رأي

القضاء اللبناني ومفاجأة الصحوة الفائتة(فرح موسى)

أ.د فرح موسى – الحوار نيوز

يروى من عجائب التاريخ أن رجلًا اسمه”راسون ارتا”، من الاوروغواي في عام ١٨٧١ م نجا من حريق سفينة أمريكية،وقد سبب له ذلك أزمة حادة.وقيل:إنه بعد ذلك لم يصعد سفينة قط،لكن بعد واحد وأربعين عامًا قدّر له أن يصعد سفينة” تايتانيك”.!
لقد فوجىء اللبنانيون بصحوة فائتة في لحظة غائمة،أن القضاء اللبناني يشهر سيف العدالة،ويُحدث ضجةً هائلةً في توقيف مَن لا قدرة له على الوقوف!فجاء التوقيت لافتًا، والقرار القضائي حازمًا؛ولكن يبقى السؤال،كيف يمكن للقضاء اللبناني أن يحقق العدالة بعد طول غياب،وهيمنة الفساد على العباد والبلاد،وصدمة إياب؟؟
لقد اعتاد اللبنانيون على موت العدالة،وإلفة الهجانة،فإذا بهم يصحون على توقيف الحاكم المالي العظيم،ففرحوا لصحوة قضائهم، ولعزم نبلائهم؛وكأنهم بذلك يأملون برجوع المال،وإصلاح الحال، وبشرى المآل!فهم لَّما يستفيقوا بعدُ من هول المفاجأة،أن حاكماً يسقط من عليائه،ويبوح بأسراره، ليكون خبرًا في السياسة والقضاء،وذكرًا ليس له من انقضاء في الشهرة والبقاء!فهو الحاكم الذي ارتوى من معين السياسة حتى الثمالة، وأدار قطب رحى المال بخبرة التقانة،واختار أن يكون عنوانًا للتوقيف وتحقيق العدالة.إنها المفاجأة الكبرى في لحظة موت العدالة،واستقرار الفساد على أنه إصلاح وشهامة،وقد خبر اللبنانيون معنى أن تتفاهم السياسة مع القضاء لإبرام صفقات التخريج والتثوير،ولجعل العدالة رهينةً للتوقيف والتوقيت!فها هو الحاكم يعود إلى وطنه من وطن غربته،حاكمًا،وقاضيًا،وراضيًا بعدالة الموسم!معلنًا بكل ثقة واعتزاز فوز توقيفه،والنجاة من حيَل تجريمه!!
إن عدالتنا اللبنانية اليوم هي أشبه ما تكون بذلك الرجل الذي امتنع عن ركوب السفن خوفًا من الغرق،فغاب زمنًا طويلًا ثم عاد ليموت بالسفينة غرقًا،فهل عدالتنا عادت من فورها لتحدث أثرها،فتنقذ نفسها من عبث السياسة،أم أنه سيكون لها مصير الموت بعد طول انتظار وصبر احتضار ؟ فيكون حالها حال ذلك الرجل الذي مكث طويًلا ثم صحا غريقًا!؟!؟ وكم هو عظيم افتخار زعماء السياسة بريادة القضاء واتخاذ القرار،وهم أكثر الناس توهمًا بالبراءة،واستحقاقًا للمساءلة،ولهذا نراهم يعدّون المسارح لتلافي المخاطر،وتحقيق الغاية في الإظهار والإخراج!فإذا لم تكن العدالة نقيضًا للسياسة،فلن يكتمل فصل المحاكمة،وسيبقى التوقيف نُزُلًا،والتوقيت غلفًا!!فالعدالة ليست طفرة حياة،وإنما هي قيامة وجود، وأساس استقرار في الملك والملكوت،فكيف نزويها زمنًا،ثم نحييها طفرة وكمدًا؟
فليبق اللبنانيون على صدمة عدالتهم،ومفاجأة قضائهم،لعلهم يأملون خيرًا، ويرون قضبان الحديد تحبس أسودًا وذئبانًا!ولكن ماذا عن عهود الفساد،وهجرة الأموال، وضياع الودائع،ومسؤولية الحكام؟فهل مات كل شيء بقرار التوقيف،أم أن حاكم المال قد وعد بالتسويف والتجديف؟وهل عهدنا ميّتًا تعود له الحياة،أو مريضًا يكون داؤه سببًا للشفاء؟فإذا كان القضاء سيد نفسه،وله سلطة الحكم في تحقيق العدالة،فليكتب لنا فصلًا عن حرية قراره،ونزاهة أحكامه،بحيث يؤخذ بالحاكم الموقوف إلى حيث لا تنتهي السقوف،ويعلن على رؤوس الأشهاد أن الطغمة الحاكمة ليس لها دخالةُ في التوقيت المشبوه!
إن صحوة العدالة في اللحظة الغريبة، والطفرة العجيبة،تجعلنا حيارى أمام لبس السياسة في قرار العدالة،وما دامت عدالتنا تحيا بالطفرات،فإن شيئًا ما لن يكشف في الغمرات،بل سيموت كل شيء حتى يُزوى الناس نهائيًا في لجة الفساد،أو يصدّقون أن حكامهم هم سبب غياب العدالة،وأساس كل بلاء.والسلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى