الفقراء المستجدون..والحاجة الى صدمة إيجابية!
تتردد معلومات عن أن مؤشر الفقر في لبنان إرتفع الى 48 بالمائة من اللبنانيين خلال السنة المنصرمة ،وتحديدا منذ اهتزت العملة الوطنية في مواجهة عملة "العم سام".
أعتقد أن هذا الرقم ليس مبالغا فيه ،بل هو أكثر من ذلك بكثير .وإذا ما استمر تدهور الليرة اللبنانية وغلاء أسعار السلع ،فإن نسبة الفقراء في لبنان سوف تتجاوز التسعين بالمائة.حصل ذلك ذات مرة في العام 1992 عندما عجز مصرف لبنان عن دعم الليرة اللبنانية في مقابل الدولار الأميركي ،فقفز سعره في أيام من 700 الى 3000 ليرة ،وصارت الغالبية العظمى من اللبنانيين من الفقراء .
أقول ليس في الأمر مبالغة .فالفقراء القدامى سوف يزدادون فقرا الى حد الجوع.والفقراء الجدد والمستجدون(نسبة الى الكورونا) تتصاعد أعدادهم بصورة مذهلة باعتبارهم الشريحة الأكبر من الشعب اللبناني.وهذه لائحة بنوعياتهم غير القابلة للنقاش:
1- الموظفون أصحاب الدخل المحدود والمتوسط في القطاعين العام والخاص.
2- العمال الدائمون والمياومون بمختلف فئاتهم.
3- السائقون العموميون في النقل البري.
4- المتقاعدون المدنيون والعسكريون.
5- المتقاعدون الخاضعون لصندوق الضمان الذين كانوا يعوّلون على تعويضات نهاية الخدمة
6- المهاجرون الذين تعطلت أعمالهم في الخارج
7- أساتذة المدارس في القطاعين الرسمي والخاص
8- الاعلاميون والصحافيون والعاملون في وسائل الاعلام
9- المزارعون والفلاحون الذين ستكسد منتوجاتهم بفعل ضيق الأحوال لدى الشرائح الأخرى.
10- العاملون في القطاع الصحي والطبي على اختلاف أنواعهم
11- فئات غير قليلة من أصحاب المهن الحرة (أطباء ،مهندسون،محامون ،ألخ..)
12- أصحاب الحرف الصغيرة الذين لن يجدوا تصريفا لانتاجهم الذي سيصنف في إطار الكماليات.
هذه عينة من الفقراء المستجدين ،وثمة عينات قد تسهو عن البال،لكنها جميعا تشكل أكثر من تسعين بالمائة من الناس.
عام 1992 بدأت الأزمة في السادس عشر من كانون الثاني عندما أعلن مصرف لبنان عجزه عن دعم الليرة بسبب انهيار احتياطه من العملات الأجنبية.حاولت حكومة الرئيس عمر كرامي مواجهة الأزمة ،ولكن من دون جدوى ،فسقطت في شهر أيار تحت وطأة ما سمي يومها "ثورة الدواليب"،فاستقال الرئيس كرامي تحت ضغط الشارع ووسط رائحة دخان "الكاوتشوك".قيل يومها إن ما جرى كان ضربا مفتعلا من السياسة لاسقاط الحكومة،توطئة لحكومة انتخابات تولاها الرئيس الراحل رشيد الصلح ،ومهدت لعهد الرئيس الراحل رفيق الحريري.
اليوم ثمة من يستعيد تلك الذكريات البائسة لنسخها على حكومة الرئيس حسان دياب.فالتاريخ في لبنان غالبا ما يعيد نفسه،وثمة من يقارب الأمور بعودة الرئيس سعد الحريري من الخارج وتصعيد وليد جنبلاط وكلام السفيرة الأميركية وأشياء أخرى ما تزال تحت الطاولة.
في المقابل يقول المنتصرون للحكومة إن حسان دياب لن يعيد تجربة عمر كرامي ،ولن يستقيل تحت أقسى الظروف ،ولسوف يتصدى للأزمة الراهنة قبل أن تحرق الأخضر واليابس.ولكن كيف؟وهل يملك مفتاحا سحريا للحل؟
واضح أن لا أحد يملك مثل هذا المفتاح أيضا خارج الحكومة ،على الرغم من التحليلات والنظريات والأفكار والاقتراحات التي لا ترقى الى مستوى الحلول.ولكن ،لا شك أن الحكومة بحاجة ماسة اليوم قبل الغد، إلى صدمة إيجابية ،الى خطوات سريعة ترقى الى حد الجرأة والمغامرة ،تلجم التدهور والانهيارات،وتعزز ثقة الفقراء القدامى والجدد والمستجدين بهذه الحكومة ،قبل أن يشهروا سيف الجوع ويفلت الشارع وتعم الفوضى ويحترق الأخضر واليابس.