القصة الكاملة لما يجري في نقابة الأطباء؟
القلق الوجودي في لبنان يمتد ليطال الأطباء في نقابتهم وككل المؤسسات والادارات العامة وككل النقابات في البلاد، تعاني نقابة الأطباء من سوء تدبير اداري – مالي يزيد من تراكم الأعباء على كاهل الاطباء ويزيد المشهد سوداوية ما يجعل المرء يؤمن ان الاحباط السياسي-الاقتصادي في الوطن داء معدِ يطال الجميع .
من أزمة الثقة بين الأطباء ونقابتهم عند تشييد بيت الطبيب إبان عهد الطبيب غطاس خوري، والى اليوم والأسئلة الاتهامية-المصيرية تتراكم حول نقابة الاطباء ، ولا إجابات مقنعة في الجمعيات العمومية ولا من خلال تصريحات النقيب واعضاء مجلس النقابة بما خص حال المالية العامة وطريقة الصرف القانونية ،وهل هناك من موازنة سنوية تُصرف الاموال وفقها ،ام ان صرف المال يحصل بتوقيع عملي من النقيب، ما معناه ان أدوات الرقابة ضعيفة او مشلولة او تفتقر للثقة او غائبة، إضافةّ لفضيحة المعاش التقاعدي المتدني(400$) والضمان الصحي الهزيل للطبيب.
ليس سرّا أن من قاد سابقا ويقود حاليا نقابة الأطباء هي الأحزاب اللبنانية الحاكمة متمثلة في أعضاء مجلس النقابة ،واكثر تحديدا التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في سدّة الرئاسة .
التململ والتذمر وحال الاحتجاج والامتعاض بين الأطباء ازدادت في السنوات العشرين الأخيرة ،ولم تؤد المطالبة بالحقوق عبر الاطر القانونية الحضارية الى اي نتيجة او الى اي تغيير في السلوك النقابي – المالي- الاداري كحال كل ادارات الدولة اللبنانية، بل شعر الكثير من الأطباء أنهم كانوا وما زالوا نتاج صفقة بين تسويات الأحزاب الحاكمة في النقابة، لا تليق بتاريخ الاحزاب وعراقتها.
هذا الكلام قابل للنقاش، الى لحظة تطورت فيه طرق التواصل الالكتروني واصبح التواصل بين الاطباء من كل لبنان سهلا وسريعا ومجدياً، ما جعل شرح الامور في ما بينهم واضحا وعمليا، ما أثمر حراكا لم تعتده النقابة ولا شريحة الاطباء المخمليين الذين يجدون أنفسهم غير معنيين بالصراخ والاحتجاج والمطالبة بحقوق اكثرية الأطباء .
"حراك الأطباء" حراك طبيعي وليد اصطدام اسئلة مصيرية بإجابات مترددة وحائرة الى حد ّالشبهات، ثمرة اندفاعات شبابية متحمسة ما عاد الظلم والشبهات عندها وجهة نظر لطرف او لحزب او لمزاجية اي رئيس .
إنه حراك الكتروني جيّد لأطباء متحمسين ومحقين، في زمن اعتياد الحكم الميكانيكي السيء…
في الثامن من شهر تشرين الثاني من سنة 2018 كان للحراك وقفة احتجاجية حضارية عند مدخل النقابة، وقد توجه النقيب اليهم وحصل بينهم حوار لطيف، حمّل المحتجون آنذاك نقيبهم وجهة نظرهم المختصرة بمطلبين:
1- رفع المعاش التقاعدي للطبيب
2- ضمان صحي لائق بالطبيب قبل وبعد تقاعده.
الا ان الامور سارت عكس ما تشتهيه آمال الاطباء، إذ في الوقت الذي تئن فيه النقابة من نقص المال ،وجد الاطباء أنفسهم امام توظيف السيدة نادين حداد بمعاش مرتفع جدا فاق (6000$) مع صلاحيات مستمدة من واجبات مجلس النقابة، ما لم يرضي بعض أعضاء المجلس أنفسهم، علما ان مجموعة من أعضاء مجلس النقابة كانوا قد تقدموا بشكوى قانونية امام القضاء ضد ما هو ضبابي في سلوكيات النقابة اداريا وماليا .
التخبط والاصرار على الضبابية استفز كثيرين من الاطباء فلجأوا الى تعطيل جلسات اجتماع مجلس النقابة في كل يوم ثلاثاء عبر تواجدهم في نفس الوقت وبكثرة.
من جهة أخرى ردّ النقيب بتحويل 17 طبيبا الى المجلس التأديبي ما أعتبره الاطباء محاولة للقمع بدل محاولة فتح حوار ،ومحاولة للاستبداد بدل توضيح الامور الغامضة ،ومحاولة لستر عيوب سابقة وحالية في النقابة بدل تصحيح مسار منحرف.
بالتأكيد ان اطباء الحراك يتحركون بعفوية وبشفافية وبحماس زائد عن حده احيانا يُلامون عليه، الا انهم يرفعون مطالب محقة لكل الاطباء .والصحيح ايضا ان النقيب لا يتحمل وحده اخطاء من سبقوه في النقابة ،وليس المسؤول الوحيد عما آلت اليه الامور ماليا واداريا وأصبح لا بدّ من طرف ثالث ذي صفة قانونية يضع يده على كل الملفات غير المطمئنة في النقابة لوضع الامور في نصابها ،ولمعاقبة كل من خولته نفسه التصرف بأموال الاطباء من دون وجه حق طالما ذلك على ما يبدو يسبب إحراجا للنقيب.
الهدر والنقص في المال يتطلب صرفا للموظفين وتقشفا في المصاريف و وضع حدّ للهدر .
للأمانة، لا نعرف عن النقيب ريمون الصايغ الا كل خير، وهو شخصية طبية مرموقة ،انما سوء التدبير المزمن المالي -الاداري-النقابي أصبح يستدعي تدخلا من تفتيش مركزي او ديوان محاسبة او نيابة عامة مالية او قضاء او من يجده اهل الحل والربط مفيدا للجميع، لتبقى النقابة رائدة في موقعها، وليحافظ النقيب على مكانته وليبقى كل الاطباء في دائرة الامان.
بلبلة في الظلام وضوضاء في النقابة، وعلى النقابة والأطباء ان يرتقوا في حلّ خلافاتهم ليكونوا نموذجا يحتذى وليس نموذجا منفرّاً !؟