سياسةمحليات لبنانية

العلامة الخطيب في خطبة الجمعة يدعو لمراجعة المراحل الماضية من الأداء السياسي: فليمارس وزير الداخلية بطولاته على العدو وليس على القادمين من إيران

 

 الحوارنيوز – محليات

دعا نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الجميع إلى “مراجعة المراحل الماضية من ادائنا السياسي، للشروع ببناء الدولة القوية العادلة والمجتمع والعلاقات التي يجب ان نبنيها بين الشرائح الوطنية المختلفة وبين القوى السياسية، بحيث يطمئن الجميع الى غدهم ومستقبلهم، وبما يزيل الهواجس عبر الحوار والنقاش الموضوعي الكفيل بتحقيق هذه الأهداف، ولتكون الدولة هي المرجع والحامي والمحقق للمصالح الوطنية”.

وانتقد العلامة الخطيب في خطبة الجمعة تصرف السلطة الأمنية في مطار بيروت تجاه القادمين من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقال:على وزير الداخلية أن يبرهن عن بطولاته مع العدو وليس مع من قدّم التضحيات في سبيل الدفاع عن سيادة لبنان”.

 

 

وجاء في خطبة الجمعة من مقر المجلس في الحازمية:

ايها الاخوة

 لقد ودّعنا منذ ايام قليلة عاما ميلاديا مضى وانقضى من حياة كل فرد منا كمّاً . ونحن بهذا المعنى يكون كل منا قد خسر عاما وسنة من سني حياته.  كما انقضى عام من حياة مجتمعنا ومن حياة المجتمع الانساني والبشري. وهذه المناسبة تتصل بأهم امورنا، لانها تتعلق بحياتنا. فنحن حينما تنتهي سنة، تُنهي معها جزءا من هذه الحياة، وبهذا المعنى نخسر معها اهم ما أعطيناه ووهبناه، ما يعني ان اهم ما لدينا لم يكن من جهدنا ولا ثمرة من ثمار فعلنا، وانما عطية من عطايا الله تعالى، وجودا من جوده وكرما من كرمه يستدعي منا الشكر له، وهي امانة الله لدينا ونحنا حملناها  ولسنا نملك حرية التصرف بها، فهي ملك الله سبحانه وحده،ما يستدعي منا التصرف بأمانة.

ومن هنا وبهاتين الحقيقتين فإن الحياة هي هبة الله لنا وامانته لدينا، وأننا لا نملك حرية التصرف بها، وانما حملنا مسؤولية ان نتصرف بها تبعا لما أذن به صاحب الأمانة، ووفقا لاحكامه وأوامره  التي وضعت، مراعية لمصالحنا ولما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة، وان تكون هذه المراجعة في نهاية كل يوم فضلا عن كل سنة، تماما كما يفعل التاجر وكل صاحب عمل ليقيّم اداءه ويتجنب الاخطاء ويُحسِّن الاداء بما يتوافق مع الاهداف التي رسمها  والنتائج التي اراد تحقيقها.

  يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر.

والمراجعة امر عقلاني لتلافي الخسارة والحصول على الربح. فليس من عمل العقلاء ان   ينتهي الجهد بالخسارة، بل بالتعادل بين الخسارة والربح، وانما  ليكون محصله الربح الذي به يعد النجاح.

ويقول امير المؤمنين الإمام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) وهو يضع معادلة الربح والخسارة : “من اعتدل يوماه فهو مغبون.. ومن كان غده شر يوميه فمحروم، ومن لم يبال بما رزء من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى، ومن كان في نقص فالموت خير له”.

وهذه المعادلة شملت الحسابات الدنيوية والاخروية، ولكنها في النتيجة اعطت مقياسا للربح والخسارة الحقيقية تبعا للنتائج النهائية التي لا تنتهي عند حدود الدنيا، وانما بالحياة الاخرة بالمنظور الديني، وان حسابات الربح والخسارة في النهايات الحقيقية لدى المالك الحقيقي الذي يملك وحده حق المحاسبة بمقتضى عدالته التي قررها.  

( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).

 ولكنها في المبدأ جعلت المراجعة امرا لا بد منه. ومن هذا المبدأ، كان جديرا بنا بل من واجبنا ان نراعي هذه الاحكام والاوامر التي جعلها الله تعالى إطارا حدد لنا الحركة ضمنها، وان يكون تصرفنا محكوما بها، وان نقوم بالمراجعة والتقييم والمحاسبة لكل ما قدمناه في هذه السنة، مراجعة فردية، اذ كل فرد منا مسؤول عن نفسه، بمعنى انه يتحمل المسؤولية بغض النظر عن الآخرين، وان يكونوا قد أدوا مسؤولياتهم او قصروا فيها.

  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

بهذه العقلية وبهذه النفسية اذاً، يجب ان نودع عام ٢٠٢٤ بالمراجعة والمحاسبة. ويتأكد وجوب المراجعة لأن ما انقضى في الواقع وما حصل قد حصل، والذي انقضى هي الوقائع والاحداث، ولكن نتائجها ومترتباتها وتداعياتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في حياة الأمم، لا تنتهي بانتهاء احداثها، وانما مؤثراتها الايجابية اوالسلبية ستحفر عميقا في مستقبل الأيام، وقد تحدد مستقبل الافراد والأمم الى زمن طويل، واذا ما كانت سلبية ربما ان لم تُتدارك، ستكون اثارها كارثية ومدمرة.  

 بهذه الروحية نودع عاما ميلاديا  ونستقبل عاما ميلاديا جديدا، قُرِن بميلاد نبي من انبياء الله تعالى ورسول من رسله ومن اولي العزم، روح الله عيسى وكلمته التي القاها الى السيدة الطاهرة والعفيفة السيدة مريم (س)، لتبقى هذه القيم وهذه المدرسة الربانية الحاملة لها، والمعلم الذي كان اسما ينادى به عيسى المسيح، منارا للبشرية لتقتدي به في حياتها هذه المدرسة الالهية المستمرة ببعثة رسول الله محمد، كما كانت بابراهيم وموسى (ع) من قبل، ونبراسا لتقتدي به الامم في مواجهة الجهل والظلم والجهاد في سبيل نشر العلم والمعرفة الالهية والقيم المعنوية والوعي ومواجهة الطاغوت واليأس، واحياء الامل بالمستقبل الذي هو وعد الله للمؤمنين والمستضعفين بتححقيق العدل الالهي على يد السيد المسيح وحفيد رسول الله المهدي المنتظر (عج) للتخلص النهائي من رحلة الامتحان للامم في المواجهة مع الطاغوت، لتنتهي بالفتح المبين لقوى الحق يملأ الارض قسطا وعدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا، وفي هذه الرحلة رحلة الامتحان الذي يقف وراء الحكمة الالهية للخلق والايجاد والحياة، فتنجح تارة وتسقط أخرى، وقد اعد الله تعالى للمؤمنين الكثير من الوسائل التربوية والثقافية والروحية، الى جانب العقيدة التي تمكنه من تجاوز هذا الامتحان بنجاح وتمنعه من الوقوع في اليأس في هذا الطريق الطويل المليء بالكفاح والمعاناة والتضحيات والمطبات، التي توهن العزائم وتوقع في الإحباط، حيث يأتي شهر رجب كمناسبة لممارسة هذه الرياضة الروحية والنفسية اعدادا للمؤمن لهذه المهمة. ولهذا اعطي هذا الشهر من الاهتمام من رسول الله واهل بيته الكثير فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ألا إنّ رجب شهر الله الأصمّ وهو شهر عظيم. وإنّما سمي الأصم لأنه لا يقاربه شيءٌ من الشهور حرمة وفضلاً عند الله، وكان أهل الجاهلية يعظمونه في جاهليّتهم فلمّا جاء الإسلام لم يزدد إلا تعظيماً وفضلا”. 

وقد زاده فضلا وشرفا تضمينه مناسبات شريفة وعظيمة لا تسامى، تحظى باهتمام المؤمنين، منها ولادات بعض أئمة اهل البيت (ع)، وعلى رأسهم امير المؤمنين علي ابن ابي طالب في الحادي عشر منه، وبعض ولده كالامام محمد ابن علي الملقب بالباقر لغزارة علمه وعلو منزلته، الذي يصادف الاول من رجب ليكونوا القدوة للمؤمنين في التحلي بالمناقب والقيم الاخلاقية والربانية وفي الصبر على الشدائد والتحمل للمصائب مهما بلغت وعدم الانكفاء والتراجع. ومن الضروري للمؤمنين ان يحيوا هذه المناسبات لتعميق ارتباطهم بأئمتهم، ائمة العصمة والطهارة والقيم والاخلاق الحميدة والصبر على المصائب والشدائد، وليكونوا لهم زينا ودعاة بغير السنتهم، حتى يقول الناس رحم الله جعفرا، فقد ادب شيعته ادب اللسان وادب العلم والمعرفة والسلوك مع الناس والامانة والصدق، كما كانوا دائما كذلك فقد كانوا يعرفون بصدق اللسان وحفظ الامانة والوعي لمهمتهم ووظيفتهم وعدم الانخداع بالمقالات الباطلة والغوغاء من طلاب الدنيا، ممن باع دينه بدنيا غيره، واستبدل الثمين بالبخس  والأمانة بالخيانة من سقطة الناس من الدجالين والكذابين والمفترين.

وعود على بدء، فإننا وخصوصا في الشأن العام، مدعوون دولة وحكاما وطوائف للمراجعة وللنقد الذاتي.. لمراجعة المراحل الماضية من ادائنا السياسي للشروع ببناء الدولة القوية العادلة والمجتمع والعلاقات التي يجب ان نبنيها بين الشرائح الوطنية المختلفة وبين القوى السياسية، بحيث يطمئن الجميع الى غدهم ومستقبلهم، وبما يزيل الهواجس عبر الحوار والنقاش الموضوعي الكفيل بتحقيق هذه الأهداف، ولتكون الدولة هي المرجع والحامي والمحقق للمصالح الوطنية، وليخرج الجميع من الجدل العقيم والعبثي والمزايدات والاحلام الكاذبة وتسجيل النقاط  والتصورات الهمايونية التي تسقط الجميع ولا يربح فيها أحد، ولتوضع كل الامور على الطاولة، فليس من محرمات طالما الهدف هو الوصول الى تصورات مشتركة تحفظ وحدة  الشعب والدولة وتمنع العدو من ابتلاع لبنان وسقوطه فريسة لاطماعه.  

 وبالمناسبة فإن على السلطة الأمنية ان تكون امينة في التعاطي المسؤول مع المواطنين اللبنانيين، حيث يبلغنا التصرف على نحو غير مسؤول ومهين وغير المقبول الذي يدفع الأمور الى ما لا تحمد عقباه، وعلى وزير الداخلية أن يبرهن عن بطولاته مع العدو وليس مع من قدّم التضحيات في سبيل الدفاع عن سيادة لبنان، وليس مع اللبنانيين من ابناء الطائفة الشيعية  القادمين من الجمهورية الإسلامية. وقد سبق لنا ان نبهنا من عواقب هذه الازدواجية في التعاطي التي توحي بانها تتعاطى معها كطائفة مهزومة. فالطائفة لم تهزم ووقفت امام العدو في حرب غير مسبوقة وافشلت أهدافه. ولا نريد ان نتكلم بهذه اللغة ومن هو المهزوم، فيما الدولة التي وقعت الاتفاق برعاية أممية، وبالاخص فرنسية أمريكية، ما زالت عاجزة عن الزام هؤلاء الرعاة عن منع العدو من الخروقات وتطبيق الاتفاق، فلا يتعاملن احد معنا بهذا المنطق.

 

 لقد كنا وما زلنا نحلم وندعو الى قيام الدولة التي تحمي شرف لبنان وشرف اللبنانيين، ونحن متمسكون بها ولا نبغي عنها بديلا، ولا نريد العودة مجددا الى الكلام اكثر عمن هو المسؤول عن وصول الامور الى ما وصلت اليه.. نحن أولا نريد ان نأكل العنب. وثانيا ان الجمهورية الاسلامية سبق لها ان وقفت الى جانب لبنان في مواجهة العدوان الصهيوني، وابدت الاستعداد  لتقديم المساعدات عبرالدولة اللبنانية ومؤسساتها الرسمية لإعادة الإعمار والبناء. ولعلها الدولة الوحيدة حتى الان التي ابدت هذا الاستعداد، فهل التعاطي معها بهذه الطريقة يصب في مصلحة لبنان، ام هذا خضوع لمنطق العدو؟

هذا في الشأن اللبناني، واما في الشأن العربي والاسلامي فإن الدول الاسلامية مطالبة ايضا بهذه المراجعة لطبيعة العلاقات في ما بينها، اذ تحولت الى صراعات على النفوذ الذي اضر بمصلحة الجميع وبشعوبها ولم تربح قضاياها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وكان العدو الصهيوني والمشروع الغربي هو المستفيد الوحيد. فلا يجوز الاستمرار في هذه السياسات الخاسرة، وهم مطالبون بالتعاون بما يخدم مصالحهم الوطنية كما يخدم قضاياهم العربية والاسلامية ولا يضر بها.

وفي ما يخص الممارسات العدوانية الصهيونية على لبنان وشعبه وخرقه للاتفاق امام اعين اللجنة المسؤولة المؤلفة من الدول المتعهدة بتنفيذ الاتفاق، فإننا نضع الحكومة اللبنانية امام مسؤولياتها، والضغط من اجل تحرير الارض التي احتلها العدو ووسع من رقعتها بعد الاتفاق، ولا يمكن ان نستكين الا بإخراج العدو منها وعودتها كاملة الى السيادة اللبنانية وعودة اهلها اليها واعادة اعمارها.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى