كتب أكرم بزي
لم تنتظر دوروثي شيا السفيرة الأميركية في لبنان لأكثر من 24 ساعة حتى فاجأت الرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري “بمروءتها” لتقترح عليه “تفعيل مشروع مد الغاز المصري عن طريق الأردن وسوريا إلى لبنان”، هذا المشروع الذي عمل عليه سيزار أبي خليل وزير الطاقة والمياه اللبناني الأسبق، في إطار عقد تصدير الغاز المصري للبنان الموقع في عام 2009، حيث أعلنت مصر حينها عن “الاستعداد لتقديم كافة أوجه المعاونة في مختلف مجالات صناعة البترول والغاز في لبنان، ووضع إمكانات وخبرات الشركات البترولية المصرية لتلبية احتياجات لبنان المستقبلية في مجال المشروعات البترولية”. وأُجهض المشروع في حينه بعد حملة الضغوط التي مورست على الوزارة اللبنانية بحجة أن “التمديدات ستمر عبر سوريا” (وسوريا تحت بند عقوبات قانون قيصر)، وكان للسفارة الأميركية الدور الأكبر في عملية الإجهاض تلك.
هرعت السفيرة شيا بعدما سمعت عن باخرة المازوت الإيرانية القادمة، وعن بواخر النفط الأخرى التي ستتبعها في المستقبل القريب، فقط لتقنع الرأي العام اللبناني بأن الولايات المتحدة الأميركية تحث وتساعد على إيجاد الحلول للأزمة في لبنان، وتهمها مصالح اللبنانيين… نعم، أوليس هي من وقفت على الطريق أمام وسائل الإعلام لتوزع الكمامات على اللبنانيين المساكين على طريقة “شوفيني يا منيرة”.
نعم، مروءة دوروثي شيا جعلتها توزع الكمامات وتمنع الطحين والحليب والدواء والمازوت والكهرباء، ولا أغالي إذا قلت حتى الأوكسجين… إنه الكذب والدجل الأميركيان، وهذا ليس بغريب، فقد أحصت صحيفة “الواشنطن بوست “الأمريكية عندما كشفت عن أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هو أكثر رؤساء أمريكا كذبا، ففي فترة حكمه في بالبيت الأبيض والتي استمرت (828 يوماً) أظهر التقرير أن ترامب كذب أكثر من عشرة آلاف كذبة أى بمعدل 23 كذبة كل يوم، وهذا رئيس دوروثي شيا السابق ورئيس أقوى دولة في العالم، فكيف سيكون ممثلوهم؟
السفارة الأميركية في عوكر ومن فيها، كانوا يضغطون باستمرارعلى القيادات اللبنانية كي يوقفوا مشروع “الغاز المصري” عبر الأردن وسوريا، وكانوا يضعون العراقيل باستمرار لمنع تحسين وتطوير البنية التحتية في البلد من مشاريع الكهرباء الى المياه الى الدواء الى تجفيف مصادر الدولار الى اغلاق البنوك (بنك الجمال) والى توقيف رجال الأعمال اللبنانيين في كل أصقاع الأرض بحجة دعمهم للإرهاب، فماذا عدا مما بدا كي تهرع “شيا” الى القصر الجمهوري لتقترح على فخامة الرئيس موافقتها على المشروع وإن كان سيأتي عن طريق سوريا!
بين عامي 1947 و1957، أطلق السناتور جوزف مكارثي حملة ضد الليبراليين البارزين في أميركا بحجة تأييدهم للاتحاد السوفياتي، واعتبر في حينها “أن الشيوعية هي ديانة ويجب محاربتها ونصرة المسيحية”! وتم اعتقال أكثر من 200 شخصية وجرى تعذيب نحو 10000 آخرين، وكان من أبرز الضحايا مارتن لوثر كينغ، وتشارلي شابلن، وألبرت اينشتاين. وبعدها أصبحت المكارثية أسلوبا ونهجا اتبعته الإدارة الأميركية كلما وجدت نفسها بحاجة إلى تطبيقه كمبدأ، فيصبح كل شخص مناوىء للسياسة الأميركية يعتبر في صف الأعداء حتى لو كان أميركيا. وهذا ما يحصل الآن في لبنان، فكل من يقف خارج “الفلك والاطار الأميركي” يصبح في المحور المعادي، أي الإيراني، وقس على ذلك.
ولأن البواخر انطلقت من الشواطئ الإيرانية نحو الشواطئ اللبنانية، لتخفيف الأزمة التي افتعلتها الإدارة الأميركية بالتواطؤ مع رجال أعمال ومصرفيين وسياسيين لبنانيين، فقد لا نفاجأ إذا ما طلعت علينا السفيرة الأميركية او من يمثل الإدارة الأميركية ليطلعنا بأن الإدارة الأميركية بدأت مشروع مد أنابيب الغاز والنفط من سواحل فلوريدا الى خزانات الدورة في برج حمود! فقط لإشاعة “بروباغندا” لاستهلاكها في الإعلام لتهدئة الرأي العام اللبناني.
في فيلم “كيان من الأكاذيب” للمخرج ريدلي سكوت، والذي اختاره من ضمن عشرة روايات للصحفي ديفيد إغناتيوس، تلك الرواية التي تفضح السياسة الأمريكية الخارجية، وتدفع بشبابها إلى ميادين عمليات انتحارية، وتظهر أكاذيب السياسة الأمريكية بوجه عام، ويفضح عملياتها الخارجية التي تتسم بالرغبة في السيطرة على العالم، بغض النظر عن القيم والحقائق في الحياة، حيث جسد النجم الأمريكي راسل كرو شخصية مدير العمليات الميدانية بالشرق الأوسط، ويظهر بشخصية استخباراتيه غير مبالية على الاطلاق، ولا حرج عنده من أن يتم خطف رجاله او المقامرة عليهم او قتلهم لتحقيق أهدافه. إنه النفاق والدجل الأميركي الذي يمارس على كل العالم والشواهد على ذلك كثيرة، وصدق المثل المصري: “المتغطي بالأميركان عريان”.
زر الذهاب إلى الأعلى