الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار:
قال لي باتريك سيل، الصحافي الانكليزي ومؤلف كتاب “الأسد … الصراع حول الشرق الأوسط”، حين التقيته في وزارة الاعلام في دمشق، “مثلما تحاول، عبثاً، التوغل بعيداً في المنطقة الملتبسة من الشخصية التاريخية والجغرافية لسوريا، تحاول، عبثاً، التوغل بعيداً في المنطقة الملتبسة في شخصية حافظ الأسد. لكأن هذا الرجل، بالمواصفات الفرويدية، خلق ليكون نسخة طبق الأصل عن بلاده”.
وقال “لا تدري ما اذا كان اللاعب التكتيكي أم اللاعب الاستراتيجي، أم الاثنين معاً. قد تجلس اليه ساعات ولا تخرج بشيء، وقد تجلس اليه لدقائق وتخرج بكل شيء. انه الزاهد، المتقشف، وحتى الخجول، وانه البطاش الذي كان الضباط يخشون مجرد التفكير بانقلاب ضده، بعدما نجح في ارساء ذلك التوازن العجيب بين مراكز القوى، لكأنك أمام مشهد سريالي. ربما كانوا على حق من رفعوا شعار الأسد رئيسنا الى الأبد”.
الى الأبد ؟ لكنه لم يستطع أن يحكم سوريا من قبره، كما لو ان ابنه ووريثه (وهنا الخطأ الفظيع) قام بانقلاب ضده. للتو، أزاح رجال الحرس القديم، أصحاب الخبرة في ادارة دولة على ذلك المستوى من التعقيد، وراح يقدم نفسه رجل الحداثة، ولكن ليبدأ خطواته الأولى برتبة عسكرية (فريق أول). بدا كما لو أنه احدى شخصيات والت ديزني . بعض من يعرفونه عن كثب قالوا أنه أقرب الى شخصية كيم جونغ ـ أون، ولكن بمواصفات فيزيولوجية مختلفة، في بلد أنتج رجالاً مثل أدونيس، وعمر أبو ريشة، ومحمد الماغوط، وحنا مينا، وحيدر حيدر، ونساء مثل كوليت خوري، وغادة السمان، ناهيك عن منى واصف، وسلاف فواخرجي، وسلاف معمار، ماذا عن باسم ياخور الذي آثر الخروج من سوريا ورفضه البقاء تحت النير العثماني، أو في حضرة اللحى الأفغانية.
كلبناني من البقاع، كان مقام السيدة زينب في ضاحية دمشق محط رحالنا ( وكم كانت صرخة زينب في وجه الخليفة تشبه صرخة آنتيغون في وجه الملك !) . وكان سوق الحميدية عالمنا، ونحن نتأمل في وجوه الشاميات كمن يتأمل في حوريات الجنة . حتى اللحظة، لا أزال عند قناعتي، وأنا أتابع خطى محمد في “رحلة الصيف”، بأن الصورة القرآنية للجنة مأخوذة من صورة بردى، وقد تدلت على ضفافه أغصان الرمان والصفصاف، لا ننسى منظر الشاميات في “سيران” يوم الجمعة …
وكقومي عربي (ولم تعد القومية العربية تصلح علفاً للماعز) كان يهزني ضريح صلاح الدين الأيوبي، وصوت الجنرال غورو وهو يضرب الضريح بحذائه العسكري “ايه صلاح الدين لقد عدنا”، وكان لا بد أن أقف مع الأب، ثم مع الابن (بالشخصيتين المختلفتين كلياً ) في موقفهما الى جانب المقاومة في لبنان لاجتثاث البرابرة من ترابنا. لكننا لم نكن مع الابن في نموذج كيم جونغ ـ أون. وكما ذكرنا سابقاً، الأستاذ الفارغ من الداخل، والديكتاتور الذي كان يختار بعض وزراء الخارجية الذين على شاكلة الدمى المصنوعة من الجفصين، ووزراء للاعلام الذين بعضهم يشبه الطنابر، وبعضهم يشبه الدجاج.
أما من كانوا يشغلون هذه الحقيبة الحساسة، وفي المراحل الدقيقة، بالخلفية الأكاديمية أو المهنية، فكانت التعليمات بأن تبقى أفواههم مقفلة لعدم اتقانهم اللغة الخشبية، ولا لعبة الأقنعة الخشبية. في كل الأحوال، حافظ الأسد لم يحكم كعلوي (رجل كان يعتبر أن دولة لا تتسع له فكيف تتسع له طائفة ؟). على حلقات كتبت عنه، بعد لقائي برفاقه ان في الكلية العسكرية، أو في الوجه الآخر من حياته.
وزير الدفاع مصطفى طلاس الذي كان يحدثني عن عشيقاته، وكيف كان يعود، بالبزة العسكرية الملطخة بالوحول بعد ليلة حمراء في غابات موسكو عندما كان يخضع لدورة أركان هناك، أضاء لي الكثير من تفاصيل شخصية الرئيس الراحل. كان خجولاً ومثابراً، لا “يلطّش” الفتيات مثل طلاس الذي لا أتصور أنه كان يعرف مثلاً من هو بونابرت، أو من هو بيسمارك، أو من هو دوغلاس ماك آرثر. الأهم أنه لم يلاحظ أن ذلك الضابط بتواضع، وخفر، أهل الريف، كان يحفر الجبل بالابرة ليصل الى القمة …
أيضاً، لم يكن بشار علوياً، لا بالمعنى “التقني”، ولا بالمعنى السياسي. وقع في غواية “الأنا” الى ذلك الحد الكاريكاتوري. ذات يوم قلت لوزير الاعلام في كل الصور التي تنشرونها، يظهر الرئيس وهو يتكلم، و”يلولح”، بيديه، في حين أن الضيف، حتى ولو كان فلاديمير يوتين، يبدو صامتاً كما التلميذ في حضرة المعلم. توقف لأيام نشر الصور هكذا. لكن مسؤولين في الاستخبارات، بذلك الغباء الرائع والمروع، استنكروا المس بقدس الأقداس، لتعود الصورة المخجلة الى الظهور.
رئيس وضع رأسه بين يدي أجهزة الاستخبارات، وعرابي المافيات (ومن كل الطوائف). وقيل أيضاً، بين يدي زوجته التي كانت تقلد الملكة ماري أنطونت التي انتهت على حد المقصلة. حتماً هناك ضباط علويون في المؤسسة العسكرية، وفي المؤسسات الأمنية، لوثوا سمعة الطائفة العلوية التي استبقيت مناطقها بطبيعتها الخلابة، على بؤسها، حتى ليقال ان الأسد الابن الذي ترك الأقرباء يعيثون فساداً (وفوضى)، تعامل مع تلك المناطق كما لو أنها غير موجودة على الخريطة.
العلويون ضحايا العلويين، حين تنتقل سوريا (وكما لاحظنا في الحكومة الحالية) من نظام الحزب الواحد الى نظام الطائفة الواحدة. لم يعد ممكناً التغاضي عن أعمال التنكيل، والتشبيح، ليضاف، الى أولئك البؤساء، تاريخ آخر من الآلام . صرخة الى القائد أحمد الشرع للتدخل من أجل حماية الضحايا …!!