سياسةمحليات لبنانية

العلامة الخطيب في خطبة الجمعة يطالب الحكومة بالمزيد من الضغط لإجبار اسرائيل على تنفيذ الإتفاق

نأسف لما يتعرض له الشعب السوري الشقيق ونتمنى تدارك الدفع نحو الفتن

 

الحوارنيوز – محليات

قال نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب “إننا اذ نقدّر للبنان رئيسا وحكومة الموقف الاخير في كيفية التعاطي مع الولايات المتحدة وتحميلها مسؤولية عدم تنفيذ القرار الدولي، بأن تفرض على العدو وقف الانتهاكات والانسحاب من الاراضي التي ما زال يحتلها، وتسليم الاسرى الى الجانب اللبناني، لكننا نريد المزيد من الضغط من جانب الحكومة واللجوء الى موقف اقوى ان لم يقم الجانب الامريكي بالضغط على العدو لتطبيق الاتفاق وهو المتواطئ معه في كل ما يقوم”.

وأعرب في خطبة الجمعة “عن الاسف لما يتعرض له الشعب السوري الشقيق”، وتمنى ان “يتدارك ما يجري من دفع نحو الفتن المذهبية والطائفية التي لن يكون فيها مصلحة لأي من مكوناته،الا العدو الإسرائيلي، وان يحول دون  وقوع مزيد من الكوارث”.  

 أدى العلامة الخطيب الصلاة اليوم في مقر المجلس على طريق المطار وألقى خطبة الجمعة وجاء فيها:

قال تعالى

﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾

ما من شك ان للعقيدة والايمان والقناعة  بها وللثقافة التي تنشأ منها، اثرا بالغا على تصرفات الانسان، وانعكاسه عليها سلبا او ايجابا قوة او ضعفا، خيرا او شرا.  فالعقيدة هي التي يستند اليها الانسان ليبرر على اساسها ما يصدر عنه من أفعال، وان يجيب عن السؤال الطبيعي الذي يواجهه عند صدورها منه، فيقال له لماذا اقدمت على هذا الفعل،  خصوصا الخطير منها، كأن يقدم على فعل يعرضه للموت او لخسارة مالية كبيرة او لخسارة جهد  مهم او لضرر جسدي، لا يقدم في الحالة العادية عليه، والا اعتبر سفيها او غير عاقل، فلا بد ان  يقدّم جوابا يقبله العقلاء، وقد يمتدحونه عليه، كمن يقدم على بذل المال في اعمال الخير، كبناء المدارس ودور الايتام واعطاء الفقراء والمساكين، او بناء المساكن لغير القادرين على شرائها باسعار الكلفة، وبناء المستشفيات ومساعدة المرضى واقراض المحتاجين وغيرها من الاعمال التي لا يكون لها  مردود مادي، فهي في الحسابات المادية البحتة تجارة خاسرة ، ولكن عند اهل الايمان تجارة رابحة، يقدمون عليها بكل اندفاع ويعتبرونها تضحية في سبيل الله تعالى.

 فهؤلاء يقدمونها لله تعالى لأن هدفهم في الحياة هو الحصول على رضى الله تعالى والتقرب منه، وتحصيل الثواب والمقام الاعلى في الآخرة. وحتى بعض الذين لا يؤمنون يُقدمِون على بعض هذه التضحيات ويعتبرونها عملا إنسانيا، فهم في عمق وجدانهم يرون ان هناك هدفا معنويا ارقى من الربح الماديأ وغايةً اسمى من الغايات المادية، وهي من عالم آخر، وهي نزعة لا علاقة لها بعالم المادة،  واحتاجوا الى اعطائها تفسيرا أسموه بالانسانية هروبا من الاشكالية على عدم الاعتراف بأن هناك عالما آخر ينفي ان يكون  الوجود فيه مقتصرا على  المادة.

 وفي الواقع ان هذه المحاولات  الفلسفية هي احدى اخطر الاساليب التي حاولت ان تواجه التفسير الديني للوجود وتشويهه في انظار اتباعه ، ليتسنى للغرب ايجاد فراغ عقائدي لديهم، ليسهل عليهم احلال عقائد مناهضة في نفوس هذه الشعوب من اتباع الديانات وخصوصا المسلمة منها، بغية استتباعها ونزع عوامل المواجهة لها. 

وحيث ان هذه العملية لم تكن لتعطي نتائجها بالسرعة المطلوبة عمدوا الى جانب ذلك الى تشويه بعض المفاهيم الإسلامية، واعطائها معنى مختلفا ومغايرا لها، وامثلته كثيرة، ولكننا سنقتصر على مفهوم الصبر لما له من تأثير عملي كبير في المواجهة الميدانية التي فرضت على المسلمين بغية كسر شوكتهم بانتزاع عوامل القوة لديهم، والتي من جملتها العامل المعنوي،  وما له من اثر نفسي على المؤمن  في مواجهة الحرب التي يقودها الغرب للسيطرة على العالم الإسلامي. وقد استخدم الغرب كل خبثه في هذه المواجهة حيث درس بعناية وعمق عوامل القوة لدى المسلمين، وخصوصا المفاهيم التي لها اثر بالغ في المواجهة والصمود وعدم التسليم للعدو، وخصوصا في حالة  خسارة معركة او عدم الانتصار فيها، ووقوع خسائر كبرى، انها قد هزمت وعليها التسليم للعدو والانصياع لارادته، فكان مفهوم الصبر احد اهم عوامل الصمود للمسلمين التي تقف عائقا امام  التسليم للعدو بالهزيمة، مع اليقين  باستعادة المبادرة مرة اخرى وتحقيق النصر مرة اخرى ،لانه وعد الله تعالى الذي قرن النصر بالصبر .

لذلك عمد هؤلاء وعملاؤهم الى تشويه هذا المفهوم، مفهوم الصبر، واعطائه معنى مغايرا، وهو القبول بالهزيمة والتسليم بها والرضوخ لارادة العدو، وهو ماتحقق للغرب في مواجهة المسلمين والعرب في كيفية التعاطي مع نتائج الحروب التي خيضت من اجل الدفاع عن القضية الفلسطينية، وكان من نتائجها الاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب، وتمكين الغرب من فرض هذا الواقع على العرب والمسلمين الذين تعاملوا بهذه الذهنية الخاطئة مع نتائج المواجهة الخاسرة، فأوقعهم في سلسلة من التراجعات والخيبات، كان الاقسى منها التطبيع مع العدو وتحولهم الى حلفاء له ضد انفسهم وشعوبهم وقضاياهم، كما نرى الواقع المُخزي الذي يعيشونه، يساهمون في حروب اهلية مذهبية في بلدانهم ويستعدون بعضهم ويؤلبون شعوبهم بعضها على بعض، في حروب اهلكت الحرث والنسل، فسهلوا على العدو تحقيق أهدافه من دون ان يخسر رصاصة واحدة. ولو انهم اطاعوا الله تعالى وانصتوا له فصبروا  قليلا لكان النصر حليفهم بثمن اقل بكثير من الثمن الذي دفعوه عبثا، فلا هم حصلوا على السلام المزعوم ولا هم سلِموا مما هربوا من دفعه من خسائر لم تقتصر على الأرواح، بل على مصير الأمة التي تغرق بشكل متتال في مزيد من الفتن والانقسامات داخل بلدانها والصراعات على النفوذ بينها على مغانم موهومة،  بينما تزداد شراهية العدو واطماعه لتحقيق دولته المزعومة من الفرات الى النيل على حسابها وحساب دماء أبنائها.

 وما يجري اليوم في سوريا ليس الا مثالا ونموذجا لما سيتكرر تباعا لكل اقطارها  في الآتي من قادم الأيام، ان لم يتدارك العرب والمسلمون حكاما وشعوبا، ما يجري ويستعيدوا وعيهم لما  ينتظرهم ان استمروا في سياسة التجاهل واغماض العين عن هذه الحقيقة.

واليوم يستشرس العدو عبر استمرار اعتداءاته على لبنان وجهد العاجزين المهزومين ومن الانتهازيين اصحاب المشاريع القديمة الحديثة والاحلام المستحيلة، في بث روح الهزيمة في نفوس مجتمع المقاومة والشعب اللبناني الذين احبطوا هذه الآمال الخائبة، مؤيدين لما جاء في خطاب القسم من الدعوة الى الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية  التي تُحصّن الوطن، وبما تقتضيه المصلحة الوطنية

فلم ينخدعوا بأن المقاومة في لبنان قد هُزمت، وان على لبنان ان يسلم بالهزيمة ويحقق  للعدو اهدافه في اخذ لبنان الى حرب اهلية تنهي الكيان اللبناني.  

ونحن اذ نقدّر للبنان رئيسا وحكومة الموقف الاخير في كيفية التعاطي مع الولايات المتحدة وتحميلها مسؤولية عدم تنفيذ القرار الدولي، بأن تفرض على العدو وقف الانتهاكات والانسحاب من الاراضي التي ما زال يحتلها، وتسليم الاسرى الى الجانب اللبناني، لكننا نريد المزيد من الضغط من جانب الحكومة واللجوء الى موقف اقوى ان لم يقم الجانب الامريكي بالضغط على العدو لتطبيق الاتفاق،  وهو المتواطئ معه في كل ما يقوم.

 ونحن الى جانب الشعب اللبناني والمقاومة، نقف الى جانب الدولة والجيش في الحفاظ على السيادة وكرامة الشعب اللبناني، هذه المقاومة التي دفعت اغلى الاثمان حيث قدمت  قيادتها وعلى رأسها سماحة السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، وقدّم الشعب اللبناني خيرة ابنائه دفاعا عن كرامة لبنان،  وافشل العدو في تحقيق أهدافه.. لن تسمح له ولا للإنتهازيين تحقيق احلامهم التي تعني هزيمة لبنان و اخضاعه وتفتيته الى كانتونات طائفية ومذهبية، عبر حروب داخلية، أو ان تكون  نموذجا آخر للصورة التي يريد العدو ان تكون عليها سوريا.

 واقول للبنانيين جميعا ولكل الطوائف: لا تستمعوا ولا تصدقوا مزاعم الطائفيين التي تدّعي ان الخوف في لبنان يأتي من الطوائف بعضها من بعض، لأن المقصود التغطية على مصدر الخوف الحقيقي، وهو الغرب الذي زرع الكيان الصهيوني المتوحش في فلسطين ليكون الاداة لتخريب بلداننا بالفتن التي يثيرها بين مكونات شعوبنا، لاخضاعنا جميعا وليكون هو المرجع للحماية، إذ راينا كذب وزيف هذا الادعاء في تنفيذ الاتفاق الذي فرض نفسه ان يكون على رأس لجنة الاشراف لتنفيذه، بينما يمارس الغطاء لعدوانه وتمنّعِه عن تنفيذه.

 وإننا إذ نعرب عن الاسف لما يتعرض له الشعب السوري الشقيق، نتمنى ان يتدارك ما يجري من دفع نحو الفتن المذهبية والطائفية التي لن يكون فيها مصلحة لأي من مكوناته،الا العدو الإسرائيلي، وان يحول دون  وقوع مزيد من الكوارث.  

اخيرا نتوجه بالمباركة والتهنئة بمناسبة عيد العمال وهي الفئة الاوسع من الشعب اللبناني الاكثر تضحية، ولا تلقى اهتماما كما تستحق ،والتي تعاني على كل الصعد، وان يعمل على انصافها فهي العمود الفقري لبناء الوطن.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى