سياسةمحليات لبنانية

العلامة الخطيب في خطبة الجمعة: لبنان لم يُهزم لكي تُفرض علينا شروط الإستسلام والحصار المالي والتعامل مع أهلنا بشكل استثنائي في موضوع الترميم وإعادة البناء

 

الحوارنيوز – محليات

رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب “ان المطلوب اليوم الخروج من الحسابات الطائفية الضيقة، ونبدأ عملية الاصلاح الحقيقي القائمة على الكفاءة والمحاسبة والاصلاح السياسي، باستكمال تطبيق إتفاق الطائف لبناء دولة المواطنة القوية العادلة”.  

 وقال في خطبة الجمعة إن “اولى خطوات بناء القوة، هي بناء الدولة على اسس متينة على اساس المواطنة والكفاءة والمساوات بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وألا يبني العهد قرارتِه على أساس الشعور بالضعف والوهن. فلبنان لم يُهزم والعدو لم ينتصر حتى يفرض علينا شروط الهزيمة والاستسلام  والحصار المالي، ولسنا ضد مراعاة الظروف الدقيقة التي يمر بها البلد والمنطقة، ولكن لا يجوز البناء على تصورات خاطئة فنستسلم لارادة العدو وشروطه”.

خطبة الجمعة

 وكان العلامة الخطيب أمّ المصلين اليوم في مقر المجلس على طريق المطار،وألقى خطبة الجمعة مركزا فيها على معاني الصوم ،وجاء فيها:

  

قال الإمام علي (عليه السلام): فرض الله… الصيام ابتلاء لإخلاص الخلق.

– وعنه (عليه السلام): وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات،  ومجاهدة الصيام  في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً (تخضيعاً) لقلوبهم.

في كلامه صلوات الله على نبينا وآله وعليه، بيان لفلسفة الصوم في الإسلام، وذكر للغاية من تشريعه فرضاً في شهر رمضان المبارك، أو سنّة في غيره على المؤمنين أعزّهم الله تعالى، وإن كان التشريع وحده يكفي للمبادرة الى الإمتثال تسليماً لأمر الله تعالى وعبودية له وتقرّباً منه، بعد الايمان والاقرار بالأصول، وانه لا يأمر عبثاً أو لهواً، ولأنه حكيم وغني عن عبادة عباده، وإنّما مصلحة لهم فيما يشرّعه من أحكام، ومع ذلك كله ولأنّ العبد إذا عرف بعض أسرار الأحكام، فذلك يُحقّق له ما يرضي نفسه ويكون دافعاً أقوى في الاندفاع نحو الامتثال أكثر مما لو كان جاهلاً لها.

وهذا البيان لخلفيات وأسرار التشريع، وإن كان غائباً في آيات التشريع لأحكام الدين حينا إلا بنحو الاشارة أو الإجمال، فقد تكفّل النبي (ص) وأهل بيته موضع علمه ببيان هذا الجانب وتفصيله للمؤمنين.

ونحن اخترنا هنا بلسان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب باب مدينة العلم الذي حصر النبي (ص) اخذ العلم عنه، ومن أراد المدينة فليدخلها من بابها”، كما قال رسول الله (ص): (أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب)، ليجلو لنا ويضيء الخلفية التشريعية  للصوم بشكل عام، فريضة أو سنّة، واجباً او مستحباً، والذي يظهر لنا بجلاء انها واحدة في كليهما، وإن كان (ع) تعرض للفريضة منها في الحديث الذي افتتحنا به حديثنا ونعيده هنا (فرض الله… الصيام ابتلاء لإخلاص الخلق).

– وعنه (عليه السلام): وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً (تخضيعا) لقلوبهم.

فقد حصر (ص) خلفيات تشريع الصوم في أمور عدة:

الاول : الابتلاء لإخلاص الخلق، اي امتحان إيمانهم، ومدى صدق هذا الايمان.. فمن صدق إيمانه استجاب لله تعالى وامتثل، فهو إذاً وسيلة للتمييز بين من صدق إيمانه وبين غيره ممن يدّعيه، فلا يكتفى بالإيمان بمجرد الادّعاء، وإلا فلا يصلح أن يكون اداة اختبار وتمييز، وهو حاجة اولاً: لمعرفة المؤمن وتمييزه عن المدّعي له لحاجة المجتمع المؤمن والفرد المؤمن، وليتميز صف المؤمنين عن المنافقين، لكي لا يسهل الإختراق لصفوفهم. فهي حاجة موضوعية دنيوية وأن الإدعاء بمجرده سهل المؤونة.  

الثاني: قوله (ع): (وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم).

اي ان الصوم المُعبِّر عن الاخلاص لله تعالى، هو سبب من أسباب الشعور بالسكينة والأمان، فإنما يؤتى المؤمنون من اطرافهم، والصوم وسيلة من وسائل الشعور بالسكينة والاطمئنان. فهو حراسة لهم  كما الصلوات والزكاة ،فهي تعبير عن اللجوء اليه، ولن يخذل الله من التجأ اليه، وهي تجعله اكثر تنبها لحيل الأعداء وغدرهم.  

الأمر الثالث: قوله (ع): “وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً (تخضيعاً) لقلوبهم”.

وهو الخلفية الثالثة لتشريع فريضة الصوم، وهي الخشوع والضراعة لله سبحانه وتذليل النفس وتخفيضها او تخضيعها للقلوب، اي معرفة مقدار نفسه، فتخشع لعظمة الله سبحانه وتعالى وتربيتها ومنعها من التكبر وكسر عنفوانها. فهي كالفرس الجموح تحتاج الى الترويض الذي يتحقق بالصيام.

والذي يُفهم من الاكتفاء بالصوم فريضة لمرة واحدة في العام، انه يكفي ليؤدي هذه الاغراض إن أُتيَ به على وجهه، وإلا فهو مستحب ان يؤتى به دائماً.

 فالقساوة والوقاحة والتكبر أمراض نفسية وأخلاقية يُبتلى بها البشر، ولها عواقب اجتماعية خطيرة تقف خلف الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية التي يفقد معها المجتمع البشري الأمان والاستقرار.  

إنّ الاسلام والدين بشكل عام يرى أن الاسباب الحقيقية التي تقف خلف الفساد الذي تبتلى به المجتمعات والظواهرالاجتماعية  السلبية، ان منشأها اخلاقي ومعنوي، ويرى ان المعالجة يجب ان تكون من نفس السنخ، اي معنوية نفسية واخلاقية تربوية ايمانية، وجعل من المعرفة بالله تعالى  قاعدة يُبنى عليها التوجيه التربوي والنفسي لتبقى سالكة طريق الفطرة التي فطر الناس عليها وتتجنب الانحراف والضلال.

من هنا تكتسب العبادات، ومنها عبادة الصوم، هذه الاهمية في الاديان كلها، وهي من التشريعات الثابتة والمشتركة بالعنوان، وإن اختلفت في التفاصيل. فهي اهم وسائل تزكية النفس التي تنمي فيها عناصر الخير وتبعدها عن الوقوع في حبائل الشيطان عدو الله والانسان، ولهذا ورد في خطبة الرسول (ص)، قولُه: “أيها الناس.. انه قد اتى إليكم شهر رمضان بالرحمة والخير والبركة، شهر قد دعيتم فيه الى ضيافة الله. هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوعَ يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغُضّوا عما لا يحلّ النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم، وتحنّنوا على أيتام الناس يُتحنّن على أيتامكم”. 

لقد جعل الله تعالى هذا الشهر ساحة للتباري بين المؤمنين على فعل الخيرات، والاهتمام بالايتام والمساكين، وما أكثرهم في هذه الايام وفي ظل العدوان الفاشي والحصار الفاجر الذي يستهدف بلدنا واهلنا، ونحتاج فيه الى التضامن الوطني لكي نفشل هذا العدوان الظالم ونرفع الضيم عن مجتمعنا واهلنا وبلادنا، ولكي لا يشعر اهلنا بأنهم متروكون لسبيلهم كي نجتاز بهذه الوحدة وهذا الإيمان  وبحسن التدبيرهذا الامتحان بصبر وتوكل على الله،  فقد وعد الله الصابرين بالنصر وإفشال مخططات الأعداء مهما بلغ مكرهم وكيدهم الذي يستدعي التعامل مع أهلنا في القرى التي هُدّمت، بشكل استثنائي في موضوع الترميم وإعادة البناء.

إنّ المطلوب اليوم، ونحن نمر بمرحلة دقيقة ومفصلية مرحلة بناء الدولة على أسس جديدة قائمة على حسن النوايا بأن نخرج من الحسابات الطائفية الضيقة، ونبدأ عملية الاصلاح الحقيقي القائمة على الكفاءة والمحاسبة والاصلاح السياسي، باستكمال تطبيق إتفاق الطائف  لبناء دولة المواطنة القوية العادلة، التي بها فقط نستطيع مواجهة التحديات، وعلى رأسها التحدي الوجودي الذي يمثله الكيان الصهيوني العدواني المتفلت من اي قيود اخلاقية او قانونية، والتي تجعل الاكتفاء بالرجوع الى المؤسسات الدولية القانونية والقضائية مجرد أوهام لا تردع عدوا كالعدو الصهيوني ولا تحقق عدالة لشعوبنا.

ولا ينفع مع هكذا نظام دولي سوى ما قاله الشاعر:

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يُهدم..

لأن القاعدة لدى الشاعر هي “أن من لا يَظلم الناس يُظلم”..

لهذا فإن اولى خطوات بناء القوة هي بناء الدولة على أسُس متينة على اساس المواطنة والكفاءة والمساوات بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وألا يبني العهد قرارتِه على أساس الشعور بالضعف والوهن. فلبنان لم يُهزم والعدو لم ينتصر حتى يفرض علينا شروط الهزيمة والاستسلام، والحصار المالي من كل الجهات.  ولسنا ضد مراعاة الظروف الدقيقة التي يمر بها البلد والمنطقة، ولكن لا يجوز البناء على تصورات خاطئة فنستسلم لارادة العدو وشروطه.

من هنا فإن أول شروط تحقيق السيادة، هي تحرير الارض واعادة الاعمار والبناء. ولذلك فإن الدعوة الى طاولة الحوار بين اللبنانيين والخروج باستراتيجية دفاعية، يجب ألا تتأخر، ويجب أن تتم بأسرع وقت ممكن.  

(فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ * فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُ ۖ* فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ).

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى