العلامة الخطيب في خطبة الجمعة: المقاومة خيار الأمة..ولا يجوز تحميلها مسؤولية ما يجري في الجنوب
الحوار نيوز
أخذ نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب على الذين يحملون المقاومة مسؤولية ما يجري في الجنوب ،ويطالبون بعدم دفع التعويضات للمتضررين،وقال إن المقاومة لعدو لبنان واللبنانيين جميعاً، وهو العدو الصهيوني، مستمرة، وهي خيار أمة ولا تُعبّر فقط عن خيار فصيل منها تثبت اليوم وكل يوم عجزه وفشله وقدرتها وانجازاتها.
أدى العلامة الخطيب الصلاة اليوم في مقر المجلس، بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي تناول فيها دور المذاهب في حياة الأمة،مستهلا بذكرى شهادة الامام محمد بن علي الجواد (ع) سنة ٢٢٠ ه على يد المعتصم العباسي.
وقال:اننا نعتقد أن أئمة أهل البيت (ع) لم يدخلوا على الإطلاق في صراع على السلطة مطلقاً حتى مع بني أمية على خلفية النص، وإنما على خلفية تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الامة ومواجهة الظلم والفساد والانحراف باسم الدين واستخدامه كغطاء لتبرير تصرفاتهم التي تناقض أحكامه وأهدافه.
هذا هو خط أهل البيت (ع) الذي لا يتعدى هذه الأهداف وليس من شأن مذهب من المذاهب الاسلامية أياً يكن أن يتعدى وحدة الامة الذي هو السقف بقرار قرآني الهي (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الذي لا يجوز لأي كان تجاوزه بالخلط بين المذهب والدين، فالمذهب اجتهاد بشري لشروط الايمان والاسلام هو الذي يحكم العلاقة بين المسلمين كما في كلام رسول الله (ص): (المسلم أخ المسلم أحب أم كره)
واختلاف المذاهب في شروط الايمان لا يخرج أياً منهم من الدين ومن حكم الإسلام، فأموال بعضهم على بعض وأعراض بعضهم على بعض ودماء بعضهم على بعض حرام حكماً قطعياً لا شك فيه ولا شبهة تعتريه بقول رسول الله (ص) المعترف به لدى المسلمين جميعاً، فقد قال رسُول اللَّه ﷺ في خُطْبتِهِ يوْم النَّحر بِمنىً في حجَّةِ الودَاعِ: “إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت”.
وكما أن الاختلاف في شروط الايمان لا يجيز تكفير أحد من المسلمين فهو لا يجيز لأحد أن يُثير الفتنة بينهم أيضاً بتناول من يعتبره أحدهم مقدساً لديه بالسب أو الشتم وبإثارة النعرات المذهبية مثلما يحصل على وسائل التواصل الاجتماعي من المجادلات المذهبية التي يقف وراء بعضها حتماً أجهزة استخبارات معادية لإشغال المسلمين عما يحاك لهم لخدمة أهدافهم الخبيثة حيث اجتمعوا على باطلهم وتفرقنا عن حقنا مما يذكرنا بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لأهل الكوفة: “فيا عجباً والله يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم! فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى، يُغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تغزون، ويُعصى الله وترضون”.
إنّ المذاهب أمر واقع شغلها في البحث عن شروط الايمان وليس الإسلام، فلا تجعلوها طريقاً للتكفير والتفرقة وإثارة الفتنة بين أبناء الأمة حتى أصبحت أيادي سبأ يُغار علينا ونُغزى دون أن يبدو منا ردة فعل للثأر لكرامتنا وديننا، أليس ما يحصل اليوم للشعب الفلسطيني جدير أن يبعث التفكير فينا للاعتبار وإعادة النظر في الأخطاء التي ارتكبناها في حق أنفسنا؟؟ وإن ما اقترفه بعضنا في حق البعض الآخر لم يكن ليصدق عليه إلا قول السيدة زينب (ع) ليزيد: “والله ما فريت إلا جلدك، ولا حززت الا لحمك”.
نرجو أن يكون الحاصل في معركة طوفان الاقصى من التعاون بين قوى المقاومة التي استطاعت ان تهزم إرادة العدو وتفشل أهدافه درسا للمسلمين للتوحد والتمسك بقول الله تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) بترك العصبيات المذهبية والوقوف صفاً واحداً في مواجهة قوى الكفر العالمي التي اجتمعت على باطلها لكسر إرادتنا واغتصاب حقوقنا وانتهاك كرامتنا متجاوزة كل الشرائع والمواثيق الدولية والانسانية التي ما اتخذتها الا شعارا خادعاً لنا حتى إذا أردنا الدفاع عن حقوقنا اتهمتنا بالإرهاب وجيّشت كل جيوشها الإعلامية والعسكرية للدفاع عن العدو الاسرائيلي الصهيوني القاتل والمتوحش.
لقد كشف طوفان الاقصى وقوى المقاومة القناع الخادع عما سُمّيَ بالحضارة الغربية، فلنعد لمعالجة الأسباب الحقيقية لتخلفنا بدل معالجته بداء آخر زادنا تخُلّفاً، لقد رأى البعض على طريقة الشاعر: “وداوني بالتي كانت هي الداء”، بالتخلي عن الكنز الذي بين أيدينا والوقوع في الفخ الذي نصبه لنا الغرب، فتخلينا عن قيمنا وأصبحنا أدوات للغرب وأصبحنا كالغراب الذي حاول أن يُقلّد في المشي غيره فنسي مشيته ولم يتعلم الأخرى، فاستسهلنا التقليد تكاسلاً عن الاجتهاد في التفتيش عن الحل الحقيقي وهو الفصل بين المذهبية والإسلام، وأنا أُناشد كل المخلصين والمؤثرين في الرأي العام الاسلامي أن نجتمع على كلمة سواء في البحث عن هذا الطريق، أن نفكر سوياً في إنتاج الرؤى والحلول التي تخرج مجتمعنا العربي والاسلامي من هذا التشظي المميت الم يقل الله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا).
اذاً، الحل موجود فيما جاء به الوحي ونحتاج الى القليل من بذل الجهد لاستخراجه وهو ما نقدر عليه فالله كان بنا رحيماً، وعلينا ونحن اليوم في السادس من شهر حزيران أن نتذكّر الاجتياح الاسرائيلي المشؤوم للبنان واحتلال عاصمته بيروت حين كان ساسة لبنان يرفعون شعار قوة لبنان في ضعفه، فتهيأت للعدو الفرصة اللازمة لاستضعافه، وبالتالي احتلاله بتواطئ من قوى داخلية كانت تتحجج بالمقاومة الفلسطينية، وللأسف انه بعد كل الذي قام به العدو ما زال يُحمّل الآخرين المسؤولية فالمقاومة هي دائما المسؤولة مبرراً للعدو عدوانه، كانت هذه مواقفه سابقاً حين كانت المقاومة فلسطينية وهي اليوم كذلك على الرغم من انها لبنانية فيتهمها بأنها احتلال إيراني وهو يبدي عداءه لها، بل واستعداد لما يُسمّيه تحرير لبنان منها بينما يطالب بما يسميه السلام مع المحتل والمعتدي الاسرائيلي ويسمي الشهداء اللبنانيين في مواجهته بالقتلى ويطالب الحكومة بعدم دفع التعويضات للنازحين اللبنانيين الذين هدم من يطالب بالسلام معهم منازلهم وقتل ابناءهم ودمّر أسباب عيشهم وسلب أمنهم ويرفض الحوار مع اخصامه من ابناء بلده من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، بالله عليكم اي وطنية هذه التي يدعيها ومن يشاركه هذا الرأي ؟ ثم يطالب بالفيدرالية او التقسيم والانفصال لأنهم لا يشبهونه ولا يستطيع العيش معهم وربما يطالب غدا بالوحدة مع المحتل، ربما لأنه يشبههم ويشبهونه.
اقول من باب النصحية والمصلحة أن عليه ان يعاود التفكير فيما يذهب إليه لأن البلد لا يتحمل مغامرات ولا استعادة تجارب اول من كان ضحيتها من يدعي تمثيلهم ويتحدث باسمهم، وأن مصلحة جميع اللبنانيين وهو منهم العودة إلى المنطق واستخلاص العبر من التجارب الماضية، لأن من تستعديهم من أبناء وطنك هم أحرص عليك ممن تتوسّل سلامهم ومتمسكون بمواطنيهم المسيحيين كأنفسهم بل هم أنفسهم، أما العدو فلستم عنده بأفضل ممن كانوا عندهم من المسيحيين الذين لم يتبق منهم في فلسطين الإ النزر القليل، لذلك فليس من طريق لاسترجاع الوطن سوى طريق واحد وهو طريق التفاهم والحوار ولتطرح بعد انتخاب رئيس للجمهورية كل الهواجس على طاولة الحوار برئاسته، أما اليوم فليس من سبيل سوى طاولة الحوار برئاسة دولة رئيس مجلس النواب المؤسسة الدستورية الوحيدة المتبقية، وليس هناك من حل آخر طالَ الزمن أو قَصُر، وليتحمّل المعطّلون الحقيقيون وهم الرافضون للحوار المسؤولية لخياراتهم الخاطئة أمام من يغامرون بهم وبالوطن.
وليعلموا أن المقاومة لعدو لبنان واللبنانيين جميعاً، وهو العدو الصهيوني مستمرة وهي اليوم وكل يوم تثبت عجزه وفشله بفعل قدرتها وانجازاتها بما توقعه به من خسائر وهزائم مادية ونفسية واقتصادية وتوسعة في الحزام الامني الذي احدثه في داخل المناطق التي يحتلها بعد أن كان داخل ارضنا، وأن تهديداته التي يطلقه بتصريحات لقيادات العدو بالمباشر او عبر داعميه لتخويف اللبنانيين للضغط على المقاومة تكتيك فاشل وسيجبر على الالتزام بشروطها شاء أم أبى.
ونوجّه التحية إلى روح القائد التاريخي الكبير والمرجع الإسلامي الاستثنائي مؤسّس الجمهورية الاسلامية الايرانية الإمام روح الله الموسوي الخميني باعث النهضة الاسلامية الحديثة، والذي أسّس لمرحلة جديدة قلبت الموازيين الدولية من خلال بعثه روح التحدي والمقاومة للهيمنة الغربية على العالم وبالأخصّ العالم الإسلامي وربيبة الصهيونية العالمية اسرائيل التي باتت اليوم تحاصرها المقاومة من الخارج وتمزّقها الخلافات والانقسامات على قضايا استراتيجية خطيرة تهدد وجودها أسّست لها المقاومة وتحققها الآن المقاومة للشعب الفلسطيني العزيز ووقوى المقاومة في المنطقة وبالأخص على جبهة لبنان وتمعن إذلالاً له.
نحيي هذا القائد التاريخي ونسأل الله تعالى أن يمنّ على الشعب الايراني العزيز والجمهورية الاسلامية وقيادتها الرشيدة المتمثلة بالامام القائد السيد آية الله السيد الخامنئي بمزيد من القوة والاقتدار الذي يقود اليوم هذه المسيرة ويُحقّق على يديه وبالتعاون مع كل المخلصين آمال الامة في الوحدة والخلاص والانتصار على اعدائها وربيبتهم الكيان المؤقت إن شاء الله تعالى.
وليعلموا أن المقاومة لعدو لبنان واللبنانيين جميعاً وهو العدو الصهيوني مستمرة، وهي خيار أمة ولا تُعبّر فقط عن خيار فصيل منها تثبت اليوم وكل يوم عجزه وفشله وقدرتها وانجازاتها.