الحوارنيوز – وكالات
بعد الضربات القاصمة التي تلقاها خلال الأعوام الماضية، ما انفك تنظيم داعش الإرهابي يسعى إلى إعادة هيكلة وبناء قواعده من جديد، متبعاً استراتيجية لإعادة التموضع، تنطلق من النقاط الرخوة التي تشهد ظروفاً خاصة تشكل بيئة خصبة لنشاطه.
وتعتبر قارة إفريقيا إحدى نقاط الانطلاق الرئيسية في استراتيجية التنظيم، وهو ما تبرزه عمليات داعش والجماعات الموالية له في الفترة الأخيرة بالقارة السمراء.
تؤكد ذلك دراسة حديثة صادرة عن مؤسسة ماعت للسلام والتنمية بالقاهرة، حيث كشفت عن أنه في عام 2020 شهدت القارة ما يزيد عن 525 حادثاً دموياً، عانت منه 27 دولة إفريقية، وأسفرت تلك الهجمات عن سقوط 7030 قتيلاً على الأقل.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يسعى فيه التنظيم لانتهاز الفرص في المنطقة العربية أيضاً، لتنفيذ عمليات انتقامية تعيده للواجهة، حتى أن الإحصاءات كشفت عن مسؤولية التنظيم عن 46 عملية إرهابية من إجمالي 169 عملية شهدتها دول عربية في الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري 2021، ليأتي في مقدمة التنظيمات التي نفذت هجمات إرهابية خلال تلك الفترة، تنافسه حركة الشباب الصومالية بـ 43 عملية.
نشاط وكمون
ويقول المفكر الاستراتيجي المصري اللواء سمير فرج، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن ثمة مناطق شهدت نشاطاً للتنظيم بشكل ملحوظ، لا سيما في القارة الإفريقية، ومناطق أخرى يعيش التنظيم فيها في مرحلة تُسمى بـ “مرحلة الكمون” مثل وضعه في مصر على سبيل المثال.
ويلفت إلى أن الإرهاب في مصر يعيش “مرحلة الكمون” بعد الضربات التي تلقاها، والتي استطاعت من خلالها مصر قطع جذور الإرهاب، واستهداف قيادات ومراكز التنظيمات الإرهابية وخلاياها العنقودية ومخازن السلاح وحتى منافذ التمويل، وبالتالي بعد تلك الضربات عادة ما تلجأ تلك النوعية من التنظيمات لمرحلة كمون، تسعى من خلالها إلى إعادة إعداد نفسها وخططها بشكل عام “وبالتالي لا يجب أن ننخدع باعتبار أن العمليات الإرهابية قليلة في مصر، ففي أي وقت يمكن أن تحاول تلك التنظيمات القيام بعمليات جديدة”.
أما لجهة المناطق أو البلدان العربية الأخرى التي ينشط فيها التنظيم، يلفت المفكر الاستراتيجي المصري إلى أن تلك المناطق يستفحل فيها التنظيم على وقع عدم اتخاذها الإجراءات والجهود الكافية للقضاء عليه، والاعتماد على الهزيمة التي ألحقت به في وقت سابق، وبالتالي بدأ التنظيم في تقوية نفسه واستعادة زخيرته وأسلحته منفذاً عمليات جديدة استهدفت بعض تلك الدول ضمن تحركات التنظيم الجديدة.
خطر دائم
ومن بين أسباب تنامي عمليات التنظيم في تلك الدول، هو ما تشهده من أزمات ونزاعات داخلية.
ومن المرجح، بحسب الدراسة، أن يسعى داعش للاستثمار في عدم وجود حلول تلوح في الأفق لنهاية النزاعات، لشن مزيد من العمليات في الربع الثاني من العام الجاري.
وبموازاة ذلك، يرى الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة خالد الزعفراني، أن تنظيم داعش سيظل يشكل خطراً داهماً على المنطقة، ولا يمكن القول بأنه انتهى، لا سيما في ظل استمرار العوامل التي شكلت بيئة خصبة لنمو التنظيم في قارة إفريقيا بشكل خاص، وخصوصاً في الدول التي تشهد نزاعات داخلية.
ويوضح الزعفراني في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” أن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمن الموجودة في تلك البلدان، وحالة الفوضى، تدفع باستمرار الخطر الداعشي.
وأردف: “أفكار التنظيم في تلك الدول لا تزال موجودة ولا يزال أتباعها يشكلون خطراً، كما أن الظروف التي دفعت بنمو التنظيم لا تزال نفسها، وبالتالي فإن ذلك كله يعتبر عوامل تشجع على نمو داعش من جديد ضمن استراتيجيته من أجل إعادة التموضع”.
الإرهاب والجائحة
وعلى رغم كورونا، فقد استغلت التنظيمات الإرهابية الجائحة لصالحها، وذكرت دراسة “عدسة الإرهاب في إفريقيا” أن “الأزمة الصحية العالمية وانشغال الحكومات بوضع خريطة الطريق لإعادة ترتيب أوضاعها بجانب الانكماش الاقتصادي، كل هذا وفر بيئة خصبة لتنامي الأنشطة الإرهابية والمتطرفة (..) اعتبر المتطرفون أن الجائحة الصحية ما هي إلا عقاب رباني (..) كما استغلت الجماعات الإرهابية انتشار المرض وانشغال الحكومات ليس في فقط في نشر أنشطتها المتطرفة بصورة أكبر، ولكن قام بعض قادة تلك الجماعة بممارسة أدوار الحكومة في بعض المناطق بالقارة”.
ويشير أستاذ العلوم الاستراتيجية بالقاهرة اللواء نصر سالم إلى أن تلك التنظيمات الإرهابية تنظر إلى إفريقيا باعتبار أنها تتوافر فيها البيئة الملائمة لنمو نشاطهم، نظراً لظروف الفقر والصراعات في بعض الدول، وبالتالي تأتي القارة ضمن استراتيجية التنظيم لإعادة هيكلة وبناء قواعده، وهو ما يعكس حجم العمليات الإرهابية التي شهدتها دول بالقارة الإفريقية خلال العام الماضي.
كما يلفت في تصريح خاص لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أن المنطقة بشكل عام شهدت عديداً من المتغيرات المفصلية الحاسمة، والتي ألقت بظلالها بصورة مباشرة على تنظيم داعش، الذي بات يسعى إلى تطوير أدواته واستراتيجياته كافة؛ لإعادة بناء نفسه من جديد وتجديد نشاطه بشكل أوسع، انطلاقاً من ديناميكية تلك التنظيمات وسعيها الدائم لإيجاد مكان لها تعوض من خلاله خسائرها الأخيرة، وتستغل كل الظروف المواتية لذلك، وبالتالي جاء التوجه إلى أفريقيا بشكل كبير.
ويستغل التنظيم في استراتيجيته لإعادة التموضع التراخي الأمني وتنامي الخلافات السياسية والطائفية للقيام بهذه العمليات التي يذهب ضحيتها كثير من المدنيين.
زر الذهاب إلى الأعلى