الحوار نيوز – عاشوراء
رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب أن “الثقافة الجديدة التي أسسها الإسلام ،عي البديلة لثقافة التنازع على السلطة وعلى المواقع، الى التسابق في خدمة الناس وفي تحقيق العدالة الاجتماعية ومواجهة الظلم.وقال إن المقاومة التي أسسها الإمام الصدر لا يجب أن يخافوا منها بعد أن جربوها خلال التحرير عام 2000 ،ولم يتعرض أحد من اللبنانيين للأذى.
وفي كلمة في المجلس العاشورائي الذي اقيم في بلدة السكسكية ليل امس بحضور حشد من علماء الدين والشخصيات والفعاليات السياسية والنيابية والقضائية والاجتماعية والإعلامية والمواطنين،قال العلامة الخطيب:
أيها الإخوة المؤمنون أيها الإخوة الحسينيون، نحيي هذه الذكرى في كل عام من أعوامنا لنتزود بها في مسيرة حياتنا ولنخطو على نهج أبي عبد الله الحسين وأهل بيته الذي استشهد من أجل حفظ الرسالة وأبقائها، ولأننا محبون لأهل البيت وأتباع لأهل بيت رسول الله (ص)، نتعلم من هذه المدرسة فننهج نهجها ونخطو آثار أبي عبد الله الحسين وآله بيته.
هذه الثورة المباركة التي كانت من أجل الإسلام ومن أجل حفظ الرسالة التي لولاها لما بقي الإسلام، ونحن حينما نحييها نجدد في أنفسنا معاني هذه الثورة ونجدد حياتنا بمعانيها، لذلك كنا دائماً ننهج نهج الحق ونقف موقف الحق وإلى جانب الحق ونستشهد من أجل كلمة الحق، من أجل الإسلام ومن أجل أمة الإسلام ودفاعاً عن هذه الرسالة ودفاعاً عن هذه الأمة وكرامتها ومستقبلها. هذه الأمة ستبقى مهما بلغت الصعوبات والتحديات ببقاء هذه الثورة ومعانيها وأهدافها في نفوسنا وفي قلوبنا، طالما أن حبّ أهل البيت يملأ قلوبنا، وطريقهم ونهجهم يملأ تفكيرنا، لأن نهجهم هو نهج الحق، و مواجهة الظالم و مكافحة الفساد، لقد كان نهج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الذي بدأ هذه المسيرة بعد رحيل رسول الله (ص) في مواجهة ثقافة دخيلة على الأمة شكلت انقلاباً على الرسالة، ولقد كان واضحاً وجليّاً لرسول الله (ص) أن الأمة بعده ستنقلب وأن هناك ثقافة جاهلية يراد الحفاظ عليها وتثبيتها والإنقلاب على نهج رسول الله (ص) وعلى الإسلام.
وتابع قائلا:لقد كانت مشكلة العرب أنهم كانوا يتقاتلون من أجل السيطرة ويتنازعون من أجل الرياسة والفوز بها، وهذه ثقافة النزاع على السلطة هي الثقافة السائدة في العالم، هي الثقافة التي أراد الإسلام أن يقلبها وأن يغيّرها، فأتى بنهج جديد، هي عبارة عن القيم التي أتى بها الإسلام، العبودية لله سبحانه وتعالى، ثقافة التوحيد لله سبحانه وتعالى، ثقافة احترام الإنسان واحترام حريته، ثقافة المساواة والعدالة الإجتماعية بين الناس، ثقافة الكفاءة، مصداقاً لقوله تعالى (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
ما المقصود من التقوى في هذه الآية المباركة؟
يفسرها رسول الله (ص) عندما يقول: “الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله”، هذه هي التقوى، كلما ارتقى الإنسان بهذا المعنى وبهذا المفهوم في أن يكون أكثر نفعاً للناس و أن يكون في خدمتهم، كان أعظم درجة وارقى درجة في التقوى، هذه هي ثقافة التمسك بهذه القيم، قيم العدالة في مواجهة الظلم و الاستبداد، قيم احترام الانسان و الناس دون تمييز بينهم إلا على أساس الكفاءة والتقوى.
هذا هو الهدف من رسالة الإسلام التي أراد بها تبديل ثقافة الناس من التنازع على السلطة وعلى الرياسة وعلى المقام والنفوذ بين القبائل وبين العائلات، إلى هذا المعنى المتمثل بالتمسّك بهذه القيم لتكون هي الأساس، هذا ما جاء به الإسلام وجاء به محمد (ص)، هذه الثقافة الجديدة البديلة لثقافة التنازع على السلطة وعلى المواقع، الى التسابق في خدمة الناس وفي تحقيق العدالة الاجتماعية ومواجهة الظلم، هذه هي ثقافة الإسلام التي أراد بها استبدال الثقافة السائدة بين القبائل العربية وفي العالم، هذه الثقافة أُريد استبدالها وإرجاع الأمر كما كان في الجاهلية بالتنازع على السلطة وعلى المقام، لهذا أوصى رسول الله (ص) أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) أن يخرج من هذا الصراع، لأن القبائل العربية في المدينة التي حسبت لما بعد وفاة رسول الله وحسبت للإنقلاب ونظّمت نفسها لتعيد الأمر كما كان جاهلية، كما قال تعالى في كتابه العزيز: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)، هذا هو الإنقلاب بضرب الثقافة التي أراد الإسلام والقيم التي جاء بها الإسلام وجاء بها رسول الله (ص) والعودة بالمجتمع الإسلامي إلى الجاهلية والتنازع على السلطة، وقد جرّت هذه المرحلة مراحل من التنازع بين العرب على السلطة في ما بعد، وإشغال الأمة بهذه النزاعات وبهذه المشاكل في ما بينهم حتى أنسوهم مضمون الرسالة الإلهية التي حملها رسول الله (ص) التي أتت بثورة من القيم، أراد أن يُطبّع بها العالم العربي والقبائل العربية وأن يُطبّع بها العالم، نسيت الناس الرسالة والتهت بالمكاسب و عادت إلى التنازع بين القبائل، لقد خرج أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وأهل البيت من ثقافة التنازع ليكون همّهم ليس السلطة وإنما همهم الحفاظ على هذه القيم التي تحدثنا عنها حفاظاً على الرسالة وعلى الشريعة و العقيدة في مواجهة الباطل وعبادة الذات وعبادة القبائل والزعامات إلى أن كان انتصارهم ، لقد انتصر أئمة أهل البيت سلام الله عليهم بحفظ الإسلام، لقد تخلّوا عن كل شيء ودفعوا أثماناً كبيرة في سبيل حفظ هذه الثقافة وحفظ الإسلام و القيم وحفظ هذا المجتمع. وكان الإمام الحسين (ع) هو الذي قدّم نفسه وعياله ولم تكن ثورته من أجل تنازع على السلطة مع الأمويين ومع يزيد كما لم تكن بين علي ومعاوية، كما لم تكن بين علي وبين الخلفاء، كانت بين الإسلام وبين الجاهلية، بين ثقافة الدين والإسلام وبين ثقافة الجاهلية، للأسف أن هذا الخط هو الذي عُمّم على الأمة، ولكن حينما بلغ الأمر درجة الخطورة وإنهاء الإسلام وأصبح الحكم في الإسلام وراثيًا قيصريًا سلطوًيًا وأصبح الدين في خطر وثقافة المجتمع في خطر والإسلام في خطر نهض الإمام الحسين (ع) ودفع هذا الثمن الكبير في كربلاء فداءً لهذه الأمة وفدى (ع ) هذه الرسالة بنفسه وبعياله بهذه المجزرة التي ارتكبت بحق رسول الله وبحق الإسلام وبحق أهل البيت الذين هم القيمة العليا، الذين هم المؤتمنون على هذه الرسالة وعلى هذه الأمة، وقد دفعوا في سبيلها هذا الثمن الكبير وهذه المجازر الكبيرة التي ارتكبت بحقهم.
ولقد حاولت الأنظمة التي تعاقبت على مر العصور الإسلامية وحاولوا ضرب هذا الخط و هذا النهج ، نهج الاصلاح في الأمة، نهج مواجهة الظلم نهج مواجهة هذه الثقافة الجديدة، السلطة وقفت في وجه هذا الخط وحاربته ولكن المؤمنين من أتباع أهل البيت صلوات الله وسلام عليهم الذين لم يذهبوا إلى الإنقسام في الأمة وإنما إلى الحفاظ على وحدة الأمة، كما كان الأئمة أهل البيت سلام الله عليهم، حافظوا على وحدة الأمة و لم يدعوا إلى الإنقسام، ولم يؤسسوا للإنقسام في الأمة، وإنما دعوا إلى وحدة هذه الأمة و إلى الإصلاح، فوقفوا في وجه الظلم والعدوان، وهكذا سار أتباعهم حتى صار هذا النهج خطاً في الإسلام، ليس حزباً بل خط من أجل الأمة ووحدتها وكرامتها ، لذلك كانوا دائماً السباقين إلى المواجهة حينما تصبح الأمة في خطر، فكان دائماً أتباع أهل البيت صلوات الله وسلام عليهم هم المنقذ للامة.
أيها الأخوة الأعزاء، لذلك ما نحن اليوم فيه من هذا الموقف البطولي الذي نتمسك به ليس من أجل مصالح ضيقة وليس من اجل مصالح شيعية و ليس دفاعاً عن الشيعة، وإنما دفاعاً عن الامة وعن كرامتها، وحينما نقف الى جانب غزة والى جانب الشعب الفلسطيني هناك من يقول: ما لكم والشعب الفلسطيني؟ انتم شيعة وهؤلاء سنة، يخاطبوننا بهذا المنطق التقسيمي للتفريق بين الامة، نحن كما أئمتنا قالوا ان الموضوع المذهبي هو موضوع ايماني بيننا وبين الله، نحن لم نتخل عن ولاية علي ابن أبي طالب ولا عن ولاية أئمتنا صلوات الله وسلام عليهم، ونحن المنتظرون لإمامنا وسيدنا الحجة ابن الحسن المهدي سلام الله عليه لم ولن نتخلى عن هذا، ولكننا في موضوع التعاطي والتعامل مع أمتنا نحن مسلمون ليس هناك في هذا الموضوع سني وشيعي ، سني وشيعي في الموضوع الإيماني شأن خاص لكل مذهب من المذاهب، فليبقى الشيعي على شيعيته والسني على سنيته، ولكننا في الموضوع العام في موضوع الحفاظ على وحدة الأمة وعلى مصالحها وعلى كرامتها نحن جميعاً مسلمون، ونحن في لبنان أيضاً نحن لبنانيون جميعاً يجمعنا الإيمان العام، اللبنانيون جميعاً مسلمون ومسيحيون ينتمون إلى هذا الإيمان والأديان تشترك في هذه القيم الإنسانية وتشترك في هذه المعاني، لأن الدين أساساً هو واحد (إن الدين عند الله الإسلام) الدين واحد مسيحي كان أم مسلم في معانيه في قيمه في موضوع العدالة و في موضوع احترام الإنسان و المساواة في موضوع عدم التمييز، وأطلقنا في هذا عبارة: أن التمايز الديني لا يعطي تمايزاً في الحقوق والواجبات، كلنا نحتكم إلى هذه القاعدة التي أسسها الله سبحانه وتعالى حين قال: (ولقد كرمنا بني آدم) والتي أكد عليها امير المؤمنين علي ابن ابي طالب سلام الله عليه بقوله: “الناس صنفان، إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق”، لذلك في الموضوع الوطني نرى ان هذه التقسيمات والتصنيفات بين مسلم ومسيحي وبين شيعي وسني، عمّقت الفروق بين اللبنانيين و صنفت الحقوق والمواقع على هذا الأساس، هذه عنصرية ، وهي ليست قائمة على المساواة وعلى الإنسانية، هذه قائمة على التمييز العنصري، ولهذا نحن في مسيرتنا كما أسّس لها الإمام السيد موسى الصدر حيث لم تُبن هناك دولة نتيجة هذه العقلية العنصرية، حيث لم يُدافَع عن الجنوب، حيث مُيّز بين منطقة وأخرى، هم ذهبوا إلى التقاتل على المناصب والإمتيازات ولم يستمعوا لنصائح الإمام السيد موسى الصدر في إصلاح النظام حتى يصل اللبنانيون إلى ما وصلوا إليه من الفتن الداخلية والحرب الأهلية، وحينما لم يستمعوا إليه ذهب وأسس المقاومة، وحينما انكشفت التدريبات في عين البنية كان الإنفجار وسقط الشهداء، ماذا قالوا؟ قالوا إنه رجل دين يؤسس ميليشيا وهاجموه، ولكن هو كان يقول لهم أن العدو هو العدو الإسرائيلي وليست الطوائف أعداءاً لبعضها البعض، أنتم أيها السياسيون تجعلون من الطوائف أعداءاً لبعضها البعض، وتجعلونهم يقفون في مواجهة بعضهم لبعض، ولكن العدو الحقيقي هو العدو الإسرائيلي الذي يجب أن تنتبهوا إليه.
استطاعت هذه المقاومة التي أسسها الإمام السيد موسى الصدر واستمرت ولله الحمد ونمت لأنها نمت على التقوى، وليس على أساس التمييز حتى استطعنا أن نُحرّر لبنان من هذا العدو، وأن نكون في هذا الموقع الذي نستطيع فيه أن ندفع هذا العدو عن أن يحتل بلدنا وأن نعتدي على بلدنا مرة أخرى، لذلك نحن في موقفنا أولاً ندافع اليوم عن لبنان لأن هذا العدو هو صَرّح بأنه حينما ينتهي من غزة سينتقل إلى لبنان، من هنا فإن دفاع المقاومة اليوم في الجنوب هو أولاً دفاع عن لبنان، وثانياً إلتزام بالأمة و إلتزام بالأخوة الإيمانية وإلتزام بالدفاع عن المظلوم، نحن نقف إلى جانب غزة وندافع عن غزة بما استطعنا، ولكن كما ذكرت من هذا المنطلق ليس من منطلق طائفي وليس من منطلق عدواني وليس من منطلق أن نستثمر هذه القوة التي واجهنا بها العدو أن نستثمرها في وجه اللبنانيين الآخرين، وإنما نتائجها ستكون للبنان كل لبنان حين ننتصر بإذن الله سبحانه وتعالى.
بارك الله فيكم، بارك الله بشهدائكم، بارك الله بحزب الله وشهدائه، بارك الله بحركة أمل وبشهدائها الذين كانوا سبّاقين في المقاومة عندما أسس الإمام السيد موسى الصدر هذا النهج واستمر هذا النهج حتى كَبُر وعظم وأصبح على هذا القدر من العظمة الذي يخيف أعداءنا ويخيف الآخرين، ولا داعي للبنانيين أن يخافوا منها بعد أن جربوها في عام الفين حين تحرّر جنوب لبنان إذ لم يتعرض أحد من اللبنانيين للأذى، وقلنا أن هذا الانتصار هو انتصار للبنان ولكل اللبنانيين.