رأي

الكلام الحر في طوائف لبنان(د.نسيم الخوري)

 

بقلم الدكتور نسيم الخوري

أمس، كان اللبنانيون يتحلّقون حول الميثاق الوطني وعيونهم تبحث عن البلاهة، ولما حلّ الصباح، كانت نصوصهم وأولادهم وتواريخهم حطباً محروقاً لفي المستنقعات المتهالكة فوق أرصفتهم وساحاتهم وفقرهم.

وأختصر:

١- تستمرّ الطائفة الأولى التي تعتبر نفسها المالكة للبنان تحضن عيسى بن مريم في مذودٍ من بيت لحم. جمعوا وطناً من قصبٍ مختلفا ومتناثر المواقف والزعامات، وداروا خلف بطرس في العالم. إن نفذ قصبهم، يشحذون عظامهم عكازات لإجتياز الطريق دفاعاً أبدياً عن بكارة ثوب لبنان الأوّل. ترقد ألسنتهم وعظمتهم تحت سترة الباباوات بينما قدّيسهم يبقى واقفاً على الرصيف يشتاق الى حضنه البكر في الشمال السوري.

٢- يعشق أبناء الطائفة الثانية الرحيل نحو الكروم البيزنطية في خلد بوتين، وقد تجمّد تاريخهم فوق شفتي يوحنا الذهبي الفم في رحلتيه نحو الغرب صيفاً وشتاءً، وهم ما برحوا ينبشون مناجم من حضاراتٍ تتوالد ولا تنتهي لكنها تشيخ كلّها في نهاية المطاف وتقف عند أرصفة التاريخ وهوامش الكتب والمعاجم. هم الذين قلعوا الحجارة الأولى للكنيسة الأولى في الشرق العربي، وما كانوا إلاّ على رصيف السياسة في حياتهم، لكن إذا صرخ طفل في القوقاز أو كييف أو في أميون ودمشق يختل الشريان البيزنطي في الشرق كلّه، ولا بدّ لهم من ترتيل نصوصهم بعدما يحركونها ويشكلونها بنصوص القرآن الكريم.

٣- يعيش أبناء الطائفة الثالثةعلى شيم الصحراء ويقيسون أنظارهم بملايين السنين الضوئية حيث منحهم الله كنوز الأرض وكنوز السماء في كلمته الثالثة الأخيرة. الإمبراطوريات كلّها بنظرهم بما فيها التركية والفارسية وحتّى الجديدة تغيب عنها الشموس إن طغت وتركن قطعاً الى الظلام. يملّح أبناء هذه الطائفة ألسنتهم ونصوصهم برمل الصحراء وفيه يخفون مفتاح الكلمة السماوية الثالثة التي أنزلت على نبيهم، ويتلفعون بنظرة أبي بكر قاعداً في فيء نخلة. يصطفون مثل حبّ الرمل والتاريخ أوّله وآخره رمل لن يفهم أسرار علاقاته غرب ولو ساعدهم على جعل الصحراء رياضاً تتجاوز اليمن السعيد العتيق.

٤- يحشر أبناء الطائفة الرابعة في ضلوعهم كنوز السماء وخير الصحراء خوفاً عليها من برد وطغيان. هم سرّ الشرق وسحره، وشهدوا عناق اللونين الأزرق والبني المذهّب أمام كثبان تهامة. هندسوا التوحيد وأخفوا أسراره في تجويفة رأس عجلٍ كأساس للملاطفة بين وعورتهم وشراسة الإمتداد في الشرق حيث تتيه النصوص. ولا بدّ من التخفّي في اللسان ولا تنكسر فيه القاف، ففي تلالهم تبني الشمس أعشاشها وتضع بيضها الذي لا يسطع إلاّ فوق نصّهم المجهول.

٥- يحمل أبناء الطائفة الخامسة الجبّة الملطّخة بالدماء يشهرونها في وجه الكون الى الأبد. فالمستقبل للكثرة كما يتصوّرون ويصدقون، وهم أصحاب حقٍّ يرونه خاتماً لحمياً ينزلق في خنصر العالم في الغرب والشرق وإلاّ التساوي معه والتهديد بالنوويات. ما برحوا يقعدون فوق عتبة سلمانهم الفارسي وما أدركوا أن الباب ورثه أبو شعيب النميري.

هذا هو تاريخنا يا سادة. طوائف أو كلمات خمسة نقشناها في أساس وطننا.

هناك” طائفة” سادسة كبيرة مثلك ايها اللبناني البائس الهزيل الواقف على الرصيف، ونحن وانت نعلم ونتطلع الى الرقم سبعة اللامع في تواريخ الأمم، حاولت النزول الى اليم لكنّ التلوّث خنقك لضعفك فكان قاتلاً.

إنه الوطن الحر اللاطائفي الشبابي يسقطونه من عيونك للمرّة الجديدة الألف، وكلّما أسقطوه تهوي ويسقط حلم الوطن برمته مرّةً جديدة لتفرّخ المذاهب مرّات ومرات فتتجاوز الإحدى عشر طائفة جديدة.

الخلاصة:

لو أوقفنا النقش قليلاً على الجدران، ورحنا نتسلّى بأحرف طوائفنا الأولى كما الأطفال برمال الشاطىء، ماذا نجد؟

كلمات مثل: دم، سأم، شك، سم، شد ومشاكسة.

كيف نبني وطنا إذن في هذه المستنقعات الطائفية التي لم ولن تعرف الجفاف؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى