رأي

لبنان يفقد مرتكزات الدولة :سقوط النظام القيمي بعد سقوط النظام الوطني!(علي يوسف)

 

كتب علي يوسف – الحوار نيوز

 

من اهم تعريفات الدولة هي الوطنية والاخلاقية . والوطنية تعني الامن القومي  الذي ينتج عنه  نوع الانظمة والسياسات  الخارجية والدفاعية  وكذلك السياسات الاقتصادية … والاخلاقية تعني القيم التي تشكل ركائز المواطنة  كالحقوق والواجبات والقوانين وسيادة القانون وتمتع القوانين بصفات العدالة والحقوق  السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..

للأسف لم يعرف لبنان بنيويا ومنذ انشائه وبطريقة إنشائه وميثاقه الوطني معنى الوطنية الحقيقية، لأنه  ارتكز على مبدأ التعايش بديلا للأمن القومي  … التعايش الطائفي والتعايش او التناتش  على الحصص على المستويات كافة السياسية والاقتصادية والادارية والاجتماعية والتنموية .التعايش  بالحد الأدنى بين الامن القومي لكل طائفة من طوائفه  وغير المتجانسة  لا في  المضمون ولا في المصالح ولا  في الارتباطات ، لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا  ثقافيا، وصولا الى “تعايش  ” في التبعية للخارج، وهي تبعية معترف بها وتتم مراعاتها وكأنها  احدى ركائز الوحدة الوطنية ، حتى وصل  التعايش  الى كتابة التاريخ   وتزوير الحقائق لهدف وفاق  كاذب   ..

وحين يُقال ان لبنان بلد  فريد من نوعه   يكون هذا الوصف هو  الحقيقة الوحيدة  في هذا  البلد .. اذ يصعب ان تجد بلدا  فيه هذا الحد من التوافق على النفاق الوطني  و مراعاة لمحاصصة والتناتش  لكسب اكبر حصة ممكنة بحسب موازين القوى الداخلية والاقليمية والدولية     .. ويتحول التناتش  في الامن القومي كما في الحصص عند اول اختلال في  التوازنات الاقليمية  الى متاريس لهذه التوازنات، تارة  بالسياسة  عبر تفجير الازمات  البنيوية الراكدة ، وتارة اخرى بالحرب الاهلية بحسب نوع الاختلالات.

وهكذا تكون الوطنية في لبنان مجرد عنوان فارغ   تعمل كل طائفة او فئة  على تعبئته بمضامين مختلفة تتغير وفق الظروف …مرة ترتكز الى تبعية ومرة الى مصالح  ومرة  الى ابديولوجيا   الخ ..

 

ويعتبر البعض ان لبنان  نجح في الالتفاف على  الازمة الوطنية البنيوية بتغليب الاخلاقية كمرتكز اساسي للكيان الوطني،  فأضاف الى مصطلح التعايش مصطلح الرسالة  حيث تتعايش الاديان والثقافات المختلفة  مع التركيز على  ما تحمله الاديان من قيم ومحاولة لصقها  عنوة ببنية الكيان اللبناني  لمنع اي اختراق حاسم في التوازنات الطائفية  يُعيد طرح المشكلة البنيوية للكيان ..

وهكذا تحولت  اللعنات البنيوية لهذا الكيان الى نِعم إلهية ، فبات النظام الطائفي  الانموذج الارفع للنظام السياسي، وبات التناتش الحصصي  حفاظا على المجموعات وعلى هواجسها ، وباتت العدالة تقف على ابواب التوزع الطائفي والمصالح الطائفية وارتباطاتها،وباتت المواقع السلطوية والحكومية والادارية حصونا ذات ابعاد طائفية  تصل الى الدينية … وباتت التبعية والعمالة والخيانة وجهات  نظر  .. و تحول الصراع مع الكيان الصهيوني الاحتلالي والشرطي الغربي لتأمين  السيطرة على الاقليم ، من صراع وطني وقومي وتحرري وحتى وجودي ،الى صراع  بمضمن هزلي بين نموذجين للدولة : بين الدولة الاحادية للكيان  الصهيوني  (المدعومة من كل الغرب )  وبين الدولة التعددية اللبنانية(المتعددة الطوائف) التابعة ….

 وعلى الرغم من الازمات  البنيوية الكبيرة المتكررة والحروب الاهلية بالسلاح او بالخلافات الحادة ، فإن عملية الالتفاف على الوطنية بالذهاب الى  الأخلاقية او القيمية  ما لبثت ان سقطت سقوطا مدويا  حيث تحولت  الدولة  من  كيان  مأزوم الى كيان النصب الذي سقطت فيه الاخلاق والقيم   …

لقد  تحولت السلطة في لبنان من سلطة دولة الى سلطة مافيات نفذت وتنفذ اكبر عمليات نصب لم يشهد التاريخ مثيلا لها …

فبعد نصب ودائع اللبنانيين  ومدخراتهم  وشطب الجزء الأكبر من الدين العام منها تم إفقار  الشعب  اللبناني ،وتم حرمان معظم الشعب من الخدمات الاساسية كالطبابة والاستشفاء والضمان الصحي وتعويضات نهاية الخدمة والضمان الاجتماعي والكهرباء والمياه والتعليم  ..

لقد نصبت سلطة المافيات على اللبناني حقه في سيادته الوطنية فنفذت الطلب الاميركي بإفقار هذا الشعب  واذلاله عقابا  له على دعم مقاومته ضد الكيان الصهيوني، وعملت هذه المافيات على دفع اللبنانيين  للهجرة و قبول  وجود ما يقارب مليوني نازح سوري وفلسطيني اضافة الى عمالة آسيوية رخيصة على حساب حقه في العمل ،وبات حق اللبناني  في التعليم مرتبطا بالمساعدات التعليمية للنازحين السوريين ، وحتى حقه في الأمن  بات رهن المساعدات المالية الاميركية  للاجهزة الامنية والمساعدات  الغذائية القطرية ومساعدات المحروقات القطرية ومساعدات من دول اخرى …؟؟؟!!!

لقد حولت سلطة المافيات اللبنانية الشعب اللبناني الى شعب يستعطي كل شيء  .. يستعطي المساعدة لانتخاب ر ئيس جمهورية ،يستعطي المساعدة لتشكيل حكومة عبر موْنات   التبعية  ، يستعطي المساعدات الاجتماعية للعيش  لتوزيعها على الذين تم افقارهم ، يستعطي المحروقات لتأمين شيء من الكهرباء كتذكير بوجودها ..؟؟؟؟!!!!!! حتى  الزيادة الهزيلة المهينة على رواتب الموظفين باتت تعطى تحت تسمية مساعدات وليس زيادة في الرواتب .

واخيرا جاءت  ما تمت تسميته الموازنة العامة للعام ٢٠٢٤  وهي بالتأكيد عبارة عن لائحتي جباية ونفقات او عملية حسابية لفرض جبايات بما يؤمن الحد الادنى من النفقات الضرورية، كتكملة للمساعدات الاستعطائية  حفاظا على استمرار قدسية الاستعطاء التي باتت العنوان الاخلاقي القيمي لهذا الكيان ،ولتذكرنا   بالجزية الاستعمارية العثمانية ولتسقط الركيزة الاخلاقية للنظام اللبناني بعد ان اسقطت التركيبة التعايشية الركيزة الوطنية .

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى