الغباء كالفساد ..مؤذ أيضا!
كتب واصف عواضة:
في زحمة الحديث عن الإصلاح والخطط الاقتصادية والمالية لإنقاذ لبنان،يتراءى للناس أن الفساد والنهب المنظم ،وحدهما مسؤولان عن انهيار النظام ومنظومة الدولة.أحيانا يكون الغباء والتذاكي أشد وقعا .لذلك تبدو مهمة السلطة في اختيار الأكفاء والأذكياء وأصحاب الخبرة ،موازية تماما لاختيار أصحاب الأكف النظيفة .
صديق أرسل لي رواية معبرة في هذا المجال تقول:
يروي الزعيم السوفياتي الراحل نيكيتا خروتشوف في مذكراته قصة صغيرة تدلل على نتيجة الغباء في الإدارة ،بحيث أنه يؤذي أكثر من الفساد والنهب أحيانا.
يقول خروتشوف : اتصل بي الرفيق جوزيف ستالين وقال "تعال الى مكتبي بسرعة يا نيكيتا ..هناك مؤامرة كبيرة".
وصلت وكان معنا مجموعة من الوزراء فقال ستالين : يا رفيق نيكيتا لدينا معمل إطارات (دواليب) ،و هذا المعمل هو هدية من شركة فورد الأميركية. و هو ينتج الإطارات منذ سنوات و بشكل جيد، و لكن فجأة ومنذ ستة أشهر بدأ هذا المعمل ينتج دواليب تنفجر بعد بضعة كيلومترات و لم يعرف أحد السبب.أريدك أن تذهب إلى المعمل فورا وتكتشف ما هو السبب.
وصلت المعمل و باشرت التحقيق فورا،وكان أول ما لفت نظري هو حائط الأبطال على مدخل المعمل..على هذا الحائط توضع صور أفضل العمال و الإداريين و الذين عملوا بجد و نشاط خلال شهر.
و بدأت التحقيقات مباشرة من الإدارة حتى أصغر عامل، فلم أعثر أحد منهم يعرف الأسباب.قررت النوم في المعمل حتى أحل هذا اللغز.
استيقظت في الصباح الباكر ووقفت في أول خط الإنتاج وقمت بمتابعة أحد الإطارات (الدولاب)، و مشيت معه من نقطة الصفر حتى خروجه من المعمل، فأصبت بالإحباط. كل شيء طبيعي وكل شيء صحيح وكل شيء متقن ،ولكن الإطار انفجر بعد بضعة كيلومترات.
جمعت المهندسين والعمال والإداريين واحضرت المخططات وقمت بالإتصال بالمهندسين الأميركيين ،فلم نصل إلى حل .قمت بتحليل المواد الخام المستخدمة في صناعة ذلك الإطار،فأثبت التحليل أنها ممتازة جداً وليست هي السبب أبداً ،لكنالأطار انفجر بدون سبب.
أصابني الإحباط. و أحسست بالعجز. و بينما أنا أمشي في المعمل لفت نظري حائط الأبطال في المعمل،حيث يوجد في رأس قائمة الأبطال أحد المهندسين على رأس القائمة، ما لفت نظري أن هذا المهندس على رأس القائمة منذ ستة أشهر ،أي منذ بدأت هذه الإطارات بالإنفجار بدون سبب.
لم أستطع النوم قمت باستدعاء هذا المهندس إلى مكتبي فورا للتحقيق معه،وقلت له "ارجوك اشرح لي يا رفيق كيف استطعت أن تكون بطل الإنتاج لستة أشهر متتالية؟
قال : لقد استطعت أن أوفر الملايين من الروبلات للمعمل و الدولة.
قلت : وكيف استطعت أن تفعل ذلك؟
قال : ببساطة قمت بتخفيف عدد الأسلاك المعدنية في الإطار، وبالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يوميا. هنا اصابتني السعادة الكبيرة لأنني عرفت حل اللغز أخيرا و لم أصبر على ذلك.
اتصلت بستالين فورا و شرحت له ما حدث ،وبعد دقيقة صمت قال بالحرف : و الآن.. أين دفنت جثة هذا الغبي؟
قلت:في الواقع لم أعدمه يا رفيق بل سأرسله إلى سيبيريا، لأن الناس لن تفهم لماذا نعدم بطل إنتاج…
في الخلاصة ليس ليس بالضرورة أن تكون فاسداً وسارقا لتؤذينا وتدمرنا.
يكفي أن تكون..غبياً!