د. عدنان عويّد – الحوارنيوز- خاص
الكلِيبتوقراطيّة أو حُكم اللصوص، هي حكومة يستخدم قادتها المتحكمون بزمام السلطة أو نظام الحكم، مجموعة من الفاسدين والمطبلين والمزمرين، والأهم من يعلنون ولاءهم المطلق لهؤلاء القادة أكثر من ولائهم للشعب والدولة معاً، وذلك لإدارة السلطة السياسيّة وشؤون الدولة ومؤسساتها بهدف الاستيلاء على ثروات شعوبهم، أو اختلاسها وسرقتها بطرق مختلفة. ومصطلح “كليبتوقراطيّة” كما ورد في “الويكيبيديا” مركب من مقطعين باللغة الإغريقيّة؛ أولهما “كليبتو” Κλεπτο بمعنى لص، وثانيهما “قراط” (κρατ )بمعنى حُكم.
وعادة ما يكون نظام الحكم في تلك الحكومات في الأصل ذا طبيعة ديكتاتوريًّة أو استبداديًّة، أي شموليّة، ومع ذلك فقد تظهر الكليبتوقراطيّة في بعض النظم الديموقراطيّة التي انزلقت إلى الأوليجاركيّة (حكم القلة). ففي نظام حكم الكليبتوقراطيّة، يُثري السياسيون الفاسدون أنفسهم سرًا خارج سيادة القانون، إما من خلال الرشاوى، أو من خلال توجيه أموال الدولة لأنفسهم أو لشركائهم من خلال استغلال مناصبهم في السلطة أيضًا.
خصائص حكم اللصوص:
ترتبط الحكومات الكليبتوقراطيّة عمومًا بالدكتاتوريّة والأوليغارشية (حكم القلة) أو بالدكتاتوريات العسكريّة، أو بشخصيات كاريزميّة أو المرتبطة بمرجعيات تقليديّة كالعشيرة والقبيلة والطائفيّة, وغير ذلك من أشكال الحكم التقليديّ الاستبداديّ القائم على المحسوبيات والتسويات الانتهازيّة المصلحيّة بين مكونات المجتمع، والتي تكون الرقابة الشعبيّة فيها وحكم القانون مستحيلاً أو معدوماً إلى حد كبير. وبالتالي سيؤدي ضعف الرقابة الشعبيّة والمحاسبة القانونيّة إلى تفاقم تحكم المسؤولين اللصوص في موارد المال العام ووسائل صرف هذا المال وتهريبه إلى خارج دولهم.
يتعامل الحكام الكليبتوقراطيون في كثير من الأحيان مع خزينة دولتهم كمصدر لثروتهم الشخصيّة، وينفقون الأموال ويبذرونها كما تُملي رغباتهم على السلع الكماليّة والقصور الفارهة ومشاريع الفخفخة والأبهة بكل أشكالها.. كما يقومون بتسليم استثمارات الدولة الكبيرة ذات المردود الماليّ الكبير وإدارة مشاريعها إلى أقربائهم والموالين لهم, بحيث يشكل هؤلاء الأقرباء والموالون دولاً داخل الدولة الواحدة, يلعب الاقتصاد فيها دوراً كبيراً في التحكم برقاب الناس ومصالحهم. هذا ويقوم الكثير من الحكام الكليبتوقراطيين بتحويل الأموال العامة المسروقة بهذا الشكل أو ذاك سراً إلى حسابات مصرفيّة شخصيّة في بلدان أجنبيّة لتحصين أنفسهم ماليًّا في حال أُزيحوا عن السلطة, أو توظيفها داخل بلدانهم إذا سنت لهم قوانين من قبل حكومة اللصوص تسمح لهم بالاستثمار داخل الوطن المنهوب.
الكليبتوقراطية أكثر شيوعًاً في البلدان الناميّة والدول المنهارة التي تعتمد في اقتصادها على تصدير الثروات الطبيعيّة, أو ما يسمى الاقتصاد الريعيّ.
إن اعتماد الدول الناميّة على مدخول تصدير الثروات الباطنيّة أو الزراعيّة، يكوّن شكلاً من الاقتصاد الريعيّ، الذي يسهل سحبه دون التسبب في انخفاض الدخل. ما يؤدي إلى تراكم الثروة في أيدي النخب الاقتصاديّة المدعومة، وغالباً ما يساعد الفساد بهذا الشكل أو ذاك على زيادة توليد الثروة المنهوبة من الشعب.
في الدول المنهارة أو السائرة على طريق الانهيار بسبب تعميم الفساد وانتشاره في كل مفاصل الدولة والمجتمع، يُرجح الاعتماد على الاستيراد من الدول الأجنبيّة، أو الاعتماد على قروض صندوق البنك الدولي, وهذا الاعتماد يساهم في زيادة استنزاف الموارد الداخليّة للدولة وإفقار الشعب، ورفع الدعم عن حاجاتهم الأساسيّة وأولها رغيف الخبز، والأمر الآخر هو سير حكومات هذه الدول المنهارة أو الشبه منهارة اقتصاديّاً وسياسيّاً إلى التوجه بالزام الدولة نفسها بعقود مع الشركاء الذين تراكمت لديهم الأموال في التجارة من جهة، أو البدء بسحب جزءِ من أموال هؤلاء الشركاء لحساب ميزانية الدولة إذا اقتضت الحاجة من جهة ثانية. والأكثر خطورة هو ما يدفع الحكومة الكليبتوقراطية إلى مزيد من الخصخصة للاقتصاد العام وبيعه، وعقد الصفقات الاستثماريّة لموارد الدولة مع دول أجنبية لإبقاء الوضع على ما هو عليه لأطول فترة ممكنة. وللحفاظ على نفسها وبقائها في السلطة حتى ولو على حساب مزيد من جوع الشعب وقهره وظلمه، وغالباً ما يستخدم الكليبتوقراطيون أموالهم المغسولة للانخراط في عمليات غسيل السمعة، لاعتقادهم بأنهم سيقدمون صورة عامة إيجابيّة عنهم أمام المواطنين، ولكبح الملاحقة الصحفيّة أو القانونية لعلاقاتهم السياسيّة وأصول ثرواتهم. كأن يقوموا بافتتاح مشاريع خيريّة ذات طابع إنسانيّ لعلاج المرضى والمساهمة في تدريس بعض الطلاب الفقراء، أو تقديم معونات مالية من باب الصدقات والزكاة وغير ذلك.
الآثار السلبية لنظام اللصوص على الدولة والمجتمع:
لا شك أن النظام أو الحكومة الكليبتوقراطيّة لها أثارها السلبيّة الكبيرة على أية دولة تنهج النهج الكليبتوقراطيّ، فهو نظام يضر بمصالح الدولة واقتصادها وشؤونها السياسيّة والحقوق المدنيّة فيها. كما يدمر الحكم الكليبتوقراطيّ آفاق التنمية والتطور في الدولة والمجتمع، ويضعف السوق المحليّة الصناعيّة والزراعيّة والتجاريّة ذات البعد التنموي داخل الدولة وعبر حدودها بشكل كبير، والمساهمة في تأمين قشور سوق المجتمع الاستهلاكي الرفاهي للشعب الذي سيدفع مدخراته الماليّة في هذه السوق، وبعد فترة من الرفاه سيعرف أن أمواله راحت لجيوب قلة من اللصوص بشكل قانوني, وبدأت الدولة ذاتها تفقد ميزانيّة مدفوعاتها بسبب غياب التنمية الحقيقيّة. ولأن الكليبتوقراطيّة الطفيليّة والبيروقراطيّة تختلس أموال الدولة والمواطنين معاً عبر إساءة استخدام الأموال الواردة من الضرائب، أو الاقتصاد الريعيّ، فإنها ستؤدي بعملها اللاأخلاقيّ هذا إلى تدهور وتدمير حياة المواطنين بشكل كبير من خلال انتشار الفساد وتعميمه, وتمدده من بنية الدولة إلى بنية المجتمع والفرد. وخاصة عندما تقع هذه الأنظمة في أزمات سياسيّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة, سيرافقها بالضرورة الجوع والقتل على الهوية، والتهجير وضعف دخل المواطن، وهنا تبدأ تظهر على الساحة سلوكيات اجتماعيّة مدمرة لبنية المجتمع ليس الماديّة فحسب، بل والقيميّة بشكل عام، حيث سيسود الخوف من المجهول ويعم الكذب والنفاق والدجل وتجارة الدين وانتشار السحر والشعوذة والأسطورة، وعلى المستوى المادي تنتشر الجريمة والرشوة والسرقة وتجارة المخدرات وتعاطي الدعارة، والأهم هو تردي وضعف الحس الإنسانيّ والوطنيّ عند المواطن، وبدء عمليّة البحث عن الذات الفرديّة على حساب الذات الاجتماعيّة، وحتى الأسريّة منها، فلا مشاحة أن يسرق الأخ أخيه، أو أخته أو أمه أو قريب له، أو ظهور جرائم القتل للقريب والبعيد من أجل الحصول على المال. بتعبير آخر حدوث انهيار تام لكل القيم الماديّة والروحيّة والأخلاقيّة لدى الفرد والمجتمع لتبرز مقولة (إن من يريد الحفاظ على أخلاقه، يصبح كالماسك على جمرة من نار.). أو ظهور أنموذج (حارة كل مِنْ إيده إله).
ملاك القول:
يلاحظ المتابع في هذه الدولة صعوداً رديئاً لقواعد تتسم بالرداءة والانحطاط المعياريين. لقد تدهورت متطلبات الجودة العالية لكل شيء, وغيب الأداء الرفيع، وهمشت منظومة القيم, وبرزت الأذواق المنحطة، وأبعدت الكفاءات فسيدت شريحة من التافهين والجهلة، وذوي البساطة الفكريّة، وكل ذلك لخدمة أهداف السوق والربح السريع وتكديس الأموال، وسيادة البرجوازيّة الطفيليّة والبيروقراطيّة وشهوة السلطة, تحت شعارات الديمقراطيّة والشعبويّة وحريّة الاختيار الفردي والشعارات الثورية الفارغة شكلاً ومضموناً. إنها (دولة التفاهة أو الرذيلة).
*كاتب وباحث من سوريّة