الحوارنيوز – محليات
رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب “ان الغطرسة التي يمارسها الكيان الصهيوني في لبنان وغزة وسوريا واليمن ،تنذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأكملها”. وحمّل رعاة الاتفاق الدوليين في لبنان ،خاصة الاميركيين والفرنسيين ،مسؤولية وقف الانتهاكات الإسرائيلية فورا ،والعمل الجدي على تنفيذ هذا الاتفاق وتسهيل انتشار الجيش اللبناني على كامل الاراضي الجنوبية حتى الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة.
وقال العلامة الخطيب في خطبة الجمعة من مقر المجلس الإسلامي الشيعي في الحازمية “إن ما تمر به المنطقة يشكل أعلى درجات الخطورة ،وينبئ بكوارث محدقة بالعالم العربي بأكمله،في ظل الفلتان العدواني الصهيوني من دون وازع او رادع ..ما يستدعي موقفا عربيا جامعا في مواجهة هذه الغطرسة ،وليس أقل من عقد قمة عربية طارئة تتخذ موقفا حاسما في مواجهة هذا الصلف المنقطع النظير”.
وجاء في الخطبة:
مناسبتان كريمتان نحتفل بهما في هذه الأيام: الاولى ولادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء (س)، والثانية ولادة رسول الله السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه وعلى امه وعلى نبينا الرسول الأكرم محمد ابن عبد الله واله الأطهار صلوات الله وسلامه ع اجمعين.
وفي هاتين المناسبتين الكريمتين، نتقدم باسمى ايات التهنئة والتبريك من جميع المؤمنين، مسلمين ومسيحين في العالم، وبالأخص اللبنانيين، وندعو الله سبحانه وتعالى ان تحل علينا بركاته ورحمته وان يعيده علينا وعلى بلدنا العزيز، وعلى أمتنا العربية والإسلامية بالوعي لذاتها ووظيفتها وموقعيتها، بالوعي المفقود والدور والتاريخ الذي نقرأه كماض مضيع نجتره لنرضي به انفسنا، ونهرب فيه عن واقع فقدنا فيه الإنجاز والجديد، حتى صرنا خارج التاريخ نأكل ما يُنتج لنا، ونقرأ ما يُكتب لنا، ونفكر كما أُريد لنا ان نفكر، ونعيش كما أريد لنا ان نعيش، مجرد مقلدين غير مبدعين.. مجرد اتباع وملحقين. لذلك فقدنا مبرر وجودنا، فأي دور بقي لنا مميزا عن الآخرين لنقوم به، وأي رسالة نحملها لنوجد لنا حيزا في هذا العالم، بعد ان تخلينا عما تمايزنا به من حمل رسالة القيم والأخلاق والمعارف الربانية والإلهية، التي حملها من نحتفل بهم في هذه الأيام والذين جاؤوا الى هذا العالم الغارق بالجهل والخرافات والمتمسك بالقيم المادية، لإنقاذه من النتيجة المحتومة وهو الهلاك.
“كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ”..
فكنتم أمة بعد ان كنتم قبائل ترعى الاباعر في القفار لا تعرف حضارة، يغزو بعضكم بعضا.
وخير من يجيد لكم الوصف الذي كنتم عليه امير المؤمنين ع،إذ يقول:
{وأنتم معشر العرب على شر دين، وفي شر دار، تنيخون بين حجارة خشن، وحيات صم، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام فيكم معصوبة}، فأنجاكم الله بالاسلام ورفعكم واعلى شأنكم به فوق الامم وجعل لكم القوة والمهابة والغلبة والنصر، فما دهاكم لتعودوا القهقرى وينقلب شأنكم من القوة الى الضعف، غير انكم تخليتم عما دعوتم الناس اليه، ولم تنصتوا الى تحذير ربكم:
{ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }..
ونهي نبيكم اياكم
{ لا تعودوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض }.
فبعد ان اظفركم الله على اعدائكم وجعلكم اسياد الدنيا تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، تعودون اتباعا لهم حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لاتبعتموهم، ولن تكونوا امثالهم ولن تلحقوا بهم وقد تحقق كل ذلك اليوم.
حين صرتم هدفاً يرمى، وفيئاً ينتهب، يغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون، فإذا أمرتم بالسير إليهم وقد بادروكم بالغزو والعدوان واحتلوا مقدساتكم فى أيام الحر قلتم: حمّارة القيظ، أمهلنا ينسلخ عنا الحرّ، وإذا أمرتكم بالسير فى البرد قلتم: أمهلنا ينسلخ عنا القرّ.. فوالله انتم من السيف أفر، فاذا ما دعيتم الى الفتنة المذهبية بينكم أسرعتم اليها فلا رابط بينكم كل مشغول بنفسه يقول حيدي حيادي حتى تحقق فيكم قول رسول الله ص { كيف بكم اذا تداعت عليكم الامم كتداعي الاكلة على قصعتها قالوا : او من قلة نحن يارسول الله قال لا انتم يومئذ كثير ولكن كثرة كغثاء السيل }..
فلا أمة اسلامية ولا أمة عربية، بل بلغ الانحدار الى القعر في الكيانات الوطنية في التمزق الطائفي والمذهبي والقومي، فبماذا يفخر دعاتها وهم يمزقون وحدتهم ويفرقون شملهم ويخربون اوطانهم، ويمعنون في افتعال الازمات الداخلية حتى السقوط. ومن المؤسف وهذا طبيعي حين تتحكم العصبيات والأهواء بالرجال وتغيب الحكمة وتضيع العقول.
يالِلرِجالِ أَما لِلَّهِ مُنتَصِفٌ
مِنَ الطُغاةِ أَما لِلدينِ منتقم
اضرب بطرفك حيث شئت من بلادنا ، فهل تبصر إلا شعوبا تكابد فقراً وفتنا وحروبا اهلية داخلية ، انشغالا عن عدوهم الذي يُمعن في توهين كراماتهم بقتل اطفالهم ونسائهم وتدمير بيوتهم وتجويعهم واحتلال المزيد من ارضهم، او غنياً بدل نعمة الله كفراً ، أو بخيلاً اتخذ البخل بحق الله وفراً ، أو متمرداً كأن بإذنه عن سمع المواعظ وقراً ؟
ولبنان يعكس صورة مصغرة عن هذا الواقع العربي والاسلامي المزري. فكل القوى الطائفية لا تفكر خارج دائرتها الطائفية، بل وتتآمر على القوى التي تخاصمها في السياسة، وبعضها يتمنى للعدو الانتصار على خصومها السياسيين من القوى المقاومة للعدو، ويعد انتصارها خسارة وهزيمة له.
وهذا للاسف معمم على الأغلب من بلداننا حيث تختفي مظاهر الوحدة الوطنية، وتبرز مظاهر الانقسامات الطائفية والمذهبية في اشد الاوقات حراجة وخطورة، امام ما يرتكبه العدو من فظاعات في حق بلداننا وشعوبنا، مما يعطيه الجرأة على ارتكاب المزيد ويبرر سلوكه امام العالم الذي يمثل عجزا عربيا واسلاميا وقوميا ووطنيا عن انتاج الحلول لمشاكلنا الداخلية، واقامة علاقاة طبيعية بين مكونات بلداننا، واستثمار التنوع الطائفي والمذهبي ايجابيا لمصالحنا الوطنية والقومية والإسلامية، فهل يستحيل على عقلائنا وحكامنا ان يجدوا السبيل لحل هذه الإشكالية؟.. وهل هي معضلة لا تقبل الحل في الوقت الذي نرى فيه شعوبا وأمما تتجه نحو تكتلات عالمية تحقق من خلالها مصالحها؟.. وهل الاستسلام للعدو اسهل علينا من الوصول الى قدر مشترك من التفاهم فيما بيننا يحفظ كرامتنا وشعوبنا ويمنع العدو من استباحتنا، ارضا وكرامة، ويتحكم في مصيرنا القومي والوطني والإسلامي؟..
من هنا نناشد حكامنا وصلحاءنا ان يبادروا الى التلاقي والعمل على حفظ الحد الادنى مما تبقى من كرامة امام الخطر الكبير القادم الذي يشكله العدو على الجميع وبلا استثناء. فمصلحة العدو هو ما يجري من تناحر طائفي ومذهبي واقتتال داخلي يعمم على كل اقطارنا.. سنؤكل ان لم نبادر في خطوات سريعة لرأب الصدع وايجاد الصيغة التي تحفظ وجودنا ومصالحنا كأمة وكدول واوطان.
وارى على الصعيد الوطني في التجربة اللبنانية واحتواء النزوح من البيئات اللبنانية المختلفة، وافشال ارادة العدو في سعيه لاستغلال التنوع الطائفي لتحقيق فتنة طائفية قياسا على موقف بعض القوى الداخلية، ان قياس موقف الشعب اللبناني على موقف بعض القوى السياسية قياس خاطيء، وان الشعب اللبناني لا يتماشى مع هذه السياسات، وهو متمسك بالوحدة الوطنية مع التمسك بالحفاظ على التنوع الذي يؤكد ان هذا التنوع ثروة يجب التمسك بها، وان المسيحي ضرورة إسلامية، وأن المسلم ضرورة مسيحية، وهما العمود الفقري لقيامة لبنان، وأن من دونهما لا بقاء له، وهو بهذه الثنائية الثقافية والدينية يجسدان فرادة لبنان ورسالته التي تزعج الكيان الاسرائيلي الغاصب، لأنها تفضح عنصريته وعدوانيته وبشاعته واجرامه، وبالتالي فضحه امام العالم واظهار ضعفه، وان بدا بما تزوده القوى الدولية به، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من اسلحة فتاكة لن تشكل الفيصل في حسم الصراع، كما لم تكن في يوم من الأيام. وما هذا الاجرام الذي تمارسه في غزة ولبنان، الا تعبيرا عن الاحساس بالرعب والخوف على المصير المحتوم، حيث لم تستطع هزيمة المقاومة رغم كل جرائم القتل والتدمير والفظائع الانسانية بحق الناس العزّل والابرياء، كما لم يستطع العدو ومن معه ومن خلفه رغم كل الدعاية الاعلامية ان يهزم جمهور المقاومة نفسيا رغم الألم الذي أصابه، او يحط من عزيمته او يجعله محبطا او متراجعا عن احتضانها، بل زادته شهادة الشهداء، وعلى رأسهم سماحة السيد الشهيد السيد حسن نصرالله واخوانه، والبطولة الاسطورية للمجاهدين على خط المواجهة مع العدو، قناعة بصدق هذه المقاومة واهميتها، رغم ما اصاب هذا الجمهور وما قدمه من اثمان باهظة، ولكنهم تعلموا من تجاربهم التاريخية والحروب مع هذا النوع من الاعداء الذي لا يعرف الانسانية ولا يلتزم بعهد ولا ميثاق، لهم من تاريخهم تجارب.. ففي أحد استشهد اسد الله واسد رسوله حمزة عم النبي وسبعون مقاتلا من المسلمين، ولم يؤد ذلك الى شعور المسلمين بالهزيمة،وقد عبّر عن ذلك رسول الله بالتدبير الذي قام به حين بلغه ان “أبا سفيان” يريد مهاجمة المدينة بعد ان ندم على عدم القضاء على المسلمين في أحد، فأمر النبي بالمسير اليه وملاقاته فقط ممن شارك في معركة أحد،من دون من لم يكن قد شارك فيها، وامر حتى الجرحى بالخروج لكي لا ينكفئوا ويشعروا بالهزيمة، وكانت النتيجة ان القى الله الرعب في قلبه ففر هاربا. وهكذا تحول الشعور من الهزيمة الى الانتصار.. نحن وان قتل فينا اسد الله واسد رسوله مع ثلة من الابطال، لكن شعور الجمهور كشعور المؤمنين بعد معركة احد والحرب سجال..
ان الحرب الاعلامية التي يسوق لها البعض وحالة التشفي التي يظهرها البعض الاخر، هي لإشعار جمهور المقاومة المتنوع مذهبيا وطائفيا بالاحباط ولتحقيق ماعجزت عنه آلة العدو العسكرية في الميدان، وفي الواقع انهم هم المحبطون، لانهم توقعوا ان تتفكك وتنتهي هذه المقاومة باسشهاد قيادتها، وهذا ما لم يحصل، وهي محاولات طالما خبرها هذا الجمهور وباءت بالفشل واجبرت العدو على وقف اطلاق النار، بعد ان قاتلته على خط النار الحدودي، وقد عبرت قيادته من الأساس ان ما تقوم به هو عملية مساندة لغزة، وليس دخولا في حرب، مع ان العدو توعد المقاومة بالاستئصال بعد الفراغ من غزة، وسبق له ان قام بمناورات كان يكررها في كل سنة استعدادا للانتقام من المقاومة، فهو في حرب معلنة مع المقاومة بشكل مستمر.
ايها الاخوة،
ان الغطرسة التي يمارسها الكيان الصهيوني في لبنان وغزة وسوريا واليمن ،تنذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأكملها.
ففي لبنان التزمت المقاومة باتفاق وقف اطلاق النار التزاما كاملا ،فيما يواصل العدو الاسرائيلي انتهاك الاراضي اللبنانية ويسجل خروقات كبيرة تجاوزت الخمسين،وكان آخرها التوغل في وادي الحجير التي عجز ان يصل اليها قبل الاتفاق.
ان هذه الخروقات تحمّل رعاة الاتفاق الدوليين ،خاصة الاميركيين والفرنسيين ،مسؤولية وقف هذه الانتهاكات فورا ،والعمل الجدي على تنفيذ هذا الاتفاق وتسهيل انتشار الجيش اللبناني على كامل الاراضي الجنوبية حتى الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة. كما تحمّل هذه الانتهاكات الحكومة اللبنانية مهمة بذل اقصى الجهود لدى المراجع الدولية ورفع الصوت عاليا من اجل الزام العدو بوقف الخروقات وتطبيق وقف النار.
وفي كل الاحوال ،فإن هذه الغطرسة الصهيونية ما كانت لتحصل قبل اتفاق وقف النار ،وهي بالتالي تمنح لبنان حق الدفاع عن الأرض، والمقاومة بشتى السبل من اجل حماية اهلنا في كل المناطق. لكننا على الرغم من ذلك نؤكد من جديد تمسكنا بمشروع الدولة القوية القادرة التي تحمي مواطنيها ،وهو ما شددنا ونشدد عليه حتى في ظل غياب الدولة،هذا الغياب الذي فرض علينا نهج المقاومة لتحرير الارض ،وكلفنا الكثير من الدماء والدمار والتخريب.
ايها الاخوة
ان ما تمر به المنطقة يشكل أعلى درجات الخطورة ،وينبئ بكوارث محدقة بالعالم العربي بأكمله،في ظل الفلتان العدواني الصهيوني من دون وازع او رادع ،خاصة الاحتلال الاسرائيلي الجديد لمناطق في جنوب سوريا وضرب مقدرات الجيش السوري ،واستمرار حرب الابادة في غزة، والعدوان المتكرر على اليمن ،كل ذلك يستدعي موقفا عربيا جامعا في مواجهة هذه الغطرسة ،وليس أقل من عقد قمة عربية طارئة تتخذ موقفا حاسما في مواجهة هذا الصلف المنقطع النظير، قبل ان تتمادى اسرائيل في غيها وتحقق حلمها التاريخي ومشروعها الرامي الى تحقيق ما يسمى “اسرائيل الكبرى” ،بحيث لا ينفع الندم ساعتئذ.