رأي

القرآن الكريم.. والحسين الشهيد (فرح موسى)

 

بقلم أ.د.فرح موسى* – الحوار نيوز

 

يبدو أن الناس اعتادوا على فهم منهج عمل الإمام المعصوم، وخصوصًا منهج عمل الإمام الحسين ع من خلال التجارب والمآسي وفواجع المصائب.ولو أنهم تدبّروا قليلًا،في المنهج والمسلك،لعلموا أن كربلاء لم تحدث لتكون مجرد مآتم وعزاء،وإنما هي كانت وستبقى مدرسة قرآنية،ومنهجًا إلهيًا في اختيار المصائر والأهداف، وهذا ما عبر عنه الإمام ع في طريقه إلى كربلاء،فقال:”إني خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي…”.

فالإمام يتحدث عن أمة القرآن،وكذلك هو في عنوانه الإصلاحي يبيّن أن الإصلاح لا بد أن يكون قرآنيًا،فجاءت النهضة الحسينية لتكون منهجًا وشرعةً في الطريق إلى القرآن الكريم. فأهل البيت ع ،كما يعلم أهل البصائر،هم عِدل القرآن،كما قال رسول الله ص:”إني تارك فيكم الثقلين:كتاب الله،وعترتي أهل بيتي…”،فهذا الاقتران النبوي يُظهر مدى ما للعترة الطاهرة من حجيّة في القول والفعل،وقبل ذلك في التكوين والتشريع،تمامًا مثلما للقرآن الكريم من ذلك،إذ لكل منهما من الاستقلالية ما يفيد الحجيّة لهما في القدوة والريادة على نحو مستقل.

فإذا كانت حجيّة القرآن قد هجرت وغيّبت.وقام بالأمر غير أهله،فما يكون معنى حجيّة العترة الطاهرة غير أن تعيد الناس ليصدروا عن القرآن حتى يهتدوا إلى التي هي أقوم في الهداية والرعاية؟

إن ما يحتاج إليه الناس في ذكرى إحياء مجالس أبي عبد الله ع ،وفي ذكرى كل إمام معصوم من أهل البيت ع،هو وعي الهدف،وليس مجرد استحضار المأساة أو الفاجعة،وذلك لما يعنيه وعي الهدف من وضوح في الرؤية وعقل عن الله تعالى في ما أمر به ونهى عنه،وهنا نسأل:ما هو معنى أن يكون الإنسان حزينًا،أو مفجوعًا بالمصائب،وهو تائه عن قدسية الهدف،أو جاهل بحقيقة ما يراد به في الخلق والوجود؟ فكثيرون هم الذين حزنوا وماتوا كمدًا في الطريق إلى كربلاء،ولكن الأحزان لم تصل بهم إلا إلى الخسران المبين.

ولعله يوجد الكثير ممن ماتوا،أو قتلوا،وقد فاتتهم الشهادة ،فلم يفلحوا في طريق الحسين ع .فالناس صنفان:صنف لحق بالحسين،وآخر لم يلحق به وتخلف عنه.وكل من لحق به سواء في زمان حضوره،أو بعد شهادته،هو لاحق به ومدرك للفتح حتمًا،وهذا ما كان ليدرك لو لم تكن للحسين ع حجيّة الوجود وقدسية القرآن،وقد عبر الإمام الحسين عن ذلك بقوله:”من لحق بنا فقد استشهد،ومن لم يلحق بنا لم يدرك الفتح..”.

فالحسين في وجوده له قدسية القرآن وامتداد نور النبوة،ولا بد أن تميّزه خصوصية الفتح القرآني في نهضته؛فلا يقال:إن هدف الحسين وما قتل من أجله هو أشرف من الحسين وأقدس منه،كما يرى بعض العلماء في ما رأوه من قدسية للهدف مقدّمة على وجوده وامتداد نوره. فهؤلاء يرون القدسية لضوء الشمس دونها،ويسهون عما للشمس من مركزية في التكوين،وانجذاب في تحقق الوجود.فكل شيء منجذب إلى الحسين ع،وذلك بدلالة انجذاب عالمي التكوين والتشريع إليه،فهو إمام قام ،أم قعد،وله امتداد الإسلام في كلمات القرآن التي تمت صدقًا وعدلًا،فلتكن عاشوراء مناسبةً لوعي القرآن في امتداد الإسلام في الحسين ع،كما كان لجده ص من ذلك،وإلا استحال الموقف والذكرى إلى مجرد أحزان وبلاءات ومجاهيل تغرب فيها الشهادة،وتخبو فيها الأنوار ما يؤدي بالناس إلى مزيد من الهجرة عن القرآن والحسين معًا.

فالقرآن يهدي إلى الحسين،وقد استوت كربلاء على حق القرآن في شهادة الحسين ع،تمامًا كما تظهّرت كل أحداث المعصومين في كل ما كان لهم من أحداث وتجارب وامتدادات في التنزيل والتأويل على قاعدة قوله تعالى:”إنما أنت منذرُ ولكل قوم هاد…”.

وهكذا،امتدت العطرة الطاهرة في الهداية والرعاية،لتكون مصداقًا للقرآن في الحق وتجليات النور.فكربلاء لها هذا التجوهر في الحق والنور،وقد نطقت بالقرآن صدقًا وعدلًا،ولا بد أن تكون أحزانها من نتائج الوعي بها في خط النبوة والرسالة،وعلى هدي أهل الحق في كل زمان ومكان..والسلام.

 *رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى