الكراهية بين الماضي والأوسمة
أربعة من الأحداث تدور رحاها بين لبنان وكندا، أولّها، منح حاكمة أوتاوا الكندية وساما وطنيّا، تكريمًا لفتاة لبنانية لم يتعدّ عمرها ثلاثة عشر عاما، نتيجة تطوّعها للعمل الخيري، وثانيها، تجمّع عشرات الشبّان والشابات اللبنانيين في بيروت رفضًا لخطاب الكراهية المتنامي، وثالثها، قناة تلفزيونية تعرض بمباهاة مضمرة لعشرات من الشباب يعتدون لفظًا وتوبيخًا، على شابّ لاجئ، جرّاء عمله في أحد محال بيع المأكولات السريعة، ورابعها، صوت متصاعد من إحدى الشقق السكنيّة، بشكل شبه يوميّ، لسيّدة تعنّف لفظيّا وجسديّا، عاملة لديها في الخدمة المنزلية،
وحدثين اثنين من الأحداث الأربعة يدعوان لخفض جناح الرّحمة، ونبذ الكراهية، وإعلاء شأن الإنسانية، وهما منح الوسام لمهاجرة، ورفض خطاب الكره، بينما الحدثان الآخران يعليان من شأنه (الكره)، ويزيدان من منسوبه، في حين أنّ ذلك كلّه، هو نتاج الجماعات اللبنانيّة، الواقفة على حدود الدخول في مضمار الوطن، تراجعا وتقدّما، في آنٍ معا تتراوح في منزلة بين منزلتين، تتقارب من التراجع، أكثر منها من التقدّم.
وإذا كانت الجماعتان، مانحة الوسام، والمعتصمة بمواجهة الكره، قد تخطتا البنية المستتِرة والمستبطَنة، وانتقلت من سردية ماضيها، نحو المستقبل، معليتان من شأن الـ "نحن – الأنسان"، فإنّ الجماعتين الأخريين، مازالتا في طور التحوّل، أو المراوحة في مكانها، معليتان من شان الـ "انا – الآخر"، تستبطن ماضيها البربري، تنعشه ذاكرتها الجمعيّة، كلّما نبا بها دهرٌ أو غدر بها خليلُ.
لذلك، صعبٌ على الجماعات اللبنانيّة الخروج من شبكتها العنكبوتية، طالما هي تتراجع نحو الماضي، وتنكر على نفسها، قيام دولة تؤمّن لها الانتقال نحو حياة، لا خوف فيها على المستقبل ولا على المصير، وعندئذٍ، يمكن استبدال العنف بالأوسمة.
.