إقتصاد
القطاع العام في لبنان نحو الإنهيار الكامل..والحلول المطروحة ترقيعية (عماد عكوش)
كتب د.عماد عكوش:
كان القطاع العام اللبناني في ستينيات القرن الماضي يقتصر على الإدارات الحكومية إلى جانب عددٍ قليلٍ من المرافق العامة . بعد ذلك توسّع هذا القطاع ليشمل عددًا من المؤسسات المصرفية بالإضافة إلى مصفاتي طرابلس والزهراني .
حافظ القطاع العام على أدائه الجيد ولم يعانِ أي عجزٍ يذكر، بل على العكس، البعض من تلك المرافق الحكومية حقّق أرباحا لمصلحة الخزينة . وقد استمر هذا الحال إلى حين اندلاع الحرب التي ما لبثت أن هدمت كل عمليات بناء المجتمع والاقتصاد . بعد ذلك الحين، بدأ القطاع اللبناني بالتلاشي والانهيار ، فانقلبت أرباحه إلى خسائر وفائض الموازنة إلى عجز كبير والرقابة إلى فوضى .
عمل لبنان بعد اتفاق الطائف على أن يتماسك من جديد بعدما دمرت الحرب على مدار 15 سنة كيانه ومزّقت أضلاعه ، ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن ، إذ ازداد حجم الفساد الإداري .
ويعود ضعف القطاع العام اللبناني إلى عدّة أسباب أبرزها :
– الدمار الذي تعرّض له لبنان وتحديدًا بنيته التحتية نتيجة الحرب الأهلية .
– هشاشة بنية الدولة المبنية أصلًا على نظام طائفي وزعامات موروثة .
– التدخّلات السياسية المتزايدة في عملية التوظيف وما ينتج عنها من فائض في العمالة وضعف في المهارات والخبرات .
– تفشي ظاهرة الفساد على نطاق واسع بسبب ضعف أجهزة الرقابة في الدولة.
– عدم استقلال القضاء ، الأمر الذي يعرقل ثقافة المساءلة والمحاسبة وضبط المخالفات ومكامن الفساد.
– ضعف في نظام الحوكمة والإدارة السليمة.
– تفشي البيروقراطية نتيجة المركزية الإدارية وانحسار اتخاذ القرارات بجهة محددة من دون سواها .
– إفتقار الإدارات ومؤسسات القطاع العام إلى نظم إدارية ومالية متطورة وعصرية وإجراءات واضحة.
– عدم توصيف الوظائف في الوزارات والإدارات العامة .
– عدم مواكبة التقدم التكنولوجي والمكننة الإدارية إلّا في نطاق محصور وضيّق .
إنّ أي نقص في كفاءة الموظف يرتد سلبًا على سلوكه وأدائه الوظيفي ، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الإدارة . أمّا أسباب نقص الكفاءة فتعود إلى عدة عوامل ومنها:
-
سوء اختيار الموظفين الناتج عن التوظيفات العشوائية والمحسوبيات السياسية والأقارب …
-
بيع الوظائف الشاغرة في القطاع العام.
-
غياب الإعداد والتدريب للموظفين.
-
النقص في المهارات والخبرات.
ماذا يحصل في القطاع العام اليوم؟
منذ أكثر من سنة ، والإدارات العامة في لبنان تعاني من نقص كبير في التجهيزات والمستلزمات ، وذلك وسط استمرار الأزمة المالية والاقتصادية التي تضرب البلاد منذ أكثر من سنتين . مع بدء الأحتجاجات في 17 أكتوبر 2019، لم يكن من الواضح لدى كثيرين حجم الاهتراء في القطاع العام ، إلا أن الأمور أنكشفت ، وبدأت تتمظهر وبشكل واضح .
كُل إدارات الدولة اليوم تقريبا تأثرت بما حصل منذ أواخر عام 2019 ،وهذا ما دفع موظفي القطاع العام الى البحث عن وسيلة للخروج من هذا الواقع ، عبر الصمود بالحد الأدنى المتوفر لديهم ، بساعات عمل أقل ، وأداء وظيفي يكاد يكون معدوما في بعض الدوائر. ويتعذر على مؤسسات الدولة تأمين العديد من المستلزمات لعمل الدوائر التابعة لها لا سيما من ناحية القرطاسية والأوراق ، فضلا عن استحالة تأمين الصيانة للمكاتب والمولدات وللسيارات التي تُستعمل في الوزارات ،وكُل ذلك بسبب امتناع مزودي الخدمات عن التعامل مع أي شيء له علاقة بالدولة كونها لا تدفع إلا بالليرة اللبنانية وعلى سعر 1500 ليرة .
حجة الدولار أينما كان ، ولكن فعلياً دوائر الدولة ليس فيها أوراق . على سبيل المثال ، من يريد أن يستحصل على إخراج قيد جديد ، يتوجه إلى دائرة النفوس ليتبين في غالبيتها أنه لا يوجد أوراق ولا حبر لإنجاز المعاملة ، وبالتالي اتُخذ القرار بختم “إخراجات القيد” القديمة لكي يستطيع من يريد تخليص معاملته أن يفعل ذلك من دون الحاجة إلى واحد جديد. ما هو حاصل في بيانات القيد، ينطبق على كل المعاملات الإدارية في كل الدوائر.
أما دوام العمل في القطاع العام فقد تقلص بفعل الأزمة. ففي وزارة الطاقة مثلا يبدأ الدوام الساعة الثامنة صباحاً لغاية الساعة الحادي عشرة،والسبب ان المولدات التي تغذي الوزارة بالطاقة تعمل لثلاث ساعات وبالتالي بعدها لا كهرباء ، فتحول الدوام الوظيفي لثلاث ساعات يوميا، هذا ما عدا المداورة أيضاً التي بدأت بسبب كورونا ومستمرة إلى اليوم.
وكانت الحكومة اللبنانية قررت نتيجة للظروف التي مر بها العالم بسبب جائحة كورونا، أن تعتمد نظام المداورة للتخفيف من الاختلاط في الوزارات والمؤسسات العامة تطبيقاً للتباعد الاجتماعي وفي محاولة للتخفيف من انتقال العدوى ، إلا أن هذا النظام لا يزال يُطبق اليوم، ولكن لم تعد كورونا هي السبب المباشر بل الأزمة الاقتصادية.
وكان صدر قرار عن الدولة اللبنانية وضمنته في موازنة عام 2019 يمنع موظفي الدولة من الاستقالة ، وإن فعلوا فإن ذلك يعني تخليهم عن تعويضهم والراتب التقاعدي الذي يتحصلون عليه ، ويبقى هذا القرار ساري المفعول حتى عام 2022 ، بمعنى أوضح تم تجميد طلبات نهاية الخدمة بشكل كامل. هذا الواقع أدى الى نزوح جماعي من القطاع العام، ألا أن الدولة تتكتم حول الرقم الفعلي لمن غادر هذا القطاع ، مع تسجيل حالات انقطاع عن العمل من دون أي إجراء مسلكي يُتخذ بحق المخالفين .
المعاملات لدى الوزارات أصبحت تأخذ بدل الأيام أسابيع وربما أشهر نتيجة المداورة من جهة ، ونتيجة نقص القرطاسية والمطبوعات من جهة ثانية ، أضافة طبعا الى أن هناك مشكلة ثالثة وهي الطوابع المفقودة بشكل شبه كامل. كل ذلك يؤخر معاملات المواطنين ويمنع العمل بشكل مقبول .
-
المعالجات الحكومية:
نتيجة لهذا الواقع طرحت عدة حلول، واحداها يجرى بحثها حاليا وهي زيادة الاجور، والسؤال المطروح اليوم :هل ستشكل هذه الزيادة في حال تم اقرارها المدخل للخروج من النفق؟
كل ذلك يبدو صعباً للغاية حتى الان في ظل دولة منهكة مثل الدولة اللبنانية . لذلك يبقي تصحيح الاجور ، والذي هو حل مرحلي ، الخيار الانسب حالياً ، وخاصة بعد ان وصل الوضع إلى مرحلة بات فيها المواطن غير قادر على انتظار استقرار سعر صرف الدولار ، في ظل الارتفاع الهائل لكلفة المعيشة .
وتقول مصادر مطلعة ان موضوع تصحيح الاجور، تم وضعه على سكة التنفيذ ، ويجرى بحثه على خطين: الاول يتمثل بالحكومة بوصفها رب العمل بالنسبة لموظفي القطاع العام ، والثاني هي الهيئات الاقتصادية بوصفها ممثلة للقطاع الخاص ، وذلك بهدف إيجاد قواسم مشتركة تحفظ الحد الادنى من العيش الكريم للطبقة العاملة ، لكن المؤسف أنه يتم بمعزل عن تأمين التمويل المطلوب ، وبمعزل عن كيفية التطبيق النهائي، بل على أعتبارها سلف أو مساعدات اجتماعية لا تدخل في صلب الراتب . وبنتيجة الحوار أيضا تم التوصل إلى اتفاق على زيادة بدل النقل بحيث يصبح 65 الف ليرة يومياً ، كما تم الاتفاق مع لجنة المؤشر على زيادة مبلغ المنح الدراسية للقطاع الخاص .
هذا الأمر والحل لن يعالج لا مشكلة القطاع العام ولا مشكلة القطاع الخاص لعدة أسباب :
-
أولا” : بالنسبة للقطاع العام :
– لن يحل مشكلة الصيانة .
– لن يحل مشكلة القرطاسية .
– لن يحل مشكلة المحروقات .
-
ثانيا” : بالنسبة للقطاع الخاص: