العلماء الشّيعة في لبنان (1920-1967) ..وانخراط السّلطة الدّينيّة في المجال الاجتماعيّ
بقلم د. آناييس- تريسا خاتشادوريان*
ترجمة: د.يونس زلزلي
كان جبل عامل، الواقع في الجنوب اللبناني، واحدًا من المواطن الرّئيسة للشّيعة الإماميّين(الإثني عشريّين) في الشّرق الأدنى منذ القرن التّاسع عشر على الأرجح[1].واستوطن الشّيعة أيضًا في الجبل اللبنانيّ، الذي كان ملاذًا للأقلّيات والجماعات الدِّينيّة التي استقرَّتْ هناك للدِّفاع عن فرادتها[2]، وتَمَّ إجلاؤهم منه تباعًا من قبل السّلطة الحاكمة(السُّنِّيَّة) آنذاك، المماليك في القرن الرَّابع عشر[3] والعثمانيّين في القرن الخامس عشر[4] ثمّ المسيحيّين الموارنة[5]. أتاح الانتماء إلى لبنان بحدوده الجديدة الفرصة للشِّيعة بترسيخ شخصيّتهم والمطالبة بالاعتراف بهويّتهم من خلال تعزيز شراكتهم في السُّلطة[6]. أَقرَّ الانتداب الفرنسيّ على لبنان، الذي فُرِضَ في العام 1920، بالوجود الرّسميّ للشِّيعة، وتأطّرت هذه الطَّائفة في كيان مستقلّ عن السُّنَّة[7]. بموجب صكّ الانتداب الصَّادر في 24 تمّوز 1922، تتعهَّد فرنسا باحترام “الأحوال الشَّخصيَّة لمختلف السُّكَّان” وضمان “مصالحهم الدّينيّة”[8]. في 27 كانون الثاني 1926، اعترف حاكم لبنان الكبير بأن الشِّيعة يشكِّلون “طائفة دينيّة مستقلَّة”، وقرَّر إخضاعهم في مسائل الأحوال الشَّخصيَّة للمذهب الجعفريّ، على الرّغم من كون زعمائهم الرّوحيّين لم يكونوا في الواقع يتمتّعون بأيّ سلطةٍ تُذْكَر[9]. تؤشِّر هذه الظروف إلى بدايات هيكلة الطَّائفة الشِّيعيَّة، التي ستبلغ أوجها بتأثير الإمام موسى الصَّدر في بداية السِّتِّينيَّات من القرن العشرين. يرى ماكس فايس، أنَّ حقبة الانتداب الفرنسيّ أسَّست لقوّة الشِّيعة وبروزهم المتزايد: إنَّ مأسسة الطَّائفة الشِّيعيَّة تمثِّل بداية تحرُّرها ونهوضها الاجتماعيّ والسّياسيّ[10]، وتفسح المجال لدِينامِيَّة جديدة تؤسّس لتزايد سلطة العلماء.
عالمٌ من تراثٍ علميّ زاخر
شهدت منطقة جبل عامل بشكل متقطِّع منذ القرن الثَّاني عشر، وبالأخصّ خلال القرن التَّاسع عشر “نهضة في العلوم الدِّينيّة”[11] تجلَّتْ بظهور علماء دين بارزين، من بينهم شمس الدِّين أبو عبد الله محمَّد بن مكِّي[12] (1333-1384) ، الذي أطلق عليه الشّيعة لقب الشَّهيد الأوَّل[13]. حدثت هذه النّهضة على الرّغم من عداء السَّلطنة العثمانيّة، (السُّنِّيَّة رسميًّا)، فقد كانت التّسويات البراغماتيّة ساريةً في كنف السّلطنة مع الأقلّيات غير السُّنِّيَّة ، كما يوضح ستيفان وينتر[14].
أدّى علماء جبل عامل دورًا مهمًّا في انتشار مذهب الشّيعة الإثني عشريّة[15] في إيران، في عهد الصفويين (1501-1722)، الذين جعلوه دين الدَّولة. وهكذا، استخدم الصّفويّون المذهب الشّيعي “سلاحًا إيديولوجيًّا دينيًّا”[16] لمنافسة الخلافة السُّنِّيّة العثمانيّة، واستقدموا من منطقة جبل عامل أولئك الذين سيشكّلون الفئة الإداريّة لرجال الدّين، آل الصَّدر. بيد أنّ علماء الشّيعة لم يهاجروا كلَّهم إلى بلاد فارس، فعلى المقلب الآخر، فَضَّلَ الكثيرون منهم البقاء في جبل عامل، حيث عَلَّموا وعاشوا حياة التَّقوى (الكركي [1465-1534]، زين الدين العامليّ-الجبعي [15061558]). بينما أمضى الآخرون حياتهم بين جبل عامل والعراق وإيران، على غرار بهاء الدين العامليّ (1547-1621) أو محمّد الحرّ العامليّ (1624-1692)[17]. أسهم هؤلاء العلماء بفعاليّة في المناقشات العقديّة حول المذهب الشّيعيّ، وفتحوا المدارس وأعدّوا الطّلّاب، فأرسوا تقليدًا علميًّا لم يعد يقتصر على منطقة جبل عامل وحدها. إذا كان منتصف القرن الثّامن عشر قد شهد ضعفًا في المناقشات العلميّة، فقد استؤنف النَّشاط الفكريّ العاملي بقوّة مجدَّدًاّ في أواخر القرن التّاسع عشر، متأثرًا بالنَّهضة العلميَّة في مدينة النّجف العراقيّة[18].
لعبة تحالفات معقَّدة في قاعدة النّسيج الاجتماعيّ، تحدِّدها مسائل السُّلطة والشَّرعيّة والخلاف
في بداية القرن العشرين، تشكّل النّسيج الاجتماعيّ لجبل عامل من توازن معقَّد بين فصائل المجتمع المختلفة: الفلَّاحين بغالبيّتهم الشِّيعيّة، الذين وُضِعوا تحت وصاية العائلات الإقطاعيّة الكبيرة ( الزّعماء)، وهم شيعة أيضًا مثل آل حمادة وآل الأسعد وآل عسيران[19]. كما أنّ العلماء، وفقًا لما أوردته صابرينا ميرفان، لم يتردَّدوا بالتّحالف مع هذا الزَّعيم أو ذاك، وبالتّنافس بعضهم مع بعض. كان رجال الدّين حتّى العام ،1930 وحتى لو عارضوا عائلات إقطاعيّة معيّنة، غير مكترثين بالفلَّاحين[20]. غالبًا ما ارتبط العلماء بالعائلات الإقطاعيّة في الواقع برباط المصاهرة، (كارتباط آل شرف الدّين بآل الأسعد على سبيل المثال لا الحصر)، وصاغوا علاقات ملتبَسة معها، معتبرين أنّ أن سلطتهم غير شرعيّة، لأنها تمارَس في غياب الإمام المهديّ، المُخَوَّل وحده بمقاليد السّلطة السّياسيّة والاجتماعيّة[21]. اعتقد الشّيعة أنّ سلطة الخلافة التي نشأت بعد وفاة نبيّ الإسلام محمّد هي غير شرعيّة، لأنّهم كانوا يرون أنّ عليًّا، ابن أخ النّبيّ وصهره، هو المُكَلَّف من النّبيّ لمواصلة المهمة التي أوكله الله بها. ويعتقد الشيعة أيضًا أنّ الإمام، خليفة محمّد في قيادة الأمّة، يجب أن يكون من أهل آل بيت النّبيّ. وهكذا، يخلف الإمام نبيّ الإسلام وفق اعتقاد الشّيعة الإماميّين أو الاثني عشريّة، الذين يشكّلون الأغلبيّة، ويكون المرشد السّياسيّ والدِّينيّ للإنسانيّة. الإمام الأول هو علي، ابن عمّ محمَّد وصهره، يليه ابناؤه. يُعَدّ الإمام المهدي، الإمام الأخير والثَّاني عشر، “المحتجب” منذ العام 941 (م). يعيش في مقامٍ لا تبلغه عيون البشر، ويسمى الإمام الغائب، وظهوره حتميّ في نهاية الزمان لاستعادة حكم العدل والسّلام وقيادة أنصاره المؤمنين روحيًّا وزمنيًّا. يمكن على ضوء ذلك، فهم المقاربة الهادئة التي قام بها علماء الشّيعة لقرونٍ خلت، مبتعدين فيها من المجال السّياسيّ، ومتفرّغين للمجال الدّينيّ حصرًا، معتبرين أنّ كلّ سلطةٍ سياسيّة غير شرعية في غياب هذا الإمام. أتاحت تناقضات العلاقات بالإقطاع للعلماء في ذلك الوقت أن يضعوا أنفسهم على رقعة الشّطرنج الاجتماعيّة والسّياسيّة في جبل عامل، فالسّيّد عبد الحسين شرف الدّين (1873-1957) مثلًا، انحاز لبعض الزّعماء على حساب آخرين[22]. ومن الشَّائع أيضًا أن تنتقل وظيفة العالم من الأب إلى الابن، كما هي حال عائلات الأمين وشرف الدّين ومغنيّة. إذا كان الإقطاعيّون في الطّائفة الشِّيعيّة مستحوذين على السُّلطة السّياسيّة، فإنّ العلماء من جانبهم تمتّعوا بسلطةٍ اجتماعية مهمة لأنهم يبتّون، على الأقلّ بشكل غير رسميّ، بشؤون الطّائفة[23].
تتيح بعض المناسبات الدّينيّة للشِّيعة أن يحتفلوا جماعيًّا بذكرى أحداث مهمّة في تاريخهم. وهذه هي الحال مع واحدة من أبرز مناسباتهم، سيرة عاشوراء التي تستمدّ مصادرها من قصّة استشهاد الإمام الحسين حفيد نبيّ الإسلام[24]. أصبح مصرع الحسين في كربلاء رمزًا للنّضال من أجل العدالة والحقّ والقيم[25]. ويحيي الشّيعة ذكرى معركة كربلاء كلّ عام خلال عاشوراء. يشهد إحياء ذكرى عاشوراء أحيانًا ظهور طقوس جلد الذات وإيذاء النّفس، ولطالما كانت هذه الممارسات تلقى تشجيع أعيان السّلطة التقليديّين منذ أمدٍ طويل، لأنها تسمح للنّاس بتوجيه عدوانيّتهم إلى أنفسهم، في حين يحتفظ علماء الدّين بإمكانية انتقاد هؤلاء السّلطويّين، أو البقاء بمعزل عنهم إلى حدٍّ ما.
هذه العائلات الإقطاعيّة الكبيرة المستأثرة بالسّلطة التّقليديّة هي نفسها من يمثّل الطَّائفة الشِّيعيَّة في مجلس النّوّاب. عندما وُضِعَتْ سياسة تهدف إلى الإنماء المتوازن بين مختلف المناطق اللبنانيّة في خمسينيّات القرن العشرين وستِّينيّاته، حاول الزّعماء الإقطاعيّون تجيير المردود الاقتصاديّ لإنماء الجنوب اللبنانيّ لمصلحتهم الخاصّة[26]. “. تزامن هذا الحراك الاجتماعيّ مع عهد فؤاد شهاب (1958-1964). واتّسم هذا العهد “بسياسة الإنماء المتوازن الذي يهدف إلى الحدّ من التّفاوت[27]“. أتاح هذا النهج “التّنمويّ” للرئيس التّركيز على ترسيخ الوحدة الوطنيّة، من خلال تحسين مستوى المعيشة في الضّواحي ذات الأغلبيّة المسلمة على سبيل المثال. ضمن هذا الإطار، تبلور مشروع تشكيل إطار سياسيّ عُرِفَ بالشّهابيّة، وعمل على تعزيز التَّنميَّة في مناطق لبنان كافّة، وإشراك الطّوائف جميعها، بطريقة أكثر إنصافًا في مجالات الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة للبلد على اختلافها. يشير جمال سنكري إلى أن سيطرة الزّعماء الإقطاعيّين بدأت تتداعى في منتصف السّتِّينيّات، بتأثير عوامل ثلاثة: تدهور القطاع الزّراعيّ، ممّا أدَّى إلى نزوح الفلّاحين من الأرياف إلى المدن، وتفاقم الأوضاع في جنوب البلاد، بسبب الصّراع بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينيّة[28]، وأخيرًا، صعود قوّة “برجوازيّة شيعيّة” مغتربة[29] أثْرَتْ في الخارج (غالبًا في إفريقيا)، ووجدت أنّه يصعب عليها حين عودتها إلى لبنان، أن تخضع “لإملاءات الطّبقة السّياسيّة الشِّيعيّة التَّقليديّة”[30]. إنّ “ديناميَّات التَّضامن الطّائفيّ” للشّيعة متأخّرة قليلًا عن سواها لدى الطّوائف الأخرى، ووفقًا لعالم الاجتماع أحمد بيضون، فإن إحدى العقبات التي تعترض نشوءها هي النَّظام الإقطاعيّ الذي يفتِّت التَّمثيل السِّياسيّ للشِّيعة[31].
نحو هيكلة الطَّائفة الشّيعيّة في لبنان
على الرّغم من انحسار نفوذهم السّياسيّ والاجتماعيّ الذي كان لديهم منذ مطلع ستّينيّات القرن العشرين، فإنّ علماء الشّيعة البارزين حافظوا على أدوارهم، ومنهم السَّيَّد[32] محسن الأمين (1865-1952) والسَّيِّد عبد الحسين شرف الدّين، الذي أنشأ في العام 1948 جمعيّةً خيريَّة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا، وهي جمعية البِرّ والإحسان. قبل ذلك بعقدٍ من الزّمان، أي في العام 1938، افتتح السَّيَّد عبد الحسين شرف الدّين أيضًا الكلّيّة الجعفريّة في صور. فبعد أن رفض في البداية فكرة الجمع بين تدريس ما يسمى بالعلوم الدّنيويّة وتعليم الدّين في المكان نفسه[33]، ارتأى أخيرًا فتح مؤسّسة توفّر التّدريسين التَّقليدي والعصريّ في الوقت عينه[34]. لقد كان يمثّل إرادة أولئك العلماء الذين أثبتوا أنّ الإسلام يمكن أن يتصالح مع الحداثة. إن هذه الأساليب الجديدة في التّفكير والتصرف تعني إذًا “انعكاسًا محدَّدًا للعلاقة بين السّلطة والمجتمع، وبين النّشاط السِّياسيّ والثَّقافة الإسلاميَّة”[35].
من خلال قراءة مقتطفات من سيرته، ومثلها سيرة خلفه الإمام موسى الصدر، يكتشف القارئ رؤية رومانسيّة جدًّا لحياته وأفعاله، تتواتر فيها صيغ من قبيل: “بفضله، انعدم تقريبًا – أقلُّه في مدينة صور اللبنانيّة حيث استقرّ – وجود المتسوّلين والمحرومين”[36]. وعلى هذا المنوال، قيل الكثير عن الدّور الاجتماعيّ للعلماء، والذي صُوِّرَ غالبًا على أنَّه حَلَّ محلّ الدَّولة. وإذا بدا أنّ هذه السّرديّة تعاظمت بشكلٍ يفوق ما كانت عليه قبل العام 1960؛ فيجدر بنا أن نتذكّر في هذا المقام، أنَّ الميثاق الوطنيّ في العام 1943[37] قد أُبْرِمَ بعد التّفاوض عليه بين قادة الموارنة والسُّنَّة، هاتين الطَّائفتين اللتين تمثّلتا حينها ببشارة الخوري ورياض الصّلح – تشكّل هذه الحقبة نقطة تحوّلٍ حقيقيّ في بناء الوعي الجمعيّ؛ فقد انبثقت نهضة الطّائفة الشِّيعيّة بجهود جيل جديد من العلماء الذين ورثوا القيادة الرّوحيّة من أسلافهم، ومن هذا الجيل الجديد، برز الإمام موسى الصّدر والسّيّد محمّد حسين فضل الله والشّيخ محمّد مهدي شمس الدّين، فاعلين ومؤثّرين في المشهد السّياسيّ والاجتماعيّ والدّينيّ اللبنانيّ منذ السّتِّينيَّات.
الإمام موسى الصّدر: من المثاليّة الدِّينيّة إلى الالتزام الاجتماعيّ
خَلَفَ الإمام موسى الصّدر السّيّد عبد الحسين شرف الدّين بعد وفاته تلبيةً لطلب عائلته[38]. ولا يزال، إلى اليوم، مرجعًا وقدوة لحركات مثل حركة أمل وحزب الله، اللذين يزعم كلاهما، صوابًا أو خطأ، الالتزام بإرثه[39]. جاء من إيران واستقرّ في لبنان منذ العام 1959، حشد الإمام موسى الصّدر الطّائفة الشّيعيّة في لبنان حول قضايا النّضال من أجل العدالة الاجتماعيّة ومساواة الشّيعيّة سياسيًّا ببقيّة الطّوائف اللبنانيّة. استخدم الإمام موسى الصّدر المصطلحات الشّيعيّة، لا سيّما تلك المتعلّقة ب “الشَّهيد” و “الثّورة على الظُّلم”، متوخِّيًا منها تحفيز الطَّائفة الشّيعيّة المهيمَن عليها من النُّخَب الاجتماعيّة، وتعزيز شعورها بالانتماء والكرامة.
يتّضح جليًّا من سيرته وجود “تسلسل هرميّ شيعيّ عابر للحدود[40]“، تبلور من خلال حراك بعض رجال الدّين ورجحان كفّة المرجعيّة الشّيعيّة آنذاك في قمّ في إيران[41]. لم تستسغ المؤسّسة الدّينيّة (الاستابلشمنت) في قم وطهران والنّجف نزعة الإمام موسى الصّدر الإصلاحيّة وأفكاره التّقدّميّة يوم كان طالبًا في كلّيّة الحقوق وفي الحوزة الدّينيّة. وكان هذا من جملة الأسباب التي دفعته للاستقرار في لبنان الذي ينتمي إليه بعض أسلافه. وُلِد الإمام موسى الصدر في قم في العام 1928، وهو مثل أقرانه رجال الدّين الشّباب المرتبطين بالتّراث الشّيعيّ كما يتمّ تدريسه، مع الرّغبة في الشّروع بالإصلاح[42]. لذلك، اعتقد بضرورة تصالح الدّين مع العلوم الحديثة والعالم المعاصر لاستعادة التّأثير في المجتمع. وبالتّوازي مع دراسته في حوزة قم، التحق بكلّيّة الحقوق في جامعة طهران، حيث نال إجازة في الاقتصاد. استلهامًا من الإسلام، كان الإمام موسى الصّدر واحدًا من أولئك الذين أرادوا أن يقدّموا مقاربات جديدة للقضايا الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة.
عندما استقرّ الإمام موسى الصّدر في لبنان، كان الجنوب، الذي يشكّل الشّيعة 85٪ من سكّانه تقريبًا[43]، من أكثر المناطق حرمانًا في البلاد، وكان التّفاوت الاجتماعيّ بين أهله ومواطنيهم في المناطق الأخرى واضحًا للعيان. كما أنّ تصاعد الصّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ فاقم أوضاعه أيضًا: في أيلول 1964، وفي عهد الرّئيس شارل حلو، شارك لبنان في القمّة العربيّة في الإسكندريّة. اعترفت قمّة الإسكندريّة بمنظَّمة التَّحرير الفلسطينيّة، وأكَّدَ لبنان مشاركته في القيادة العربيّة الموحّدة. صَعَّدَت هذه الوقائع التّوَتُّر بين لبنان وإسرائيل، اللذين يعيشان في حالة مواجهة منذ العام 1948.
أصبحت الأراضي اللبنانيّة، الواقعة في مرمى الصّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، ميدانًا للتّنافس بين القوى المسلّحة الموجودة فيها على اختلافها. لم يحفل الفلسطينيّون الذين نشطوا حينها في لبنان باتّفاقيّة الهدنة الموقَّعة بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار 1949. في العام 1969، حدثت اشتباكات عنيفة بين الجيش اللبنانيّ والفصائل الفلسطينيّة. وانتهت هذه الأحداث بالتوقيع على اتّفاقيّة القاهرة في 3 تشرين الثاني 1969. شَرَّعَت هذه الاتّفاقيّة الوجود الفلسطينيّ المُسَلَّح في لبنان، فسمحت بتمركز مقاتلين فلسطينيّين مسلّحين في مناطق معيّنة من جنوب لبنان. بتشريع الوجود الفلسطينيّ المسَلَّح، تنازلت الحكومة اللبنانيّة عن سيادتها على الجزء الجنوبيّ من البلاد، الذي بات تحت سيطرة الفصائل الفلسطينيّة. يضاف إلى ذلك، وصول دفعة جديدة من اللاجئين الفلسطينيّين في العام 1970، بعد مجازر أيلول الأسود في الأردن[44]، فتضاعفت أعداد اللاجئين والفدائيّين الفلسطينيّين الذين استقروا في لبنان منذ العام 1948. ياسر عرفات، الذي مَكَثَ إلى ذلك الحين في الأردن، جاء أيضًا ليقيم في لبنان. في هذه الظّروف، نشأت فتح لاند. يشير هذا المصطلح إلى الأراضي اللبنانية – الواقعة في جنوب البلاد – التي ينفّذ منها الفدائيّون الفلسطينيّون هجماتهم. أمّا الطَّائفة الشِّيعيّة، والتي كانت تشكّل السّواد الأعظم من سكّان هذه المنطقة من لبنان، فقد عانت كثيرًا من هذه الأوضاع. وبدت الدَّولة اللبنانيّة عاجزة عن الاضّطلاع بمسؤوليَّاتها تجاه هؤلاء السُّكَّان المحرومين. كانت ضاحية بيروت الجنوبيّة وقرى الجنوب اللبنانيّ بيئة مؤاتية لتغلغل خطاب أحزاب اليسار حول العلمنة والمساواة. تجدر الإشارة إلى أنّ أعضاء الحزب الشّيوعيّ اللبنانيّ (الذي تأسَّس في العام 1924 وتمَّ حظره مرَّات عديدة) كانوا بغالبيّتهم في ستّينيّات القرن العشرين، من الشِّيعة، من مدن الجنوب وقراه. قاتل هؤلاء أحيانًا إلى جانب فلسطينييّ فتح – المتحالفة مع الحركة الوطنيّة اللبنانيّة بقيادة كمال جنبلاط[45] – وكانوا عرضةً، مثلهم مثل المقاتلين الفلسطينيين، للهجمات الإسرائيليّة.
لكن منذ العام 1973، نشأت قوّة سياسيّة جديدة، بدفعٍ من الدّين وليس من أدبيّات اليسار، وتمايزت عن حركة جنبلاط. وكان مؤسّسها الإمام موسى الصَّدر، الذي وضع نُصب عينيه منذ وصوله إلى لبنان “إعادة تنشيط الوعيّ السّياسيّ للسّكّان المتاولة[46] الخاضعين لزعمائهم الإقطاعيّين والمُهَمَّشين والمتروكين بلا مستقبل”[47]. في مواجهة المدّ الشّيوعيّ في إيران والعراق وانحسار نفوذ رجال الدّين التّقليديّين، برز الإمام موسى الصّدر واحدًا من أولئك الذين يستلهمون الإسلام، ويريدون تقديم مقاربات جديدة للقضايا الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة. كانت الرَّغبة في استبدال أدبيّات اليسار الرّائجة في وسط الطّبقة العاملة الشّيعيّة أحد دوافع نضاله. لتحقيق ذلك، تبنّى الإمام موسى الصّدر خطابًا مشبعًا بالمطالب الاجتماعيّة، ومستندًا إلى خلفيّة المخيال الدّينيّ الذي يجد الشّيعة أنفسهم فيه. يؤكد خطابه القطيعة بين الحكّام والمحكومين، والمستأثرين والمحرومين، و”الأقلّيّة الظّالمة” و”الأكثريّة المظلومة”[48]. ولم يتردّد بانتقاد أحزاب اليسار (الحزبين الاشتراكيّ والشّيوعيّ) المُتَّهَمين بالسّعي لإثارة الفتنة بين الشّيعة والفلسطينيّين. حتّى إنّه صَرَّحَ بأنّ جورج حاوي، أمين عام الحزب الشّيوعيّ اللبنانيّ حينذاك، “الذي يمثل مجموعة من الشّيوعيّين في لبنان، ولكنّه لا يمثّل المسلمين”[49]. ويذهب أبعد من ذلك، مؤكّدًا أنّ خطاب حاوي حول حماية الشّيعة هو مؤشّر إلى “الإقطاع المودرن والمتطوّر”[50]، وأنّ مسائل العدالة الاجتماعيّة الحقّة لم تكن يومًا حكرًا على الشّيوعيّة[51]. هكذا، أنشأ حركة أمل[52] في العام 1973، وهي جناح مسلَّح لحركة المحرومين[53]. ولكن تأخّر الإعلان عن وجودها إلى العام 1975[54]. وكحلقةٍ من حركة قادها الأنبياء، تعتبر الحركة أنّ الإنسان هو البعد الأرضيّ للإيمان بالله، بُعدٌ لا يمكن فصله عن السّماويّ. وأعلن محاربة كل استبداد وإقطاع وتسلّط وكلّ تصنيف للمواطنين […] وكذلك استغلال الإنسان للإنسان”. في إحدى المقابلات الأولى التي أجراها بعد استقراره في لبنان، ساوى الإمام موسى الصّدر بين “رسالته الدينية في لبنان […] ورفع مستوى الحياة الاجتماعيّة”، الذي ربطه برفع “مستوى الثّقافة الدّينيّة”[55]. طوال مسيرته في لبنان، لم تفتر عزيمة الإمام موسى الصدر عن السّعي إلى استنهاض الوعي الجمعيّ للشّيعة، وتشجيعهم على الانخراط في المجتمع للمطالبة بحقوقهم، والدّفاع عنها.
يتم بناء الهوية الشيعية استنادًا إلى القيم المشتركة للشّيعة: معركة كربلاء، استشهاد الأئمّة، النّضال من أجل العدالة الاجتماعيّة… يأخذ الانقسام بين المحرومين والظَّالمين حيّزًا مهمًّا هنا، ويكون محرِّكًا للمطالبة بالهويّة: شيعيّة، ولكنّها لبنانيّةٌ أيضًا، بما أنّ الإمام موسى الصَّدر طالب بالمساواة مع الطَّوائف الأخرى في البلاد. بل إنه رأى في المعركة الّتي يخوضها الشّيعة ضدّ “مضّطهديهم” محاكاةً لمعركة نبيّ الإسلام محمّد ضدّ “الأصنام” أو معركة الحسين ضدّ يزيد. فقد كتب مقالًا، بمناسبة ذكرى ولادة نبيّ الإسلام، في صحيفة “النّهج[56] نصف الشّهريّة” بعنوان “محمد رسول الله، محطّم الأصنام”. وبعد أن استعرض جهاد نبيّ الإسلام ضد الشّرك والطّغيان، اختتم مقاله بالجمل الآتية:
” ألهمنا يا رسول الله أن نتحرّك بقواك في طريقك المشقوق، وخذ بأيدينا من يومنا هذا لنتحرَّر من أعدائنا..ممّا حرّرت الإنسانيّة منه في يومك”.
كما كان إحياء ذكرى عاشوراء، فرصة له لتأكيد عالميّة معركة الإمام الحسين، وحثّ الشّيعةلاستلهامها في التَّعبئة:
“هذه الحادثة الخالدة التي كانت منارة عبر الأجيال، غير مخصَّصة بأيَّام الحسين (ع). فالحادثة في أبعادها تتجاوز محنة عاطفيّة ومأساة بشريّة، بل إنّها نموذج بأسبابها وتفاصيلها ونتائجها تعلِّم الأجيال كلّ الأجيال، وتفتح أمام الأجيال، كلّ الأجيال، طرق النّجاة وطريق الخلاص. أمّتنا كانت ولم تزل، وكلّ أمّة أيضًا، تحتاج إلى مثل هذا الدّرس وأخذ هذه العبر”[57](على سبيل المثال).
هذا الإحياء الدّينيّ لأفكار مثل “النّضال من أجل الخير” أو الاستشهاد من أجل قضية تُعتبر عادلة، يخلّد ذكراها على مَرّ القرون. إنّه يعزّز الطَّائفة الشّيعيّة، ويؤول إلى تعبئة اجتماعيّة تتيح لها التّموضع في مواجهة الجماعات المنافسة والخصوم السّياسيّين. لقد جيّر الإمام موسى الصّدر إلى جانبه القوّة الكامنة والرّوح القتاليّة للشّيعة، الذين يتّكئون على ذاكرتهم الجماعيّة، فخاض نضاله في”التّحرّر السّياسيّ والدّينيّ والاقتصاديّ لطائفته مستخدمًا خطابًا أيديولوجيًّا ثورويًّا”[58].
تحرّر الطّائفة الشّيعيّة في لبنان
يمثّل إنشاء المجلس الإسلاميّ الشّيعيّ الأعلى في العام 1967 الإنجاز الأكبر للإمام موسى الصّدر. حينذاك، انتقد معارضوه إنشاء مثل هذه المؤسّسة – بما في ذلك رجال الدّين الشّيعة، ومنهم السّيّد محمّد حسين فضل الله –فوفق تقديرهم، إنّها ستعرّض وحدة المسلمين للخطر الأكيد، في حين أنّ الإمام موسى الصَّدر، كان يصبو إلى إنشاء مؤسَّسة إداريّة مستقلّة تلبّي الاحتياجات الدّينيّة والقانونيّة والاجتماعيّة للطَّائفة الشّيعيّة. يقوم مشروع القانون الذي ينظّم عمل هذه المؤسسة على ثلاثة مبادئ: جماعيّة السُّلطة الطَّائفيّة[59]، وحقّ المشاركة لممارسة هذه السّلطة، والسّيادة التّشريعيّة للطّائفة[60]. تفصيل ملحوظ، تنصّ المادّة الأولى على الآتي:
“الطّائفة الشّيعيّة مستقلّة في شؤونها الدّينيّة وأوقافها ومؤسّساتها ولها ممثّلون من أبنائها يتكلّمون بلسانها ويعملون باسمها طبقًا لأحكام الشّريعة الغرَّاء ولفقه المذهب الجعفريّ في نطاق الفتاوى الصَّادرة عن مقام المرجع العام للطّائفة في العالم”.
وبالاعتراف بالاستقلال الذَّاتيّ للطّائفة الشّيعيّة، فإنّ قانون 1967 يقرّ للطّائفة بارتباطاتها العابرة للحدود مع المرجع الشّيعيّ الأعلى (المرجعيّة)[61].
إن الشَّخصيّات المتعاقبة التي تبوَّأت موقع القيادة الدّينيّة في الطّائفة الشّيعيّة في لبنان هي جزء من ذاكرتها الجمعيّة. اندرج تطوّرهم في نسيج اجتماعيّ سياسيّ معقّد، ولكنّه جاء أيضًا في حقبة تاريخيّة حافلة بالأحداث، رسمت مصيرهم وحملت بوقائعها إرهاصات تحرّر طائفتهم فيما بعد: انهيار السَّلطنة العثمانيّة، وإقرار الانتداب الفرنسيّ على لبنان، إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين وتشريد الفلسطينيّين منها…إذا كانت ستّينيّات القرن العشرين تمثّل نقطة تحوّل في بروز الطّائفة الشّيعيّة، فإنّ العلماء الذين سبقوا الإمام موسى الصَّدر، وبانخراطهم الفاعل في المجالين الاجتماعيّ والسّياسيّ، أدّوا دورًا في تنامي قوّة القيادة الدّينيّة فيها.
بعد أكثر من ثلاثين عامًا على تغييبه، يواصل الإمام موسى الصَّدر تغذية مخيّلة مناصريه ومناوئيه. يواظب مركزان للأبحاث والدّراسات، أحدهما في بيروت والآخر في طهران، على تخليد ذكراه من خلال نشر كتاباته على وجه الخصوص. اتّخذ نضاله الاجتماعيّ لصالح طائفته بعدًا وطنيًّا: فقد نجح، بفضل مثابرته، في تطوير المؤسّسات وتوفير الظّروف الملائمة لإعلاء شأن أولئك الذين سمّاهم بالمحرومين.
لكن اتّخاذه التّشيّع قوّةً للتّعبئة الاجتماعيّة ليس فريدًا: فكثيرًا ما استُخدِم التَّشيُّع في هذا المنظور، كما حدث على سبيل المثال خلال الثّورة الإسلاميّة في إيران في العام 1979[62]. اليوم أيضًا، ما برحت هذه المقاربات الاجتماعية أوّلًا، والتي تحاكي مثيلاتها في العالم الثّالث، والتي تتكرَّر في “الدّول الشّعبويّة”[63]، تشدّد على الهويّة الوطنيّة والاستقلال، وكذلك على سيادة الدولة في مواجهة الأجنبيّ. هذا الانقسام المفروض بين المظلومين والظّالمين، يتعزَّز في هذا المقام ببعد دينيّ خاصّ بالشّيعة.
*Anaïs-Trissa Khatchadourian, « L’inscription de l’autorité religieuse dans le champ social: les ulémas chiites du Liban (1920-1967) », Histoire@Politique. Politique, culture, société, n° 18, septembre-décembre 2012 [en ligne, www.histoire-politique.fr]
هوامش
[1]Sabrina Mervin, Un réformisme chiite. Ulémas et lettrés du Ğabal ‘Āmil (actuel Liban-Sud) de la fin de l’Empire ottoman à l’indépendance du Liban, Paris/Beyrouth/Damas, Karthala/CERMOC/IFEAD, 2000, p. 25. Pour de plus amples informations sur le rôle des ulémas du Jabal ‘Amil dans la Perse safavide, il est possible de se référer à l’article “Shi‘ite Ulama of Jabal Āmel” de Rula Abisaab paru dans l’Encyclopedia Iranica Online: http://www.iranicaonline.org/articles/jabal-amel-2 [consulté le 26 janvier 2012].
[2] Fabiola Azar, Construction identitaire et appartenance confessionnelle au Liban, Paris, L’Harmattan, 1999, p. 7.
[3]Jacques Seguin, Le Liban-Sud, espace périphérique, espace convoité, Paris, L’Harmattan, 1989, p. 31.
[4]Fabiola Azar, Construction identitaire…, op. cit., p. 43.
[5]Sabrina Mervin, “Shi‘ites in Lebanon”, Encyclopaedia Iranica Online, http://www.iranicaonline.org/articles/shiites-in-lebanon [consulté le 26 janvier 2012].
[6]Fabiola Azar, Construction identitaire…, op. cit., p. 45.
[7] إدمون ربّاط، التّكوين التّاريخيّ للبنان السّياسيّ والدّستوريّ، بيروت، منشورات الجامعة اللبنانيّة، 1986، ص 127.
[8]Youssef S. Takla, « Corpus juris du mandat français », dans Nadine Méouchy et Peter Slugett (dir.), The British and French Mandates in Comparative Perspectives/Les mandats français et anglais dans une perspective comparative, Leiden/Boston, Brill, 2004, p. 63-100.
[9]Pierre Rondot, Les institutions politiques du Liban: des communautés traditionnelles à l’État moderne, Paris, Imprimerie nationale, 1947, p. 66 et 117.
[10]Max Weiss, In the Shadow of Sectarianism. Law, Shi‘ism, and the Making of Modern Lebanon, Cambridge/London, Harvard University Press, 2010.
[11]Sabrina Mervin, Un réformisme chiite…, op. cit., p. 28.
[12] كما يرد ذكره بأسماء مختلفة، مثل “محمد بن جمال الدّين مكي العاملي”، “أبو عبد الله محمّد بن الشّيخ جمال الدّين بن مكّي بن شمس الدّين محمّد العاملي”…
[13] كان مستهدَفًا بالتّجنّي والافتراء بإيعاز من والي دمشق، لا سيما بعد إعلانه تشيّعه، فعدَّه زنديقًا. لمزيد من التّفاصيل حول حياته وسيرته وموته، يُقرَأ Stefan H. Winter, “Shams al-Dīn Muhammad ibn Makkī ‘’al-Shahīd al-Awwal’’ (d. 1384) and the Shi’ah of Syria”, Mamluk Studies Review, 3, 1999, disponible sur le lien suivant : http://mamluk.uchicago.edu/MSR_III_1999-Winter.pdf [consulté le 3 mars 2012].
[14] Stefan Winter, The Shiites of Lebanon under Ottoman Rule, 1516-1788, Cambridge, Cambridge University Press, 2010.
[15] يشكِّل الشِّيعة الإمامية أو الإثنا عشريّة غالبيّة الشِّيعة.
[16]Mohammad Ali Amir-Moezzi, “Islam in Iran. X-The roots of Political Shi‘ism », Encyclopaedia Iranica Online, http://www.iranicaonline.org/articles/islam-in-iran-x-the-roots-of-political-shiisms [consulté le 29 janvier 2012].
[17]Sabrina Mervin, Un réformisme chiite…, op. cit., p. 30-32.
[18]Ibid., p. 33.
[19]Dominique Avon, Anaïs-Trissa Khatchadourian, Le Hezbollah. De la doctrine à l’action, une histoire du « parti de Dieu », Paris, Le Seuil, 2010, p. 26.
[20]Sabrina Mervin, Un réformisme chiite…, op. cit., p. 49 et suiv.
[21]لمزيد من التّفاصيل، تُرَاجَع الأعمال الآتية: [21] Les ouvrages de Mohammad Ali Amir-Moezzi et Christian Jambet, Qu’est-ce que le shî’isme ?, Paris, Fayard, 2004, de Mehdi Mozaffari, Pouvoir chiite, théorie et évolution, Paris, L’Harmattan, 1998 et de Yann Richard, L’islam chiite, croyances et idéologies, Paris, Fayard, 1991.
[22]Gérard D. Khoury, Sélim Takla, 1895-1945 : une contribution à l’indépendance du Liban, Paris/Beyrouth, Karthala/Dar an-Nahar, 2004, p. 423 et suiv.
[23]Tamara Chalabi, The Shi‘is of Jabal ‘Amil and the New Lebanon. Community and Nation-State, 19181943, New York, Palgrave Macmillan, 2006, p. 21-22.
[24] أنجب الإمام عليّ (أوّل إمامٍ للشّيعة) من زواجه من فاطمة الزّهراء، ولدين هما الحسن والحسين. يقضي الإمام الحسن في ظروف غامضة (قضى مسمومًا في سرديّات الشّيعة)، ولاقى الحسين الموت في معركة كربلاء في مواجهة جيش يزيد بن الخليفة معاوية رفضًا لمبايعته لاغتصابه السّلطة. طالب الحسين بالخلافة بحكم شرعيّة أسلافه.
[25] Les chiites ont une vision dualiste du monde : celui-ci est divisé entre le Bien et le Mal, la lumière et l’obscurité, ou encore la connaissance et l’ignorance. Comme l’expliquent Amir-Moezzi et Jambet, « la lutte entre les forces respectives de ces deux puissances antagonistes universelles est inscrite dans la trame de l’existence » (Mohammad Ali Amir-Moezzi et Christian Jambet, op. cit.). La bataille de Karbala, qui marque la naissance du chiisme politique, illustre cette représentation : le combat de Hussein a permis de démasquer « les Ennemis », les dirigeants des forces de l’« ignorance ténébreuse ». Son martyre et le sort réservé à la famille du prophète de l’islam (ahl al bayt) sont universels et représentent tous les combats menés contre le despotisme (pour Michael M. J. Fischer, anthropologue, la volonté d’Abraham de sacrifier son fils Ismaël se rapproche du sacrifice d’Ibrahim, le fils de Mohammad, de l’autosacrifice de ‘Ali et du martyr de Hussein : cf. Iran from Religious Dispute to Revolution, USA, Harvard University Press, 1980, p. 175). Le slogan « Chaque jour est ‘Achoura et chaque terre est Karbala » qui revient dans de nombreux récits populaires révèle d’ailleurs cet état d’esprit d’engagement politique universel. L’action de Hussein déclenche ainsi la naissance de « l’esprit de revanche » au sein du chiisme et la « politisation de l’imâmisme » : « La lutte de Husayn a pris au fil du temps un sens beaucoup plus large que sa réalité circonstancielle. […] Le troisième Imâm est devenu pour le shî’isme l’incarnation authentique de la justice, de la foi et enfin de la lutte pure et dure contre l’injuste, le méchant et le tyran »(Mehdi Mozaffari, op. cit., p. 136-140).
[26]Jacques Seguin, Le Liban-Sud…, op. cit., p. 51.
[27] Samir Kassir, Histoire de Beyrouth, Paris, Fayard, 2003, p. 506.
[28]يجد لبنان نفسه منذ العام 1948 في قلب الصِّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ منذ بدايات إنشاء الكيان الإسرائيليّ ونكبة فلسطين في العام 1948، يقيم آلاف الفلسطينيّين لاجئين في لبنان وخاصّة في المنطقة الجنوبيّة من البلاد ، القريبة من حدود الكيان الإسرائيليّ في فلسطين. يضع هذا الفائض الكبير للاجئين مسألة التَّوازن الطَّائفيّ اللبنانيّ على المحكّ: تمّ تجنيس بعض الفلسطينيّين، ومعظمهم من المسيحيّين، خلافًا لمواطنيهم السُّنَّة. لمزيد من التَّفاصيل، راجع كتاب جيهان صفير، L’exil palestinien au Liban : le temps des origines (1947-1952), Paris, Karthala, 2008.
[29] Jamal Sankari, Fadlallah. The Making of a Radical Shi‘ite Leader, Londres, Saqi, 2005.
[30] Rodger Shanahan, The Shi‘a of Lebanon. Clans, Parties and Clerics, London/New York, I.B. Tauris Publishers, 2005, p. 74.
[31] Ahmad Beydoun, Le Liban : itinéraires dans une guerre incivile, Paris/Beyrouth, Karthala/CERMOC, 1993, p. 149.
[32] سيد (جمعها سادة)، هو اللقب المنسوب إلى أحفاد نبيّ الإسلام محمَّد. يمكن التَّعرُّف إلى رجال الدين السّادة من عمائمهم السُّود.
[33] Sabrina Mervin, Un réformisme chiite…, op. cit., p. 186-189.
[34]في ذلك الحين، أو بعد سنوات قليلة، شهدت بعض الجامعات الدّينيّة، في إيران أو حتّى في مصر، نقاشات حول مسألة إصلاح التّعليم الدّينيّ وإدخال العلوم الحديثة في مناهجه. حدث هذا في جامعة الأزهر، انظر على سبيل المثال: Georges C. Anawati., « La nouvelle loi portant réorganisation de l’Azhar », Revue Midéo (Mélanges de l’Institut dominicain d’études orientales du Caire), Le Caire, Dar Al Maaref, n° 6, années 1959-1961, p. 473-484.
[35] Nicole Khouri, « D’Égypte : trois lectures islamiques de la Révolution islamique iranienne », Revue Cémoti(Cahiers d’études sur la Méditerranée orientale et le monde turco-iranien), Arabes et Iraniens, n° 22, juillet-décembre 1996, p. 211.
[36] http://www.imamreza.net/arb/imamreza.php?id=1911 [consulté le 24 janvier 2012].
[37] الميثاق الوطني لعام 1943 هو نوع من التَّسوية المؤقَّتة التي تتعلَّق باستقلال لبنان وتكرّس، وفق تعبير بشارة الخوري، “اندماجًا بين طائفتين، ما أدى إلى إعادة تشكيل لبنان في دولة أخرى تستوعب العروبة التي دعا إليها السُّنَّة، والسّعي إلى استبقائها تحت غطاء الحماية، أو الوصاية الأجنبيّة [الموارنة الذين طلبوا حماية فرنسا]. إدمون ربّاط، التّكوين التّاريخيّ…، مرجع سابق، ص. 549.
[38] تتحدَّر عائلتا الصّدر وشرف الدّين من النَّسب نفسه، وهو يعود إلى الإمام موسى الكاظم، بحسب وثيقة حصلنا عليها في شباط 2009 من ابنة الإمام موسى الصَّدر، حوراء، خلال مقابلة أجريت معها في مركز الإمام الصّدر للأبحاث والدّراسات في طهران.
[39]Sabrina Mervin, « Les yeux de Moussa Sadr (1928-1978) », dans Catherine Mayeur-Jaouen (dir.), Saints et héros du Moyen-Orient contemporain, Paris, Maisonneuve et Larose, 2002, p. 285-300.
[40] H.E. Chehabi, Majid Tafreshi, “Musa Sadr and Iran”, dans H. E. Chehabi and The Center for Lebanese Studies (dir.), Distant Relations – Iran and Lebanon in the Last 500 Years, Oxford-London-New York, Centre for Lebanese Studies-I B. Tauris, 2006, p. 137-161.
[41] وكان آية الله العظمى في ذلك الوقت السيد البروجردي، تُوُفِّيَ في العام 1961. وخلفه آية الله محسن طبطبائي الحكيم (1889-1970).
[42] H.E. Chehabi, Majid Tafreshi, “ Musa Sadr and Iran”, op. cit., p. 137-161.
[43] Salim Nasr, « Mobilisation communautaire et symbolique religieuse : l’imam Sadr et les chi’ites du Liban (1970-1975) », dans Olivier Carré et Paul Dumont (dir.), Radicalismes islamiques, vol. 1, Paris, L’Harmattan, 1985, p. 119-158.
[44] في أيلول 1970 هاجم الجيش الأردنيّ، بأمر من الملك حسين ملك الأردن، المخيّمات الفلسطينيّة في عَمَّان. لقد رفضت السّلطات الأردنيّة أن تنطلق “المقاومة” الفلسطينيّة من أراضيها. كما استغلَّ ملك الأردن ردود الفعل الشّاجبة خطف الجبهة الشَّعبيّة لتحرير فلسطين ثلاث طائرات إلى مطار في الصَّحراء الأردنيّة. فأعلن الأحكام العرفيّة، وجَرَّدَ حملة عسكريّة واسعة النّطاق لإنهاء الوجود الفلسطينيّ المُسَلَّح في الأردن. وتجاوزت حصيلة القتلى في أيلول الأسود 4000 قتيل.
[45] Roschanack Sahery-Eisenlohr, Shi‘ite Lebanon. Transnational Religion and the Making of National Identities, New York, Columbia University Press, 2008, p. 99.
[46] أصل مصطلح “متوالي” غامض، لكنّه يشير على الأرجح إلى الولاء المُعلَن لعليّ وأبنائه من شيعتهم وأنصارهم.
[47] Jacques Seguin, Le Liban-Sud…, op. cit., p. 92.
[48] Salim Nasr, « Mobilisation communautaire et symbolique religieuse : l’imam Sadr et les chi’ites du Liban (1970-1975) », dans. Olivier Carré et Paul Dumont (dir.), Radicalismes islamiques, vol. 1, Paris, L’Harmattan, 1985, p. 133.
[49] الإمام موسى الصَّدر، حوار صحفيّ أُجْرِيَ في 12 تشرين الأول 1976 مع جريدة الرّأي العام الكويتيّة، في مقابلات صحفية 2 ، الوحدة والتَّحرير(بالعربيّة)، بيروت ، مركز الإمام موسى الصَّدر للأبحاث والدّراسات، 2007، ص. . 180-197.
[50] الإمام موسى الصَّدر، حوار صحفيّ أجْرِيَ في 18 أيلول 1976 مع صحيفة “الأهرام” المصرية في مقابلات صحفية 2 ، الوحدة والتَّحرير (بالعربيّة)، بيروت ، مركز الإمام موسى الصّدر للأبحاث والدّراسات، 2007، ص. 113-123.
[51] الإمام موسى الصَّدر، حوار صحفيّ أُجْرِي في 13 أيلول 1977 مع صحيفة “الأنوار” في مقابلات صحفية 2 ، الوحدة والتَّحرير (بالعربيّة)، بيروت ، مركز الإمام موسى الصَّدر للأبحاث والدّراسات، 2007، ص. 490-497.
[52] أمل تعني، بالعربيّة، الأمل. وهو أيضًا اختصار لأفواج المقاومة اللبنانيّة. تأخّر الإعلان عن وجود أمل إلى تمّوز 1975.
[53] حركة المحرومين هي حركة شعبيّة تنطلق من “الإيمان بالله” ، وتنخرط في النّضال من أجل “العدالة الاجتماعيّة” و “الحرّيّة” و “الكرامة” وضد “التّسلّط” و “الاستبداد”. الميثاق الذي بنيت عليه عقيدة حركة أمل، متاح على الرّابط الآتي: http://www.amal-movement.com/mithaq/index1.htm تم الرجوع إليه في 28 فبراير 2012.
[54] أدّى انفجار عبوّة ناسفة في معسكر للتّدريب في 5 تمّوز 1975 في عين البنيّة قرب بعلبك إلى وقوع عشرات الضّحايا والجرحى من عناصر حركة أمل، فاضطرّ الإمام موسى الصّدر للإعلان عن إنشاء الحركة في مؤتمر صحفيّ عقده في 6 تمّوز 1975.
[55] الإمام موسى الصّدر، حوار صحفيّ أُجرِيَ في 22 كانون الأول 1961 في جريدة “الحياة” البيروتيّة، في مقابلات صحفية 1، تأسيسًا لمجتمع مقاوم، بيروت، مركز الإمام موسى الصّدر للأبحاث والدّراسات، 2000، ص. 8-13.
[56] الإمام موسى الصّدر، “محمّد رسول الله، محطِّم الأصنام”، مجلّة النَّهج، الجزء الثَّالث، 14 أيلول 1960، ضمن مجموعة من 12 مجلَّدًا عن مسيرة الإمام موسى الصَّدر، الصَّادرة من حركة أمل، المجلَّد الأوَّل، بيروت. دار بلال 2000 ص. 46-51.
[57] الإمام موسى الصّدر، الخطاب الذي ألقاه يوم 1 شباط 1974 في الكلّيّة العامليّة بمناسبة الاحتفال بذكرى عاشوراء، 12 مجلَّدًا عن مسيرة الإمام موسى الصَّدر، الصَّادرة من حركة أمل، المجلَّد الرَّابع، بيروت. دار بلال 2000 ص. 164-174.
58 Jacques Seguin, Le Liban-Sud…, op. cit., p. 92.
[59] يمنح قانون 1967 سلطة الطّائفة لمجلس منتخب يكون من اختصاصه تنظيم أوقاف الطّائفة وإدارتها، والتنسيق بين مختلف المؤسّسات الاجتماعيّة والثَّقافيّة للطّائفة، إلخ. لكنه أيضًا، وقبل كلّ شيء، لديه إمكانيّة المساهمة في “رفع المستوى الفكريّ والرّوحيّ والماديّ في جميع الأوساط الوطنيّة”، أي اللبنانيّة، دون تمييز طائفيّ، وهو أمر غير مسبوق مقارنةً بقوانين الطّوائف الأخرى. ( إدمون ربّاط، التّكوين التّاريخيّ، مرجع سابق، ص 128-132).
[60] إدمون ربّاط، التّكوين التّاريخيّ، مرجع سابق، ص 128-132.
[61] La collégialité ne constitue cependant pas, ici, une nouveauté : elle est l’un des éléments essentiels du pouvoir politique chiite depuis sa renaissance au XIXe siècle. Pour plus d’informations, se référer à l’ouvrage de Sabrina Mervin, Un réformisme chiite…, op. cit., p. 120 et suiv.
[62] Pour une analyse du discours des dirigeants iraniens, avec une mise en contexte des thèmes développés par Ali Shariati sur « l’impérialisme mondial », voir Anaïs-Trissa Khatchadourian, « L’Iran entre “lutte contre les complots impérialistes” et “défense des droits des peuples opprimés” : étude du discours des dirigeants de la République islamique », Les Cahiers de l’Orient, n° 102, printemps 2011, p. 107-123.
[63] Lire à ce propos Ervand Abrahamian, Khomeinism. Essays on the Islamic Republic, Berkeley/Los Angeles/London, University of California Press, 1993.