العلامة الخطيب في خطبة الجمعة يكرر مطالبة الدولة برعاية النازحين ويحذر من إشاعة الفوضى لأهداف سياسية
الحوار نيوز – خاص
كرر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب مطالبة الدولة بتحمّل المسؤولية المادية والمعنوية في أداء واجبها الرعائي بخصوص العائلات النازحة بما يحفظ كرامتهم بكل الوسائل الممكنة،وأعرب عن اعتقاده بأن هناك من يعمل على إشاعة الفوضى عمداً لأهداف سياسية فئوية ولأغراض خارجية لها علاقة بما جرى ويجري في المنطقة، تلبس لباس الاصلاح عبَّرَ عنها مراراً ،ما يجعلهم شركاء في الجريمة وادوات لتنفيذ المؤامرة على لبنان والمنطقة.
أدى العلامة الخطيب الصلاة اليوم في مقر المجلس بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها:
أيّها الأخوة المؤمنون، تقبّل الله صيامكم وطاعتكم وهنيئاً للصائمين حقاً كما ورد في دعاء الامام زين العابدين (ع) الذي كان من دعائه إذا دخل شهر رمضان : وأعنا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا الا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف الا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى الا الذي يقي من عقابك.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك من الحرام، وجارحتك وجميع أعضائك من القبيح، ودع عنك الهذي وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصيام، والزم ما استطعت من الصمت والسكوت إلا عن ذكر الله، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك، وإياك والمباشرة، والقبل والقهقهة بالضحك، فإن الله مقت ذلك.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لامرأة صائمة تسبّ جارية لها، فدعاها النبي (صلى الله عليه وآله) لطعام فامتنعت لكونها صائمة : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟! إن الصوم ليس من الطعام والشراب، وإنما جعل الله ذلك حجابا عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول يفطر الصائم، ما أقل الصوام وأكثر الجواع! .
إنّ ذلك يستوجب من المؤمنين الاطلاع على الأحكام مما حُلّ وحُرّم وما يوجب الإفطار مادياً ومعنوياً وما ينبغي أن تتحلّى به شخصية المؤمن من الثقافة وما يتوقّف عليه قبول الأعمال وما يستوجب الثواب والعقاب وما يبني شخصيته التي تنسجم مع أهداف وجوده الرسالية من خير امة: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).
الأمة التي أخرجت للناس تقودهم نحو الخير والهدى أمة عزيزة برسالتها ودينها لتعود أمةً تابعةً للأمم الضالة التي أرسلت لهدايتها فتقاد وتذل والله تعالى يقول: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلْأَعَزُّ مِنْهَا ٱلْأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
ومناسبة نزول هذه الآيات بالمنافقين ان أبي [بن] سلول كان يتنحى من النبي (ص) مع المنافقين في ناحية من العسكر ليخوضوا في أمر رسول الله (ص) في غزوة حنين، فلما أقبل راجعاً إلى المدينة رأى جفالا وهو مسلم لطم للحمقاء وهو منافق، فغضب ابن أبي [بن] سلول وقال: لو كففتم إطعام هؤلاء لتفرقوا عنه – يعني عن النبي (ص) – والله لئن رجعنا من غزوتنا هذه إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل – يعني نفسه والنبي (ص) – فأخبر زيد بن أرقم النبي (ص) بمقالة، فأتى ابن أبي [بن] سلول في أشراف الأنصار إلى النبي (ص) يُعَذِّرونه ويكذبون زيدا، فاستحيا زيد، فكف عن إتيان رسول الله (ص) ، فنزل قوله تعالى “( هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ ۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) (يقولون لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلْأَعَزُّ مِنْهَا ٱلْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) يعني والقوة والقدرة لأمير المؤمنين وأصحابه على المنافقين، فأخذ رسول الله (ص) بيد زيد وعركها وقال: أبشر يا صادق فقد صدَّق الله حديثك وأكذب صاحبك المنافق، وهو المروي عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق عليهما السلام.
وتعاد الكرة اليوم في المواجهة مع العصابات الصهيونية الارهابية حين يعد منافقي الداخل أعداء المقاومة حين استبشروا بحصار بلدنا وشعبنا وأمتنا يقولوا السلوليون الجدد مقالة ابي بن أبي سلول ليخرجن الاعز منها الاذل يحسبون العزة والذلة بحسابات موازين القوى المادية الخاطئة من امتلاك الاساطيل البحرية وحاملات الطائرات العملاقة والتحكم بالاقتصادات وحركة الأموال الدولية غافلين عن القوة الحقيقية وهي قوة الايمان وقوة الحق لقضايا العرب والمسلمين التي طالما بل دوماً كانت لها الغلبة في الميدان وفي التحولات التاريخية الكبرى في الصراع بين الحق والباطل التي عايشنا فصولها مراراً في صراع الامة الحاضر مع الغرب وثقافته المادية المتخلّفة التي ما كان لها أن تهيمن على العالم لو أن الأمة لم تتخلّى عن المهمة التي وجدت لأجلها أمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والأمة اليوم ممثلة بقوى المقاومة حين تمسّكت بإيمانها وبثقافة شهر رمضان أعادت توازنها المفقود أمام جبروت الآلة العسكرية الجبارة، وهي تتحداها اليوم بقوة الارادة المؤمنة بربها على قاعدة (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ).
فالحرب اليوم ايها الأخوة هي حرب بين ثقافتين، بين الحضارة التي قامت وحقّقت القوة على أساس الإيمان (أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعا)، وبين الثقافة المادية القائمة على العنصرية والقوة المادية وعلى المصلحة التي لا تعني لها القيم المعنوية شيئاً ولا تأخذ بحسابابتها أي قيمة للإنسانية التي تسمى خطأ بالحضارة فهذا سقوط للحضارة التي افتُضحت كل شعاراتها التي رفعتها من حقوق الانسان والحرية والديمقراطية في ممارساتها قبل اليوم، وهي تفتُضح بشكل أجلى وأوضح اليوم في ممارساتها العدوانية بحق الشعب الفلسطيني وغزة والضفة الغربية بل في كل فلسطين حتى داخل الأراضي التي احتُلت في مجازر سنة ثمان وأربعين عند تأسيس هذه القاعدة العسكرية الغربية التي أسموها باسرائيل، واخترعوا لها كذبة تاريخية تبرر وجودها المزوّر ولم يصدق أحد من العالم العربي والإسلامي هذه الكذبة، ولكن مخترعيها كذّبوا الكذبة وأرادوا أن نصدقّها نحن أصحاب الحق بقوة السلاح، وهذا ما لن يحصل مهما كان الثمن الذي يتوجب على الامة جميعاً دفعه، والمقاومة لا تشكّل سوى الطليعة التي تعيد الأمة إلى رشدها من سبقتها الذي هو آتٍ حتماً وإن طال كثيراً على الرغم من جيوش النفاق الداخلية الكثيرة سياسية وإعلامية مدعومة بشراء الذمم حباً بجمع المال وانقياداً لأسيادها كأدوات لتثبيط العزائم والهمم.
إنّ ما تقوم به قوى المقاومة اليوم وما فعله أبطال طوفان الاقصى رغم فداحة الثمن وآلام الشعب الفلسطيني وجراحه التي لن تلتئم ولن يشفي غليلها الا كسر إرادة العدو ونحن على هذا الطريق بالعد التنازلي الذي لن يطول بإذن الله تعالى.
الموضوع الثاني في هذه الكلمة هو في عيد الام العالمي، فجميل أن يجعل للأم عيداً يستدعي منا أن نوجّه التحية لها وهل هناك أحد يستحق أن يحتفى به اكثر من الأم، وقد كان أعلى وسام وأقدسه أعطاه رسول الله للسيدة الزهراء حين أطلق عليها أنها ام أبيها ورفعها باستحقاق وجدارة إلى هذا المقام، فالأم لقب عظيم لا يستحقه أحد إلا أن يكون قد قام بما يستحقه، فهل ألام هي التي ولدت فقط؟ إذا أردنا ان نعرف معنى الأم لا بدّ أن نعرف وظيفة هذا اللقب، واذا أردنا معرفة هذه الوظيفة لا بدّ لنا من العودة إلى كلام رسول الله (ص) حين خاطب عليا (ع): “يا علي انا وانت أبوا هذه الأمة”.
فوظيفة الامومة كوظيفة الابوّة، وهما وظيفتان متكاملتان، والامومة درجات والدرجة العليا منها استحقتها سيدة نساء العالمين ام أبيها فاطمة الزهراء (ع) فهي أم لأب هذه الأمة يعني انها أم لهذه الامة، والأم هي المعني الاول باولادها بأن تكون خير أمة أخرجت للناس، فوظيفة الزهراء (ع) هي أن تحقّق الهدف الالهي بأن تكون الامة في هذا الموقع (خير أمة أخرجت للناس).
ووظيفة كل أم اخرى أن تصنع أمّتها الصغرى وهي أسرتها مقتدية بأمّها الكبرى وسيّدتها كما تقتضي السيادة، هذه هي الام التي تتحمل مسؤولية بناء أسرتها وتضحي من أجلها إلى جانب مسؤولية الاب الذي لا تقل شيئاً عن مسؤوليتها في التضحية وبذل الجهد لتحقيق هذا الهدف، المسؤولية وليست الانانية وحب الذات والحريات الفردية الذي كرسّته ثقافة الغرب، ثقافة اللذة التي أفسدت المجتمعات وتعمل على تفكيك المجتمعات وإخراجها من إنسانيتها والهدف من وجودها.
إنّ أمهاتنا اللاتي قمنا بالمسؤولية في تنشئة إبنائهنّ على التمسك بالقيم المعنوية والاخلاقية وتحمل المسؤولية تجاه قضايا أمتها متخذةً من سيدة نساء العالمين أم ابيها نموذجاً يُقتدى، ومن السيدة خديجة الكبرى التي أيضا بوسام من الله كانت أُماً للمؤمنين بما قدمته لهذه الامة ولأبيها من دعم ومساندة وبذلت مالها وتحمّلت الاذى من أعداء هذه الامة في سبيل الرسالة حتى قضت نحبها شهيدة تحت الحصار دون أن تتخلى عن رسول الله (ص) والرسالة في مثل هذه الأيام.
إنّ الأم التي اتخذت من الزهراء والسيدة ام المؤمنين خديجة قدوةً لها تستحق الاجلال والاكبار وخصوصاً أمهات الشهداء شهداء المقاومة، بورك لَكُنَّ العيد باستحقاق لأنها التضحية والشعور بالمسؤولية في أعلى مراتبها رحم الله الشهداء وحفظ الله الأمهات الذين يرسلون أبناءهن للقيام بواجب الدفاع عن الكرامة وعن السيادة وكل امهاتنا الكبار بما يحملون من روح العزة والكرامة، والسلام على أم المؤمنين السيدة خديجة والعزاء لرسول الله (ص) بهذا المصاب الجلل.
وأخيراً نكرر مطالبتنا الدولة بتحمّل المسؤولية المادية والمعنوية في أداء واجبها الرعائي بخصوص العائلات النازحة بما يحفظ كرامتهم بكل الوسائل الممكنة، فهؤلاء الكرام يدفعون ضريبة الانتماء الى بلدهم ودولتهم التي لم يتنكّروا لها رغم تنكّرها لهم والحفاظ على حدودها وكيانها بالفعل وبالتضحيات رغم تشويش العاطلين عن القيام بمسؤولية السيادة التي يدعونها، كما أن الدولة مطالبة بضبط الأمن ومنع التعديات على المواطنين والجرائم التي ترتكب في الليل والنهار من سرقات وقتل في ظلام الليل عند الاستفراد بهم.
هذا الواقع المزري إلى جانب الازمات الاجتماعية التي يعاني منها المواطنون لم تدفع للأسف بالقوى السياسية بتحمل المسؤولية بالجلوس معاً والتفاهم لإخراج البلد من هذا الواقع المؤسف، مما يدفعنا للاعتقاد بأن هناك من يعمل على إشاعة الفوضى عمداً لأهداف سياسية فئوية ولأغراض خارجية لها علاقة بما جرى ويجري في المنطقة تلبس لباس الاصلاح عبَّرَ عنها مراراً مما يجعلهم شركاء في الجريمة وادوات لتنفيذ المؤامرة على لبنان والمنطقة.
حفظ الله لبنان وشعبه وتحية للشهداء، للمقاومة، والتحية الكبيرة لأمهات الشهداء في هذا العيد.