الحوار نيوز – خاص
رأى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى أن “التحدي الحضاري الأكبر يكمن في قدرة الإنسان على أن يحول الألم إلى شفاء والجرح إلى فرح، أي في قدرته على مقاومة المآسي ورفض الاستسلام”.
وقال خلال افتتاحه معرض الفن التشكيلي في قصر نوفل في مدينة طرابلس بعنوان “الفن الجريح من بيروت الى طرابلس”، بالتعاون مع “بنك بيمو” وبلدية طرابلس، في مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي، بحضور النائب جميل عبود وشخصيات: “الفن الجريح بوابة دخول إلى رحاب ثقافة البطولة. فإذا أردنا تنزيل مفاهيمه على واقعنا الوطني، تبين لنا أن لبنان بذاته من شماله إلى جنوبه فشرقه وغربه، ليس سوى أيقونة جرح لا يكف عن نزيف، ولا يتعب من صمود، ولا يسعى إلا إلى انتصار”
وتابع: “الجرح منزل الفنون كافة. ألم يقل الياس أبو شبكة:
إجرح القلب واسق شعرك منه فدم القلب خمرة الأقلام
وهذا شارلي شابلن يردد ما يشبه ذلك في ميدان التمثيل فيقول: الحياة عن قرب تراجيديا، وعن بعد كوميديا. ومعرض اليوم في قصر نوفل ينبئ بالخلاصة ذاتها، ولكن عن الرسم. ولو شئت أن أعدد الفنون الإبداعية التي استلهمت الجرح لما انتهيت.
لكن أعظم ما في الفن الجريح، أنه يخرج من اسمه ليصير دواء لكل نفس جريحة ووطن مكسور. وفي هذا تذكرة بأن الفعل “جرح” ومنه “اجترح”، له في العربية معنى صنع المعجزات، ذلك أنه يقف أمام المآسي الشخصية والعامة، فيقيم المصالحة بينها وبين مستقبل الحياة.
ولرب قائل إن مسيرة الإنسانية منذ تكون الاجتماع البشري، كانت وما زالت منذورة للألم والجرح، اللذين بهما أولا نما الوجود. هذا صحيح، لكن التحدي الحضاري الأكبر يكمن في قدرة الإنسان على أن يحول الألم إلى شفاء والجرح إلى فرح، أي في قدرته على مقاومة المآسي ورفض الاستسلام. فضيلة صنوها البطولة، وصناعها الأبطال، لا يستطيعها إلا من كبرت نفسه وارتفعت كأرز لبنان، فما يحبط من عزمه ظلم ولا يزعزعه عدوان.
الفن الجريح إذا بوابة دخول إلى رحاب ثقافة البطولة. فإذا أردنا تنزيل مفاهيمه على واقعنا الوطني، تبين لنا أن لبنان بذاته من شماله إلى جنوبه فشرقه وغربه، ليس سوى أيقونة جرح لا يكف عن نزيف، ولا يتعب من صمود، ولا يسعى إلا إلى انتصار. لقد رافقت العثرات وطننا منذ نشأته، لكنه، كلما أدرك أبناؤه وقياداتهم أهمية الالتئام معا لمواجهة التحديات، استطاع التغلب عليها واحدة فواحدة. وها هو اليوم في تعثر دستوري وآخر اقتصادي وثالث أمني، وخامس وجودي يتمثل في العدوان الإسرائيلي الذي يريد اقتلاع الصيغة اللبنانية السمحة الفيحاء من جذور عيشها الواحد، مرتكبا أبشع أنواع الإبادة والجرائم ضد الإنسانية لا سيما في غزة والجنوب، وهو بلا شك ومهما حاول، سيرتد على أعقابه خائبا بقوة اتحاد اللبنانيين حول حقهم، وبفضل شجاعة جيشهم وبسالة مقاومتهم”.
أضاف: “صحيح أن الواقع لا يقارب هذا التمني، وأن اللبنانيين منقسمون بشأن مسائل كثيرة، من أمور الداخل والإقليم والعالم، وذلك بحكم التنوع الذي يميزهم، ومناخ الحرية الذي يظللهم، لكنهم في عمق أعماقهم، جماعات وأفرادا، مجمعون على أن العدوان الإسرائيلي ينبغي له أن يندحر عن أرضنا. قد يختلفون في الوسيلة التي تؤدي إلى انتصارهم، وهذا يمكن حله بالحوار العقلاني الهادئ الذي يقرأ مجريات التاريخ قراءة موضوعية، تكشف على ضوء التجارب السابقة كيف أن العدوان لا يغلب بالاستكانة، والاحتلال لا يزول بالإتكال على حماته ومشجعيه، وأن الشرعية الدولية تصلح كمرجع لمن يحترم قراراتها فقط، أما الصهاينة فلا يصلح معهم إلا القوة مرجعا.
اللوحة اللبنانية الجريحة أيها الأصدقاء، ولئن ظهرت مكسورة الإطار نازفة الألوان، ستبقى وعدا لأجيال المستقبل ببهاء لا نظير له، يسطع من تألق ثقافة البطولة في الضمائر والحناجر والسواعد.
وقال وزير الثقافة في كلمة مرتجلة: “يجب علينا في لبنان وكلبنانيين ألا نأخذ الفن ترفا وان نكتسب من الفن الوعي، هذا الوعي الذي يذهب بنا الى مفهوم سياسي واجتماعي ليوضح لنا بالتالي ان كل ازماتنا هي عبارة عن جروح وكسور ولكن المشكلة في سياسيينا انهم حاولوا ان يفهمونا ان هذه الجروح غير موجودة لذلك نعود لنخطئ الاخطاء نفسها ونقف المواقف ذاتها البشعة والكارثية والتدميرية”.
ولفت الى “ثقافة مجتمعية في اليابان تتعلق بالاواني التي تتعرض للكسر”، وشرح: “يخضع اليابانيون هذه المقتنيات الى عملية ترميم واضحة فتحفظ وتحافظ على مكان الجرح وعلى شكله واحيانا يذهبون الى حد تذهيبه وهم يعمدون ايضا الى تدوين التواريخ المتعلقة بصناعة هذه الأواني ثم بتوثيق تاريخ تعرضها للكسر ثم إعادة تأهيلها وترميمها والإشارة الى توقيت الجرح وعند حصوله وصلوا الى مكان بالنسبة لهذا الاناء المكسور. مقارنة بمفهومنا وعقليتنا ومجتمعاتنا ومقارباتنا، نحن لا نفكر في كيفية ومتى وظروف حصول الكسر فيما هم خلقوا مفهوما تحت عنوان “كنزوغي” ليعتبروا ان الكسر ليس سبب فقر وليس سبب تقهقر وتدهور فالمجتمعات كالفن تماما والانسان كذلك عندما ننجرح وننكسر فإن ذلك ليس سببا لكي نتراجع الى الخلف فإذا تمكنا من ان نتعامل بطريقة واحدة مع جراحاتنا وكسرنا يمكن لذلك ان يكون سبب غنى لأن هذا الإناء المذهب والذي يظهر الجرح فيه والذي وثق بشكل واضح تاريخ كسره وصناعته فإن قيمته تبقى فنيا وماديا أغلى وأكثر بكثير”.
وختم: “أما ما نقوم به في مدينة طرابلس فنراعي الروحية وإفادة مدينة طرابلس من المعنى الفعلي ولذلك يجب علينا أن نعمل آملين أن نبقى ونستمر في العمل وفق ما نريد ووفق ما نرى وأن نعد نفسنا دائما أن طرابلس سترتقي إنسانيا وذلك بالتعاون مع روحيات ونفسيات تعمل معنا في مدينة طرابلس. وهذه الامور لا تشترى بالمال وهذا ما أريده فعلا، فمن خلال هذه الروحيات اريد ان نخلق سياق عمل متميز في مدينة طرابلس على مستوى الوعي يسمح لمدينة طرابلس بأن يثق اهلها بقدراتهم الشخصية بذواتهم ويقتنعوا بأنهم معنيون بأن يلعبوا أدوارا استثنائية في ظروف أكثر من استثنائية.
إن طرابلس عاصمة للثقافة العربية 2024 استحقاق ووعد بأن تكون طرابلس عاصمة للثقافة في لبنان في كل عام بعد العام 2024 لتحيا طرابلس من خلال هذا السياق الثقافي الذي يفترض به ان يخلق وعيا وان تفرض هذا الوعي بالتالي بأن المقدرات الموجودة فيها اقتصاديا باستطاعتها ان تجعل من طرابلس خشبة خلاص. فنحن نعتبر ان لبنان والسياسات الماضية فيه أهملت طرابلس وأصيبت مدينة طرابلس بالضرر وكلها سياسات غير موفقة، هذه السياسات لم تضر فقط بطرابلس بل فوتت أكبر الفرص على كل لبنان وعلى كل اللبنانيين ان يستفيدوا من طرابلس ومن مقدراتها وهذا ما يجب ان يحصل وسيحصل بقوة”.
وكانت كلمات لكل من رئيس بلدية طرابلس رياض يمق ، رئيس مجلس إدارة بنك بيمو رياض عبجي ، وللدكتورة هند الصوفي ، وكبريال رزق الله من وحي المناسبة وتحية تقدير واحترام للوزير المرتضى لرعايته وحضوره الدائم في مدينة طرابلس ومشاركته في إحياء نشاطات فعالية طرابلس والجهود التي يبذلها لإظهار جمالية مدينة الفيحاء