العلامة الخطيب في خطبة الجمعة: معركة تحرير فلسطين هي معركة تحرير الأمة ..وغزة هي الامتحان
الحوار نيوز – خاص
رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب ان معركة تحرير فلسطين هي معركة تحرير الأمة وأن غزة هي الامتحان ،داعيا العالم الاسلامي الى نصرتها.
ادى العلامة الخطيب الصلاة في مقر المجلس بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها:
في حمأة الصراع الدموي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني اليوم مع الغرب وتُمثّل فيه غزة اليوم عنواناً لصراع الامة الوجودي معه يقدم علينا مباركاً شهر رمضان شهر العبادة شهر التأكيد على القيم الاخلاقية والانسانية وشهر البذل والعطاء والايثار ليفضي على هذا الصراع الدافع لدى شعوبنا المؤمنة بمعناه الحضاري والإنساني والاخلاقي ويفرز الصراع بين جبهتين، بين جبهة الالتزام بالقيم والاخلاق المتمثّلة بالمقاومة التي تُمثّل ضمير الأمة وإرادتها وصدقها في التزامها بالقيم والأخلاق، وبين جبهة عدوها المُتمثّل بالغرب الذي تُعبّر عنه الصهيونية في ممارساتها كاشفةً حقيقة ادعاءاته ونفاقه وخُبثِه وهمجيته وإرهابه ولا اخلاقيته وزيف ادعاءاته الكاذبة بالديمقراطية وحرية الشعوب وحقوق الانسان، فيما هي تمارس القتل والذبح والتهجير والتجويع والحصار على الشعب الفلسطيني الأعزل، فيما هي حرب على القيم الانسانية وعلى الانسان والحياة كما يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ).
لقد إنتهج الغرب بفلسفته في السيطرة والتغلب وهو يُضمر الشرّ للعالم والانسانية بما فيها شعوبه نهج الشيطان في التزييف والاحتيال والخداع مع آدم وحواء حين أظهر لهما وهو يمارس معهما الخداع والمكر بالقسم أنه لهما لمن الناصحين حين زيّن لهما ان الله لم يمنعهما من أن يأكلا من الشجرة الا أن يكونا من الخالدين فأخرجهما من الجنة وكان هذا مثلا ًضربه الله للناس حتى يتعّرفوا على عدوهم كما قال تعالى لآدم وحوا.
سورة الأعراف – سورة 7 – عدد آياتها 206
بسم الله الرحمن الرحيم:
- المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ
- اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
- وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ
- فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
- فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
- فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ
- وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
- وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ
- وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
- وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ
- قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
- قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ
- قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
- قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ
- قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ
- ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
- قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ
- وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
- فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ
- وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ
- فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ
- قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
- قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
هكذا مارس صُنّاع النظام الغربي مَكِيْدَتهم على شعوب العالم بإخراجهم من إنسانيتهم وارتباطهم بالقيم المعنوية الفطرية للسيطرة على ثرواتهم وقرارهم بحجة تحريرهم وإخراجهم من عبوديتهم ليدخلوهم تحت عبودية من شكل آخر وهي سطوة رأس المال وعبودية أصحاب الشركات الكبرى، فكانوا طعاماً للصراعات والحروب الكبرى التي أشعلوها في التنافس بينهم على الاستحواذ والنفوذ والسيطرة وتنتهي الى تقاسمها بين المنتصرين وضحاياها الشعوب المغلوب على أمرها ومن بينها العالم الإسلامي والعربي بسبب سوء أنظمتهم وسياساتهم الظالمة مع شعوبهم التي خضعت للمنتصر وأُجْبِرت على الانقياد لسياسة التبعية التي رسمها لها المستعمر في الفكر والثقافة والاقتصاد، فأحكم قيادها وأفقدها شخصيتها رغم المقاومة التي أبدتها نخبتها الفكرية والثقافية وما اكتنزته من مخزونٍ فكري وثقافي وتاريخي الذي صَعَّبَ عليها القبول بالواقع المفروض وجعلها عصية على التطويع، لكن المعركة لم تكن سهلة فرغم اندفاعها في المقاومة وتقديمها التضحيات الكبرى وتَمَكُّنها من طرد الاستعمار المباشر لكن النظام الدولي الذي بُنِيَ بعد الحرب العالمية وتقاسمه النفوذ وتعارض مصالح الحاكمين فيها وارتباطهم الخفيّ بالدول التي ظنَّت أنها تخلصت من سيطرتها منعها من أن تتمكَّن من بناء ذاتها، وكانت احدى كوارثها الكبرى زرع النظام العالمي الذي تأسّس بعد الحرب العالمية الجرثومة السرطانية الكيان الاسرائيلي في قلب العالم العربي والإسلامي قاعدةً له لضرب أيّ محاولة جدّية من قواها الحيّة لتوحيد الجهود لاستئصال هذه الجرثومة الخبيثة وإعادة امتلاك القوة لما تُشكّله من خطورة على مصالح الغرب.
فالزمن الذي كان المسلمون يتحكّمون فيه على أهم الممرات البحرية التجارية الدولية ويطرقون فيه أبواب أوروبا ليس بعيداً ولم يأتِ عليه النسيان، أضف اليه ما اكتُشِفَ من ثروات نفطية وغازية سينتهي مع استعادة العالم العربي لوعيه ومكامن قوته سينتهي معه ما يتميّز به الغرب والذي يُمثّل قوته الوحيدة وهي مصادره التي تحتاج للمواد الأولية والنفط والغاز وهو ما يفتقر إليها.
لكل ذلك أيها الأخوة، فإن معركة تحرير فلسطين هي معركة تحرير الأمة وهي معركة مع الغرب والنظام العالمي ومعركة تهديم هذا النظام الموجود الذي صحيح أنه يلفظ أنفاسه ويمكن أن يكون العالم العربي والإسلامي أحد اسباب تغييره لكن أن يكون أحد أطراف صانعي البديل فكل القوى الكبرى والمستجدة لن تعطيه هذا المجال ما لم يثبت نفسه وجدارته، وهو ما لا يبدو ظاهراً حتى الآن لما يُبديه من ضعف ووهن في المعركة التي يخوضها أبطال الشعب الفلسطيني في غزة.
فغزة أيّها الأخوة هي أحد أوجه الامتحان، والثاني الخروج من مصالح الانظمة الضيّقة وعقلية الوقوف عند شعار بلدي أولاً إلى الجمع بينه وبين مصلحة الأمة ففي مصلحة الأمة مصلحة الجميع، وأما تقديم المصالح الوطنية وضرب مصلحة الأمة عرض الحائط فيحمل في طياته شعار “فَرّق تَسُد”، وللأسف فإنّ هذه السياسة ما زالت تحكم سياسات دولنا وأنظمتنا في التعاطي مع القضية الفلسطينية التي بدا واضحاً أن هذه السياسة جعلت الأمة في موقف الضعف المخزي أمام ما يجري على الشعب الفلسطيني، وكيف لنا ونحن في هذا الواقع أن يُحسب لنا حساب أو نطمع أن يكون لنا دور في رسم السياسة الدولية ونحفظ فيها مصالحنا الوطنية أو القومية أو الإسلامية.
نعم نحن على ثقة بأن المعركة التي تخوضها المقاومة بدراية وحكمة وشجاعة في الوقت الذي تخوض معركتها مع العدو تُراعي أيضاً أوضاع بلدانها الداخلية ودون توتير العلاقات مع الدول والأنظمة العربية والاسلامية ومراعاة المصلحة في ذلك، فالمقاومة ليست بحاجة إلى المزيد من الأعداء كما أن موقف الدول العربية والاسلامية وشعوبها وإن كان دون الحدّ المطلوب وكان المتوقع منه أكبر وخصوصاً الشعوب وأن يكون على الاقل مساوٍ لموقف الشعوب الاجنبية إلا انتصار المقاومة بإذن الله في هذه المعركة سيُعزّز هذا الموقف ويجعله أكثر فاعلية إن شاء الله.
هذه المقاومة التي تُمثّل مستقبل الأمة وكرامتها تستحق الدعم والإكبار، وليس الوقت للمزايدة الداخلية من بعض القوى السياسية والوطنية والسيادة ليست بإطلاق النار عليها لإخفاء الاخفاق من بعض القوى في صنع أيّ إنجاز وبدلاً من الاكتفاء بتوجيه الاتهامات فلتجلسوا على طاولة الحوار الذي أصبح ذكره للأسف مَسَبّة على لسان البعض فليكن القرار جريئاً لحساب الوطن والناس فقط.
وأولاً وأخيراً تحية للأمهات المقاوِمَة والمُضحّية، لأمهات الشهداء والمرأة الشهيدة في لبنان وفلسطين واليمن وسوريا التي تُمثّل بجهادها وتضحياتها واستشهادها كرامة المرأة في يوم المرأة العالمي.
كما نُوجّه التحية لشهداء الإعلام المقاوم والاعلام المقاوم ولدوره الفاعل في كشف الجرائم التي ترتكبها العصابات الصهيونية وتزييف الفبركات والاكاذيب التي يجهد الاعلام المعادي في ترويجها لتأليب الرأي العام اللبناني والعربي والعالمي على المقاومة وخلق بيئة لبنانية وعربية معادية للمقاومة وبهدف إضعاف المعنويات لدى اللبنانيين لصالح العدوان الهمجي البربري، اللبنانيين الذين أبدوا بأكثريتهم تأييدهم للمقاومة رغم الجهد المكثّف لبعض الإعلام الداخلي والعربي المموّل والمسيّس والموجه الذي يتماهى مع العدوان وما يمارسه من قتل وسفك لدماء الشعبين اللبناني والفلسطيني.
مع عتبنا على بعض الاعلام المكتوب الذي أرجو ألا يكون مقصوداً منه تصوير بيان المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى في جلسته الأخيرة على أنه صراع طائفي فنحن ليس معهوداً منا الا المواقف الوطنية بلسان عربي فصيح.
على أمل أن يكون شهر رمضان المبارك مناسبةً لنهوض الامة من كبوتها وشهر انتصارها بمقاومتها الشريفة كما كان دائماً.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [ الحشر: 18].
﴿هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾.