“القوات” ودور الوصي على اللبنانيين (أكرم بزي)

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز
في الآونة الأخيرة، برز خطاب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بوصفه محاولة متجددة لإظهار نفسه وصياً على الدولة اللبنانية ومقرّراً لكيفية اختيار ممثلي الشعب، من مختلف الطوائف والمناطق.
فقد جاء تصريحه الأخير حول ضرورة “قطع رأس الأفعى” في إشارة مباشرة إلى الثنائي الوطني، ليؤكد نهجاً تصعيدياً لا يتورّع عن الدفع باتجاه توترات قد تعيد فتح جراح لبنانية لم تندمل بعد.
وترافق ذلك مع مواقف داخل القوات حاولت رسم حدود جديدة للتمثيل السني في البقاع، عبر وضع معايير للطائفة وتحديد من يحقّ له الترشّح ومن لا يحقّ، وكأنّ القوات باتت المرجعية القادرة على تحديد أدوار المكوّنات اللبنانية كافة. هذا الخطاب يعيد إنتاج ذهنية قديمة تعتبر نفسها مخوّلة لصياغة الحياة السياسية للمسلمين والمسيحيين على حدّ سواء، وهو ما ظهر أيضاً في مهاجمة رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ودعوتهما لاتخاذ قرارات من شأنها إشعال الفتنة بين اللبنانيين.
وفي السياق نفسه، أتت تصريحات بعض المحسوبين على الخط الإعلامي للقوات، مثل يوسف رجي، الذي حاول تبرير استهداف رموز وطنية بالسؤال الاستفزازي: “شو دخل نبيه بري؟”، في محاولة لتبرير خطاب إقصائي لا يعترف بوجود شريك وطني آخر. كما ترافق ذلك مع سعي القوات لإلغاء الدور المسيحي الآخر ومحاولة احتكار تمثيل المسيحيين وحصر القرار السياسي بهم، وهو نهج يعيد إلى الأذهان مراحل سوداء من تاريخ الصراع المسيحي–المسيحي.
ويتعزّز هذا المشهد حين تعود إلى الذاكرة صفحات دامية من تاريخ القوات، يوم خاضت مواجهات مع الجيش اللبناني ومع قوى مسيحية أخرى، وأدخلت الساحة المسيحية في حروب الالغاء التي دمّرت البنى الاجتماعية والسياسية للمجتمع. كما لا يمكن تجاهل التعاون الموثّق بين القوات والاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب، سواء في الدعم العسكري أو التنسيق الميداني، ما جعل جزءاً كبيراً من اللبنانيين يعتبرون أن هذا الحزب لم يتخل يوماً عن رهاناته على الخارج في محاولاته لفرض مشروعه السياسي بالقوة.
ومع تجدد الخطاب الداعي إلى استهداف مكونات وطنية، واستحضار نبرة التحريض على ضرب قوى أساسية في البلد، تماماً كما دعا سامي الجميل سابقاً، تتجلى محاولة واضحة لإعادة رسم الخريطة السياسية عبر إلغاء شركاء أساسيين ودفع لبنان باتجاه انقسام خطير.
وفي مواجهة هذا النهج، تبدو الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى توحد جميع القوى الوطنية بمختلف أطيافها، لحماية السلم الأهلي ومنع انزلاق البلاد نحو مشروع تدميري لا يستفيد منه سوى القوى التي رهنت نفسها للصدام والتحريض والانقسام.


