إقتصاد

الفوضى الاقتصادية في اسرائيل عنوان المرحلة(عماد عكوش)

 

بقلم الدكتور عماد عكوش-الحوارنيوز

يشهد الاقتصاد الإسرائيلي في الفترة الأخيرة تحديات كبيرة ، أبرزها الحساسية الشديدة تجاه الأوضاع الأمنية المتقلبة ، حيث يعدّ الاستقرار الأمني عنصرًا حيويًا لاستمرار النمو الاقتصادي ، وحيث أن أي توتر أمني يؤدي إلى زعزعة ثقة المستثمرين ، خاصة الأجانب ، مما قد يدفعهم إلى سحب رساميلهم بشكل سريع.

وقد أظهرت بيانات أن الاقتصاد الإسرائيلي نما في الربع الثاني بمعدل أبطأ من المعلن سابقا في البيانات الأولية مع استمرار تداعيات الحرب في غزة. وقال المكتب المركزي للإحصاء في ثاني تقدير له إن الناتج المحلي الإجمالي نما 0.7% على أساس سنوي في الربع الثاني الممتد من نيسان إلى نهاية حزيران .
كما أظهرت بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، الأحد 15 أيلول، ارتفاع معدل التضخم في إسرائيل في آب بوتيرة أسرع من المتوقع، مع ارتفاع أسعار الخضروات الطازجة والنقل والإسكان. وتسارع معدل التضخم السنوي على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية إلى 3.6%، من 3.2% في تموز و2.9% في حزيران .
يُضاف إلى ذلك تنامي ظاهرة الهجرة المعاكسة ، حيث يغادر بعض السكان البلاد بحثًا عن أمان أكبر أو فرص اقتصادية أكثر استقرارًا في الخارج.
التحدي الأمني ليس وحده ما يهدد الاقتصاد ؛ إذ تواجه إسرائيل أيضًا عجزًا متزايدًا في الميزانية، حيث تسعى الحكومة إلى تحقيق التوازن بين الإنفاق العسكري والإنفاق على المشاريع الاجتماعية والاقتصادية. وقد يتطلب استمرار هذا العجز التمويل من خلال الاقتراض ، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الوطني ويزيد من الديون.
في ظل هذه الظروف ، يبقى السؤال حول مدى القدرة على صمود الاقتصاد الإسرائيلي لفترة طويلة إذا استمرت هذه التحديات الأمنية والاقتصادية دون حل ؟ قد يكون الاقتصاد الإسرائيلي قادر على الصمود لعدة أشهر ، لكنه بالتأكيد سيواجه ضغوطًا كبيرة على المدى الطويل إذا لم يتحقق الاستقرار.
المصرف المركزي الإسرائيلي أبدى قلقه من تداعيات الأوضاع الحالية ، محذرًا من احتمالات ارتفاع معدلات الفائدة للسيطرة على التضخم المتزايد ، وقد عبر بنك إسرائيل عن قلقه بشأن السياسة المالية الحكومية، قائلاً: استمر العجز التراكمي في موازنة الحكومة خلال الأشهر الـ12 الماضية في الزيادة في تموز، ليصل إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وما لم تكن هناك إضافات غير متوقعة لموازنة الدفاع ، فمن المتوقع أن تصل إلى 6.6 % بحلول نهاية عام 2024. ويساهم عدم اليقين المحيط بموازنة الدولة لعام2025 وتنفيذ التعديلات المطلوبة لخفض العجز بشكل مستمر في زيادة علاوة المخاطرة، ومن المحتمل أن يؤثر على عودة التضخم إلى هدفه.
من جانبها ، تحاول وزارة المالية التخفيف من حدة الأزمة من خلال سياسات مالية تستهدف تحفيز النمو وتوفير الدعم للقطاعات المتضررة ، إلا أن هذه الإجراءات قد تكون محدودة التأثير إذا استمر تدهور الأوضاع الأمنية. وعلى الرغم من التصعيد الأمني مع المقاومة اللبنانية ، فإن موازنة 2025 تُبنى على فرضية أنه في العام المقبل لن يكون ثمة قتال كبير في لبنان وقطاع غزة وبالتأكيد تستبعد حربا إقليمية شاملة، وفق ما ذكرت صحيفة غلوبس الإسرائيلية الاقتصادية. ومن المقرر أن يقدم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في الأسابيع القليلة المقبلة اقتراح الموازنة المتفائل للموافقة عليه من قِبَل مجلس الوزراء. ومن المعقول أنه بحلول ذلك الوقت، اعتمادا على التطورات في الشمال، لن يكون اقتراح الموازنة مناسبا، إذ إن حربا شاملة بكلفة محتملة تبلغ مئات المليارات من الشواكل ستغير خطط الموازنة تماما.
وذكرت غلوبس أن أي تأخير إضافي في إعداد الموازنة من شأنه أن يؤدي إلى دخول السنة الجديدة وفق موازنة 2024، بما يعني إلزام الوزارات بسقف إنفاق شهري نسبته 8.3% (1 على 12) من الإجمال الذي تم إقراره العام الماضي. وحسب الصحيفة، فإن وزارة المالية تنتقد بشدة “إسراف” وزارة الدفاع في دفع رواتب ومعاشات أفراد الاحتياط، وكجزء من مشروع قانون الترتيبات الاقتصادية تسعى إلى رقابة أكثر صرامة.
كما ارتفعت كلفة الديون الإسرائيلية مع استمرار الحرب على غزة واتساعها لتشمل جبهات أخرى وقد أظهرت بيانات “ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس” أن كلفة التأمين على الديون السيادية الإسرائيلية ضد التخلف عن السداد بلغت أعلى مستوياتها منذ بدء الحرب على غزة في تشرين الأول من العام الماضي. جاء ذلك، بحسب بيانات الوكالة، وسط اتساع المخاوف من تحول التوترات بين إسرائيل والمقاومة اللبنانية إلى حرب إقليمية خلال الفترة القريبة المقبلة. وبلغت تكلفة عقود مبادلة مخاطر الائتمان لأجل 5 سنوات 149 نقطة أساس مقارنة بمستوى إغلاق يوم الجمعة الماضي عند 146 نقطة أساس، وهو السعر الأعلى منذ تشرين الأول من العام الماضي.
واتجه الكيان الاسرائيلي منذ 7 تشرين الأول الماضي، في أكثر من مناسبة، إلى أسواق الدين الدولية لتوفير السيولة النقدية اللازمة لتمويل حربها على قطاع غزة والتوترات في الشمال مع المقاومة . وفي كامل 2023، قالت وزارة مالية الكيان إن اسرائيل سجلت ديونا سيادية جديدة بلغت 160 مليار شيكل (43 مليار دولار)، من بينها 81 مليار شيكل (21.6 مليار دولار) منذ اندلاع الحرب، مقارنة مع 16.78 مليار دولار في 2022.
اما بخصوص التصنيف الأئتماني فقد خفضت وكالة فيتش خلال الشهر الماضي التصنيف الائتماني لإسرائيل درجة واحدة ، من “إيه +” (A+) إلى “إيه” (A)، في ظل استمرار العدوان على قطاع غزة لشهره العاشر وتداعياته في المنطقة. وأبقت الوكالة على نظرتها المستقبلية للتصنيف عند مستوى سلبي وهو ما يعني إمكانية خفضه مرة أخرى.
بخصوص التكلفة الإضافية للنزوح، فهي تتراوح حسب حجم الهجرة وعدد المستثمرين المغادرين، إلا أن التقديرات تشير إلى أن الخسائر قد تصل إلى مليارات الدولارات على المدى القصير، خاصة مع هروب الرساميل الأجنبية التي تعدّ أحد الركائز الأساسية في الاقتصاد الإسرائيلي . وتظهر بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي ووزارة العمل، انخفاضا في استثمارات قطاع التكنولوجيا، وتسريح العمال، وانهيار شركات ناشئة سريعة النمو. وكانت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية قالت قبل أيام إن صناعة التكنولوجيا في إسرائيل تمر بأزمة وصفتها بـ”الصعبة”، وتظهر من خلال تراجع الاستثمارات، وتسريح العمال، وانهيار الشركات الناشئة سريعة النمو، وغير ذلك من الظواهر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى