملموسة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا.
النمط الثاني وقع في ارتباك شديد وهلع نقله لمواطني بلدانه. تصريحات "صبيانية" وغير مسؤولة للمسؤولين فيه، ارتباك في اتخاذ الإجراءات المضادة، لطم وصراخ من قلة الموارد اللازمة لمواجهة الكورونا اللعين. وصل الأمر إلى نفاذ مواد التعقيم والقفازات الطبية من بعض الصيدليات والمشافي (في الوقت الذي يتم فيه دفع ملايين الدولارات قيمة لاعب رياضي او اقامة برنامج غنائي).
أجاب أحد المسؤولين السويديين على سؤال لماذا لم تغلقوا المدارس أسوة بدول الجوار مثل النرويج والدانمارك وغيرها اجاب :"ان كلفة ذلك كبيرة "(ذكرني هذا الرد بمقولة لرئيس أمريكي برر إبادة الهنود الحمر في امريكا بانه أرخص من إعادة تأهيلهم ) !
أما رئيس الوزراء السويدي فقد اكتفى بوعظ مواطنيه حول أهمية اتباع قواعد الصحة العامة، غسل الأيادي، الابتعاد عن التجمعات العامة، عدم زيارة المشافي وغيرها.
ساهمت مختلف وسائل الأعلام الاوربية ،وبشكل غير مباشر، في دفع الناس الى حمى شراء وتخزين المواد الغذائية بشكل هيستيري.
الإجراءات التي اتخذتها بلدان النمط الثاني لمواجهة الڤيروس متفاوتة رغم وجود الاتحاد الأوربي الذي كان يجتمع على وجه السرعة لارسال الجنود الى مناطق النزاعات او فرض حصار على بلدان لاتروق له سياساته.
الان ماهي التداعيات المستقبلية لهذه الأوضاع سواء على أوروبا او العالم ؟
اعتقد ان منظومات بلدان النمط الثاني ستمر بازمة اقتصادية ، اجتماعية وسياسية بنيوية حادة، لا تنفع فيها جميع محاولات الترقيع .لقد استنفذ النظام النيوليبرالي والذي حاول بعد انهيار المنظومة الاشتراكية ان يطيل عمره ببعض الإجراءات التجميلية، استنفذ فرص وجوده. النظام الحالي لتلك الدول اصبح عفنًا من الداخل والخارج .لابد من تغييره .ستؤدي الأوضاع الاقتصادية خصوصًا الى ارتفاع نسب البطالة ، الغلاء، تآكل المكتسبات الاجتماعية للناس ، الدعارة والجريمة .كيف سيواجهها وهو الذي وضع مقدرات بلاده الأساسية في ايدي شركات احتكارية عابرة للحدود همها الربح وليس الإنسان، كما تخلى عن دور الدولة الرعائي !
لقد اتضح ان الاتحاد الاوروبي مؤسسة فاشلة في مواجهة الازمات. ثمة مظاهر تشير بوضوح إلى عودة بلدان الاتحاد إلى الحدود القومية السابقة. لذلك نرى ان الاتحاد الاوربي لم يتمكن من اتخاذ إجراءات موحدة في مواجهة الكورونا …صارت كل دولة من دوله تتخذ خطوات منفردة ومن هنا كان الارتباك واضحًا في مواجهة الخطر الفيروسي عبر خطة عمل موحدة .
الأنكى ان دول الاتحاد الاوربي لم تقدم اية مساعدة تذكر لأحد أعضائه / ايطاليا لمواجهة محنتها الناجمة عن انتشار الفيروس فيها بسرعة لافته…فقط الصين قدمت مساعدات طبية من أدوية وأطباء لإيطاليا ولذلك اكثر من معنى.
ان هذا الوضع يطرح جملة من الأسئلة حول امكانية ( مبرر) بقاء الاتحاد الاوربي كمنظومة واحدة ؟ هل ستعود البلدان الى حدوها القومية السابقة ؟ هل سنشهد بناء أسوار جديدة حول كل بلد ؟ اخيرا هل سينهار الاتحاد الاوربي؟
السؤال الاهم ماهو بديل النظام النيوليبرالي المتوحش الحالي والذي استنفذ فرص وجوده؟
هل يدخل الجيش على الخط للإنقاذ؟ المؤكد ان تلك البلدان ستشهد اهتزازات واضطرابات داخلية واسعة بفعل النتائج الكارثية لسيطرة رأس المال بصورته الأكثر وحشية. لكن هل القوى المتضررة من من السياسات الاقتصادية النيوليبرالية قادرة على ان تكون البديل؟
اسئلة كثيرة تطرح بفعل ڤيروس صغير كشف عورة او عورات نظام عالمي كبير، نظام يفقد تدريجيا مبررات وجوده ووصل لطريق مسدود بفعل تعفن أوصاله وأزمته البنيوية .
نعم القديم يموت والجديد يولد وان ببطء.