القوات اللبنانية وليدة النظام الطائفي وربيبة السلطة تتنصل من مسؤولياتها
حكمت عبيد – الحوارنيوز خاص
أغرب ما في الخطاب السياسي اللبناني لغالبية الأحزاب اللبنانية، لاسيما الأحزاب الطائفية والمذهبية، هو التناقض الجلي الى حد الانفصام.
كذب موصوف، لا مساءلة داخلية ولا قانونية.
ومن النماذج الفاقعة في هذه الأيام خطاب “القوات اللبنانية” وهي الحزب الذي نشأ ليدافع عن النظام الطائفي ويتبنى فلسفة الفرادة اللبنانية خارج الانتماء العربي ويحاول أن يبني نظاماً مرتبطاً بمحور المصالح الأميركية والإسرائيلية، لحقبة امتدت علنا منذ العام 1975 ولتاريخ إقرار وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف).
والقوات اللبنانية، كما هو معروف، نشأت كمنظومة عسكرية أسسها بشير الجميّل سنة1976 لكي تكون الذراع العسكري للجبهة اللبنانية، والسبب الرئيسي لتأسيس القوات اللبنانية “هو تنظيمي وتحضيري تحسباً لتحديات عسكرية كانت تحيط بمسيحيي لبنان وليس لإقامة حزب جديد أو انتخابات مختار أو بلدية ..إلخ” كما اعلن الجميل بنفسه..
ولطالما كانت القوات “ذراعاً” فهي كانت ذراع دولة الاحتلال سابقاً بحجة مقاتلة فصائل الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الزعيم الوطني كمال جنبلاط والمدعومة من منظمة التحرير الفلسطينية ومنع الحركة الوطنية من تغيير النظام الطائفي.
وهي كانت ذراع اسرائيل مباشرة أبان اجتياحها للبنان في العام 1982
وهي كانت ذراع النظام السوري في مواجهتها لحركة العماد ميشال عون.
وهي الآن ذراع الولايات المتحدة وحلفائها لمواجهة “المقاومة” وإضعافها كسبيل لقبول لبنان بالشروط الأميركية للتسوية الشاملة في المنطقة ومن هذه الشروط: القبول بالتوطين، التنازل عن المياه، وعن النفط، وعن مساحات من الأراضي الاستراتجية في جبل الشيخ وكفرشوبا، ووضع استراتيجة جديدة للجيش اللبناني تقوم على اعتبار دولة الاحتلال دولة غير عدوة”. (الحياد)
لقد شاركت “القوات اللبنانية” في حكومات ما بعد “الطائف” في تكتيك هدفه تقطيع المرحلة بأقل خسائر والعمل تدريجيا لإستعادة بالسلم ما خسرناه بالحرب.
وشاركت في نحو خمسة حكومات وساهمت بتغطية الصفقات وكانت شريكة بصنع السياسات الداخلية والخارجية للحكومات المتعاقبة.
ورغم مشاركتها المباشرة والقوية في السلطة التنفيذية وفي صناعة القوانين وإقرار الموازنات طيلة الحقبة السابقة تطل علينا اليوم النائب ستريدا جعجع خلال اجتماع الهيئة الإدارية لـ “مؤسسة جبل الأرز” في معراب، أنه “حان الوقت لكي ينتفض الشعب بشكل كامل على هذه السلطة السياسية، التي تنقله من مصيبة إلى أخرى وترمي به للفقر والعوز والتقهقر والذل والموت. فبعد كل الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية والصحية والسياحية والصناعية والزراعية والتربوية التي نعانيها في لبنان منذ ما يزيد عن العامين بسبب فساد وسوء إدارة هذه السلطة السياسية للبلاد…”.
كلام النائب جعجع، بدا كأنه تنصّل من مسؤوليات القوات طوال فترة مشاركته في السلطة التنفيذية لنحو عشرة سنوات متقطعة فضلا عن مشاركتها في السلطة التشريعية.
لقد شاركت القوات اللبنانية مباشرة في حكومات ما بعد الطائف: في حكومة الرئيس عمر كرامي بتاريخ 24/12/1990 فإلى جانب النائب جورج سعادة جرت تسمية سمير جعجع وروجيه ديب. (استقالا لاحقا)
ثم في حكومة الرئيس رشيد الصلح بتاريخ 16 أيار 1992 من خلال جعجع مباشرة أيضا الى جانب ايلي حبيقة.
ثم انقطع تمثيل القوات طوال ولاية الرئيس اميل لحود لأسباب تتعلق بالجرائم التي ادين بها قائدها من قبل القضاء اللبناني، حتى الحكومة الثانية في ولاية الرئيس ميشال سليمان برئاسة الرئيس سعد الحريري ممثلة بالوزير سليم وردة بتاريخ 9/11/2009.
ومن ثم عادت بقوة لتحضر في الحكومات خلال ولاية الرئيس ميشال عون وتمثلت في الحكومة الأولى للعهد برئاسة الرئيس سعد الحريري بغسان حاصباني كنائب لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للصحة الى جانب الوزيرين: ملحم رياشي للإعلام وبيار بو عاصي للشؤون الاجتماعية.
وتبعها حكومة الحرير الثانية في عهد الرئيس عون بتاريخ 31/1/2019 وتمثلت أيضاً بحاصباني كنائب لرئيس مجلس الوزراء ومي شدياق للإعلام وريشار قيومجيان لوزارة لشؤون الإجتماعية التي شهدت على مدى ولايتي القوات خروقات واضحة للقانون في التوظيف والتمييز.
لقد تعب الشعب اللبناني من نظام طائفي ولدت من رحمه أحزاب طائفية منها حزبي القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، وزاد ذلّ اللبنانيين أزماتهم التي تسبب به فساد يكاد يكون متساوياً بين كل من شارك في السلطة وبعض راعاتها، فإلى متى نستمر بدفن رؤوسنا في الرمل؟