الفيول المغشوش توأم البواخر في الفساد: الطاقة تحاول التملص وإدارة المناقصات ترد بالمستندات
غسان بيضون
التوضيح الذي قدمه مدير عام إدارة المناقصات د. جان علية يدحض محاولة التلطي خلف مواقف هذا الرجل للتذرع بأنهم "حاولوا ومنعوهم"!
وبعد ما نشر من مستندات ثبوتية خطية تؤكد فشل محاولة وزير الطاقة الأسبق سيزار أبي خليل تكريس مافيا الفيول المغشوش لزوم البواخر ومعامل كهرباء لبنان، من خلال تفصيل دفتر شروط المناقصة على قياس "المحتكرين الحاليين" أنفسهم، لإضفاء المشروعية على وجودهم من خلال تغيير الصيغة التعاقدية معهم بالشكل فقط دون الجوهر لتحصين الفساد.
هذا وكانت جريدة النهار توقعت أن يكون لموقف إدارة المناقصات ما يبرره. وجاءت الوقائع لتثبت صحة تقديرها، لا سيما وأنه ثبت أنها، أي ادارة المناقصات، تبني مواقفها على النصوص والقواعد القانونية المقررة لضمان حفظ المال العام وصونه وتحرص على تطبيقها والالتزام بأحكامها حرصاً على أموال الخزينة والمصلحة العامة، كما حصل سابقاً في مناقصة البواخر الإضافية، والتي اعترضت هذه الإدارة على دفتر شروطها المفصلة على قياس الشركة التركية وفشل تمريرها في النهاية بالرغم من التعديل والتلاعب في نصوص قرارت مجلس الوزراء بشأنها. ولا بد من التذكير أن دفتر شروط البواخر انتهى، في حينه، لدى وزير الطاقة الأسبق المتمرس في فصاحة التعليل والتبرير، سيزار ابي خليل، وذلك بعد رده من إدارة المناقصات نظراً للشوائب والعيوب والمخالفات التي ظلت تعتريه بسبب رفض "معاليه" التقيد بقرارات محلس الوزراء واحترامها ، فتوارى دفتر الشررط هذا في غياهب أدراج الوزير أبي خليل ولم يعد.
إنها نماذج من الفساد المستشري في أروقة وزارة الطاقة وخططها ومشاريعها وعقودها الصورية أو بالتراضي، كما في كهرباء لبنان الخاضعة لوصايتها، وفي دفاتر شروطها وتلزيماتها، التي غالباً ما تنتهي بدعاوى تحكيم وتسويات ومصالحات تمر دون حساب للمخالفين تحت عنوان تسيير المرفق العام و"سلامة الاستثمار" الجذاب.
ولا بد بالمناسبة من التساؤل حول خلفيات استلام نظام معالجة الفيول المتخلف الملحق بمعملي الذوق والجية الجديدين، وفق رأي المهندس يحيى مولود مدير العمليات المسؤول في شركة MEP التي تتولى تشغيل وصيانة معملي الذوق والجية الجديدين.
إن هذا السؤال والكثير غيره مما يمكن أن يطرحه استلام المعملين المذكورين بالرغم من الشوائب العديدة التي لم تتم معالجتها قبل الاستلام وظلت موضع خلاف، وربما تم ترحيلها إلى دعوى التحكيم التي أقامها المتعهد الدانمركي على الدولة اللبنانية.
ويضاف الى هذه الأسئلة الهامة ما يثيره مضمون المستندات المنشورة وتتعلق بمراسلات مع إدارة المناقصات في إطار مناقصتين للفيول والديزل، وتؤكد طبيعة وحقيقة الممارسات "الإصلاحية" المشبوهة السائدة في وزارة الطاقة منذ سنوات. يضاف إلى هذه المستندات التوضيح العلني الصادر عن رئيس إدارة المناقصات في هذا الإطار.
بعدما كبرت القضية وتشعبت وتكشف امتدادها وانتشاره السرطاني في إدارة والهيئات التابعة لها والخاضعة لرقابة
و"وصاية الوزير منفرداً دون سواه"، وقد اتضحت أبعاد فضيحة الفيول المغشوش وامتداداتها إلى حد باتت تشكل معه حالة نموذجية للفساد الذي ينتظر اللبنانيون من الحكومة الحالية مواجهته بجرأة وإيلاءه تعاملاً نموذجياً وعناية خاصة ومركزة، لا سيما وأنه يمكن وصف هذه الحالة بعملية نهب متمادية للأموال العمومية استمر لسنوات على مرأى ومسمع وعلم وزراء الطاقة المتعاقبين المستأثرين بالسلطة، لا سيما اعتبارا. من العام ٢٠١٠، وإلا تفقد هذه الحكومة مصداقيتها حيال الأمل باسترداد الأموال المنهوبة!
بانتظار تحرك القضاء باعتبار ما أدلى الدكتور علية والمستندات المنشورة إخباراً يجري ضمه إلى ملف قضية الفيول المغشوش، وربما إلى إخبار النائب أنطوان حبشي لصلته المباشرة بعلم وزراء الطاقة وإدارة مؤسسة كهرباء لبنان ومسؤوليتهم المباشرة عن استمرار عمليات الغش بالفيول وسكوتهم الذي ألحق أضراراً مباشرة وأكيدة بالمعامل الجديدة وبالمال العام ولا ينقص بعد سوى تحديد أو تقدير قيمة تلك الأضرار تمهيداً للمباشرة بإجراءات التعويض عنها .
بات حجم الملف كبيراً وصارت لفلفته صعبة، وألفت عناية المحللين ممن ألمحوا إلى دور سلبي محتمل لإدارة المناقصات في إجراء تلزيم جديد للفيول، أو ممن تولوا إطلاق أحكام مسبقة تتقاطع مع إقفال الملف في النيابة العامة المالية، نظراً لانتفاء هدر المال العام باعتبار أن الشحنة قد أعيدت ولم تدفع الخزينة ثمنها، فالشحنة المرتجعة ليست إلا رأس جبل الجليد وعينة من عمليات الفساد الاحترافي المتقن المتستر بالسرية التي لطالما اختبأ خلفها وزراء الطاقة للامتناع عن الإفصاح عن معلومات وعقود وتلزيمات منها عقد الفيول وعقود الاستشاريين باعتبارها سرية، حتى لنواب ينتمون الى السلطةالتشريعية المفترض أن تسائل الوزراء وتحول المساءلة إلى استجواب وصولاً الى طرح الثقة بالوزير وحده بداية، ومن بعده بالحكومة كلها معه.
إنها قضية مبدأية والمواطن المنهك بالضرائب العمياء، لا بل المسحوق تحت أوزار نتائج الفساد وهدر المال العام السايب، والمحتجزة ودائعه المتواضعة لدى المصارف، يراقب وينتظر استرداد الأموال المنهوبة!