القرار 1701: تحدّيات سياديّة ودفاعيّة على وقْع “الورقة الفرنسيّة”(أنطونيوس أبو كسم)
البروفسور أنطونيوس أبو كسم* – الحوارنيوز
يُشكّل القرار 1701 بوابةً لوقف القتال في جنوب لبنان، إلّا أنّ التجربة تُبيّن غياب آليّةٍ لتطبيق هذا القرار. من إيجابيات «الورقة الفرنسية» التي استحوذت على موافقة أميركيّة مبدئيّة، أنّها تشكّل شبه آليّة لتنفيذ القرار 1701. وبالتالي، إنّ آليّة تنفيذ بنود القرار 1701 تعتمد على مبادئ جوهريّة، لا تزال غائبة أو مغيّبة أو غير محترمة. لذلك، إنّ النقاش بشأن الإقتراح الفرنسي – الأميركي، يحتّم توسيع نطاق القرار 1701 ليشمل كلّ أطراف النزاع.
المنطقة الآمنة الموسّعة شرطٌ لتطبيق الـ1701
إذا كان القصد من الورقة الفرنسية إبرام اتفاقيّة هدنة بريّة جديدة ما بين لبنان وإسرائيل، بالتساوي مع إتفاقية «هدنة كاريش» البحريّة، فإن هذا الأمر يقتضي أن يكون القرار 1701 ملزماً لأطراف النزاع كافّة من دون استثناء.
لذلك يجب أن تشكّل الورقة الفرنسية، آليّة لضمان إحترام إسرائيل القرار 1701 ولو لمرّة واحدة.
فخروقات إسرائيل للخطّ الأزرق وعدم إحترام تطبيق القرارات الدولية، أبرزها قرارات مجلس الأمن 425، 426، 1680 و1701، يُحتّم ألّا تقتصر المنطقة الآمنة على منطقة جنوب الليطاني، فالمنطقة الآمنة، ليست فقط من طرفٍ واحد، وبالتالي فإنّ حياديّة قوات الطوارئ الدوليّة، من أجل تأمين الإستقرار الأمني، تستدعي إنتشار هذه القوات الأمميّة أيضاً على الأراضي الشماليّة لفلسطين المحتلّة. ولضمان تطبيق القرار 1701 على وقع الحرب في غزّة وفي جنوب لبنان، يجب أن تقترح الورقة الفرنسية، ومن أجل مصداقيتها، توسيع نطاق عمل «اليونيفيل» إلى ما بعد جنوب الخطّ الأزرق، أي ضمن قرى المستوطنات الإسرائيلية الشماليّة، بحيث تشرف على احترام وقف النار تنفيذاً للقرار 1701 من الجانبين، الإسرائيلي و»المقاومة» وأجنحتها وحلفائها، على غرار إنتشار قوات الأمم المتحدة UNIKOM في المنطقة المنزوعة السلاح المنشأة بموجب الفقرة 5 من قرار مجلس الأمن رقم 687 سنة 1991، والتي تمتدّ مسافة عشرة كيلومترات داخل العراق وخمسة كيلومترات داخل الكويت. فلا يمكن أنّ يُشكّل القرار 1701 ضماناً لحدود أمن إسرائيل الشمالية، وأن تكون قوات الطوارئ الدوليّة شرطياً لأمن إسرائيل في منطقة جنوب الليطاني، في حين أنّها لا تزال تحتّل أراضي لبنانيّة وتنتهك سيادة لبنان جوّاً وبحراً وبرّاً وترتكب بحق شعبه أفظع الجرائم.
شروط انتشار سلاح الجيش
لا يمكن الطلب من الجيش اللبناني أيضاً أن يكون شرطيّاً لحدود الكيان الإسرائيلي وسط سلوكه العدواني والإجرامي. كما لا يمكن إقحام الجيش اللبناني في معركة بوجه حركات المقاومة لنزع سلاحها مجّاناً. إنّ دغدغة مشاعر الجيش السيادية تتطلّب تجهيزه وتسليحه كمّاً ونوعاً وتكنولوجياً، وليس مدّه بآليات وذخيرة وعتاد شبه بدائي، فهو لا يتمتّع بالقدرة على مراقبة التحركات الإسرائيلية لاستباق ردود الفعل عليها كما يتمتع العدو. كذلك فإن قدراته على ردّ أي اعتداء إسرائيلي شبه معدومة، ما يجعل الأرض التي ينتشر عليها مستباحة، في حال تطبيق شروط الإنسحاب وفقاً للفقرة الثانية من الورقة الفرنسية. كذلك فإنّ الطلب من الجيش تنفيذ مهام تعجيزيّة، لا يكون عبر الشحّ بالمال على عناصره، ممّا يجعل التطوّع بالجيش للفئات المعدومة في أحسن الأحوال.
إنّ تكليف الجيش بضمان احترام القرار 1701، يقابله موجب وقف تمويل حركات المقاومة والميليشيات القديمة والمستحدثة من قِبَل الدول التي لا تزال تستعمل لبنان ورقة، أو ساحة لتبادل الرسائل، أو ملجأً شرعيّاً للمهجّرين السوريين. فهذه الدول ملزمة بتطبيق القرار 1701، الذي يُقَرِّر بموجب فقرته التنفيذيّة 15 أن تتخذ جميع الدول ما يلزم من تدابير لمنع القيام ببيع أو تزويد أي كيان أو فرد في لبنان بأسلحة وما يتصل بها من عتاد من كل الأنواع، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية، وعدم تزويد أي كيان أو فرد في لبنان بأي تدريب أو مساعدة في المجال التقني والعسكري. وبالتالي، فإنّ المغامرة بالجيش بهذا الشكل، ستؤدّي إلى إقحامه بحروب داخليّة، في حين أنّ حروبه ضدّ الإرهاب مستمرّة.
كما أنّ مطالبة القرار 1701 (الفقرة 14) حكومة لبنان بتأمين حدوده، وغيرها من نقاط الدخول، لمنع دخول الأسلحة أو ما يتصل بها من عتاد إلى لبنان، من دون موافقتها، يتطلّب صلاحيات موسّعة لقوة الأمم المتحدة الموقّتة في لبنان من أجل مساعدة الحكومة اللبنانيّة على تنفيذ هذا الأمر، كما يتطلّب إلزام الدوّل التي تتدخّل في الشأن اللبناني الإلتزام التّام بالقرار 1701 المُلزِم لكل دول أعضاء الأمم المتحدة، بموجب المادة 25 من ميثاقها.
القرار 1701 والطائف والقرار 1559
إنّ استغلال الدول النافذة الفراغ الحالي في السلطة، وانهيار الدولة اللبنانيّة، وغياب المحاسبة الدستورية، لتغيير هويّة لبنان يشكّل انتهاكاً للقرار 1701. إذ يدعو في فقرته الثامنة إلى التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، والقرارين 1559 و1680، التي تطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان، حتى لا يكون هناك أيّ أسلحة أو سلطة في لبنان، عدا ما يخص الدولة اللبنانية. كما أن القراءة السيادية للقرار 1701، تحتّم احترام استحقاق رئاسة الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وروحه، حتّى لا تكون الرئاسة اللبنانيّة رهينة توطين لا الفلسطينيين ولا المهجرين والمهاجرين السوريين كانتهاكٍ للفقرة «ط» من مقدّمته. وبالتالي، لا يمكن الجمع ما بين المطالبة بتطبيق القرار 1701 من جهة واحدة، والمطالبة بنزع سلاح الميليشيات، وفي المقابل تهديد ركائز السلم الأهلي، وفرض عقد اجتماعي أمنيّ جديد مناقض للطائف ولقرارات مجلس الأمن. إنّ تطبيق القرار 1559 لا يجب أن يكون إنتقائياً، وانسحاب العدوّ الإسرائيلي من الأراضي اللبنانيّة المحتلّة هو أولويّة مطلقة لتطبيق قرارات مجلس الأمن. أمّا نظريّة إهتمام المجتمع الدولي باستقرار الجنوب لحماية حدود إسرائيل ولإستقرار الداخل من أجل حماية المهجّرين السوريين، فتتجلّى صورتها بطريقة غير شرعيّة، عبر استسلام سلطة تصريف الأعمال للشروط الأوروبية خوفاً من عقوبات على سلوك عدد من أهل السلطة، جرّاء ملاحقتهم بجرائم التهرب الضريبي وتبييض الأموال، ولعلّ توطين السوريين يُبيّض سيرتهم الناصعة بالإخفاقات.
نطاق تطبيق القرار 1701
وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، يُحظّر على الدول تمويل مجموعات مسلحة وتسعير الحرب في دول أخرى؛ فلا تنفكّ بعض الدول العربية والإسلاميّة تدعم ميليشيات لبنانية وغير لبنانية بالسلاح والعتاد والأموال، منها بالسرّ ومنها بالعلن، ومنها من يفاوض على السّلم فوق الطاولة ويدعم الحرب من تحت الطاولة، حتّى تنكسر على رؤوس اللبنانيين. فحريّ بهذه الدول الداعمة للحرب في لبنان إعمار الجنوب المدمّر بدل الدفع لتدميره ولإشعال المخيّمات.
إنّ مشكلة تطبيق القرار 1701 تكمن بانحياز أغلبيّة أعضائه لإسرائيل، وبغياب آليّة لتنفيذه، كما أنّ كثرة المجموعات المقاتلة في الجنوب وتعدّدها يُشكّلان ذريعة للمجتمع الدولي للمطالبة بحماية أمن إسرائيل.
فهل يمكن للورقة الفرنسية الأميركية أن تشمل حلفاءهما الحاليين والمحتملين لوقف دعم الميليشيات في لبنان تطبيقاً للفقرة 15 من القرار 1701؟ تكمن مصداقيّة الورقة الفرنسية باحترامها تنفيذ كامل بنود القرار 1701 من دون انحياز أو انتقائيّة، وعدم تحميل مسؤولية تطبيق القرار 1701 أحادياً للدولة اللبنانيّة، لا سيّما وأنّ المؤتمنين عليها، يغلّبون المصالح الشخصية والماديّة والمذهبيّة على مصلحة الوطن.
(*) محامٍ دوليّ وعميد كليّة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الحكمة
(*)بالتزامن مع الزميلة نداء الوطن