العلامة الخطيب في خطبة الجمعة : السبب الحقيقي لما تعانيه الامة انها تحولت في خدمة السلطة بدل ان تكون السلطة في خدمة الأمة
الحوار نيوز – محليات
رأى نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب “ان السبب الحقيقي في كل ما تعانيه هذه الامة، حين تحوَّلت الأمة لتكون في خدمة السلطة وتحوّل بناء السلطة هدفاً مركزياً بدل أن تكون السلطة احدى الأدوات لتحقيق أهداف الأمة وفي خدمتها ،وهو ما يُفسّر اليوم الموقف من القضية الفلسطينية ويتمها حيث يقف الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهة العدو إلا من قلة في العالم العربي والاسلامي لم تستسلم لهذا الواقع ولم تقع ضحية التضليل المذهبي”.
أدى العلامة الخطيب الصلاة في مقر المجلس بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ونشهد ألا آله إلا هو إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين، والسلام عليكم ايها الاخوة والاخوات المؤمنون والمؤمنات ورحمة الله وبركاته.
واِجْعَلْ اللهم شَرائِفَ صَلَواتِكَ ونَوامِيَ بَرَكاتِكَ، ورَأْفَةَ تَحِيَّاتِكَ، عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ، وصلّ اللهم على آله الأطهار الاخيار صلاة لا ينتهي مددها ولا ينقطع عددها، كأتم ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك، إنك المنان الحميد، المبدئ المعيد، الفعال لما تريد.
اللهم واجعلنا من أشياعهم واتباعهم ومحبيهم فإنهم أئمة الهدى والعروة الوثقى وسكينة النجاة من تمسك بهم نجى ومن تخلّف عنهم غرق وهوى، المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق والملازم لهم لاحق.
اللهم علّمنا من علمهم واجعلنا من العاملين بسنتهم الموالين لأوليائهم المعادين لأعدائهم ما احييتنا وارزقنا شفاعة رسولك وشفاعتهم إذا توفيتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وصلّ اللهم على جميع أنبيائك ورسلك، اللهم وصلّ على الشهداء الصدّيقين ومن آمن وعمل صالحاً ثم اهتدى.
أيها الأخوة المؤمنون، أعظم الله لكم الأجر بمصابنا برسول الله (ص) ولا أجد في هذا الموقف الا أن أُردّد كلام أمير المؤمنين (ع) في رثائه حيث قال:
“بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ وَعَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءً وَلَوْ لَا أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ لَأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّئُونِ وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلًا وَالْكَمَدُ مُحَالِفاً وَقَلَّا لَكَ وَلَكِنَّهُ مَا لَا يُمْلَكُ رَدُّهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ”.
وأتمثّل بهذه المناسبة بما قالته السيدة الزهراء(ع) وهي ترثي أباها رسول الله (ص)
وتحدّثه عمّا حلّ بالأمة بعده قائلة:
قَد كانَ بَعدكَ أنباءٌ وَهَنْبَثَةٌ لَو كنتَ شَاهِدُها لَم تَكثُرِ الخُطَبُ
إِنَّا فَقدنَاك فَقْدَ الأرضِ وَابِلها واختَلَّ قومُك فاشهَدْهُم فَقد نَكَبُوا
قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا فغبت عنا فكل الخير محتجب وكنت بدراً ونوراً يُستضاء به عليك تنزل من ذي العزة الكتب، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ ضَمِنَ تعالى أنْ لا يُعذّب العرب على قيد أحد شرطَين: حضور النبيّ بين أظهُرهم، أو استغفارهم هم؛ ومِن ثَمّ قال الإمام أمير المؤمنين (ع): (كان في الأرض أمانان مِن عذاب اللّه، وقد رُفع أحدهما، فدونكم الآخر فتمسّكوا به، أمّا الأمان الذي رُفع فهو رسول اللّه (ص) وأمّا الأمان الباقي فالاستغفار)، ثمّ تلا الآية.
لقد حصر الله تعالى الهدف من بعثة رسول الله (ص) بالرحمة للعالمين، أي أنك رحمة مرسلة إلى الجماعات البشرية كلهم – والدليل عليه الجمع المحلى باللام – وذلك مقتضى عموم الرسالة.
وهو صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لأهل الدنيا من جهة إتيانه بدين في الاخذ به سعادة أهل الدنيا في دنياهم وأخراهم.
فلم يسبق أن تكوّنت أمة بمعنى الامة يحكمها نظام كامل في جميع شؤونها وشجونها قائم على اساس العقيدة والاخلاق بهذا المعنى قبل رسالة الاسلام على يدي رسول الله (ص) وإنما على اساس الدم والقومية، أما في جزيرة العرب فلم تكن هناك أمة أصلاً وإنما كان هناك مجموعة من القبائل لكل قبيلة روابطها الخاصة ونظامها الخاص الذي تدافع به عن وجودها، أما العلاقات فيما بينها فهي مُتقلّبة من تحالف بين بعض القبائل ضد أخرى تُشكّل عدواً مشتركاً لها لشعورها بالخطر منها على وجودها، فإذا انقلبت الآية تتبدل التحالفات بينها كما تتبدل مصالحها، وهي في واقعها بهذا المعنى عبارة عن مجموعات من الأمم اذا صحّ التعبير، لأن حياتها كانت قائمة على البداوة والغزو، أما أتباع الديانات من النصارى واليهود من العرب فقد بنت علاقاتها الداخلية على أساس العصبية القومية حيث تحوّل الرابط الديني إلى رابط عصبي وهذا أحد النقاط المهمة التي جعلت الأمة الإسلامية تختلف عن المسيحية واليهود الفارق الآخر، هو بقاء الأمة الإسلامية موحدة العقيدة رغم وجود الاختلافات التي بقيت تحت سقف العقيدة الواحدة والكتاب الواحد والعبادات الواحدة، أما في المسيحية فقد اختلف الامر لأن الاختلاف اخترق العقيدة من الاعتقاد بالله الواحد إلى الاعتقاد بالتثليث فتحوّلت المسيحية في واقعها إلى أديان متعددة لأن المفترض في أساس الدين وحدة الاعتقاد الذي مسّ الاختلاف في الإيمان بالله بين الله الواحد وبين التثليث مسّ بجوهر العقيدة فأخلّ بوحدتها، ولهذا لا توجد أمة مسيحية وإنما أمم والعلاقات القائمة بينهم قامت على أساس الرابط العرقي ثم تحوّلت في العصور الأخيرة لدى الشعوب الاوروبية على اساس أفضلية العرق الأبيض وانه متفوّق على سائر الاعراق وانتفاء أن يكون للعامل الإنساني اي قيمة أو وزن في التعامل مع الاغيار وبقية الشعوب الاخرى التي ذهبت ضحية هذا التمييز العنصري وشعارات حقوق الانسان المزيفة للتضليل الذي أعطى الغرب المبرر الأخلاقي لاجتياحها واستعمارها.
أما الدين اليهودي فقد حوَّله اليهود إلى دين قومي مختص بهم وأنهم شعب الله المختار أما بقية الأمم فهم محتقرون لديهم وأنهم حيوانات خلقهم الله على صورة البشر لخدمتهم وحتى لا يستوحشوا منهم.
إنّ الإسلام هو وحده الذي أقام قيمه على أساس إنساني واحترام الإنسان بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو اللون قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ).
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
وقد فسَّر رسول الله (ص) المراد من التقوى هنا فقال: ” الخلق كلهم عيال الله وأحبّهم اليه أنفعهم لعياله”.
وقال رسول الله (ص): “لا فرق بين عربي على أعجمي ولا أبيض على اسود إلا بالتقوى”، ورأى في التمييز العرقي عصبية حرم التعامل على اساسها قال (ص):
“ليس منا من دعى إلى عصبية”، فقيل له (ص) : آمن العصبية ان يحب المرء قومه يارسول الله ؟ فقال (ص): لا، ولكن العصبية أن ترى شرار قومك خير من خيار قوم آخرين”.
لقد شكَّل الإسلام الأمة على أساس العقيدة وكان احترام الإنسان إحدى أهم مرتكزاتها التي اخترقت حدود اللون والعرق واللغة والجغرافيا وشكلت الأمة هذا الموزاييك من الأعراق والألوان واللغات بل والاديان التي عاش أهلها تحت ظلّه يمارسون طقوسهم بكل حرية ويعيشون حياتهم الطبيعية كمواطنين لهم كامل الحقوق إلا ما اقتضته ضرورة حماية هذه القيم والحفاظ عليها التي يمكن أن تمسّ نتيجة عدم إيمان الآخرين بها.
ولقد أوجز القرآن أهدافه من بناء هذه الأمة بأبلغ تعبير بقوله تعالى كما سبق لنا ان تحدثنا: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، أمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أمة القيم الالهية التي لم تقم بها فتراجعت القهقرى التي عبّرت عنها الآية الكريمة: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ).
والتي أراد التأكيد عليها لما قالت الزهراء مخاطبة اياه وهو ينازع :
أَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بوَجْهِهِ ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
فقال لها بل قولي: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)، لا ليغلطها بل ليؤكّد على حقيقة المصيبة الاعظم التي ستعقب وفاته (ص) وهي انقلاب الأمة من بعده خلافاً لما ذهب اليه البعض من انها أخطأت المقال في هذا الظرف، لأن الموقف موقف حزن وأن ما تُمثّله به من قول عمه أبي طالب فيه إنما يقال في موقف فرح أبداً فاطمة (ع) هي تلميذته وقمة المعرفة بأدب العرب وبماذا يقال واين يقال، بل أراد في هذه اللحظات الحرجة التي تمر بها الأمة وما سيحدث لها بعد وفاته أن المصيبة الأكبر ستقع بعد وفاته وما سيقع على ذريته ورسالته وهو ما حصل ولهذا سُمّيَ يوم الخميس بيوم الرزية حين حيل بينه وبين أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده.
وتحوَّل الجهد إلى السلطة وثم إلى بناء القوة لها بدلاً من الولاء للدين وبناء الأمة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، وتحوّلت إلى أمة السلطان وهو ما قاله الامام الحسين (ع) في خطاب الثورة: ” اتخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً، الا ترون إلى الحق لا يُعمل به، والى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقاً حقاً، فإني لا أرى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برماً”.
هذا هو السبب الحقيقي في كل ما تعانيه هذه الامة حين تحوَّلت الأمة لتكون في خدمة السلطة وتُحوّل بناء السلطة هدفاً مركزياً بدل أن تكون السلطة احدى الأدوات لتحقيق أهداف الأمة وفي خدمتها فإذا ما ضعفت السلطة انتهى كل شيء، لأن الأمة لا وجود لها ولا أهداف، نعم هناك مسلمون ولكن ليس هناك من أمة.
وهو ما يُفسّر اليوم الموقف من القضية الفلسطينية ويتمها حيث يقف الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهة العدو إلا من قلة في العالم العربي والاسلامي لم تستسلم لهذا الواقع ولم تقع ضحية التضليل المذهبي وتقسيم الامة الى مذاهب وأمم وما زالت تؤمن وتتمسك بوحدة الامة ووحدة أهدافها كما ينبغي أن تكون وامكانية نهوضها وانتصارها وهي تخوض اليوم معركة هذه الأمة إلى جانب الشعب الفلسطيني ونحن نعتقد انها حققت انتصارها الاولي على هذا الطريق.
أيها الأخوة،
إنّ ثبات الشعب الفلسطيني في هذه المعركة هو الأساس في هذا الإنجاز التاريخي الذي يرسم مستقبلاً جديداً لها يُصحّح لها المسار الذي يُحقّق لها الهدف الأسمى وهو إعادة إحياء هذه الأمة لتلعب دورها الإلهي التاريخي الأصيل بانتصارها في معركة تحرير فلسطين الذي يُشكّل الفيصل في معركة إحياء الامة التي هي أكبر من المذاهب وحروبها العبثية التي تخدم اعداءها ولا تفيدها بل تزيدها ضياعاً وخسراناً وتجعلها أداةً لتحقيق أغراض اعدائها الخبيثة.
إن المطلوب ألا تخضع الدول العربية التي تشترك بالمفاوضات للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة من أجل إخضاع الطرف الفلسطيني ونُقدّر عدم مماشاة العدو في السماح بتهجير الشعب الفلسطيني من غزة والضفة إلى سيناء أو الاردن الذي يُشكّل أساساً خطراً على كل من مصر والاردن فضلاً عن الشعب الفلسطيني وقضيته المُحقّة والعادلة.
كما ندعو الى معالجة المشاكل الداخلية اللبنانية بما يُحقّق المصلحة اللبنانية بعيداً عن الأوهام والحسابات الطائفية عبر التفاهم والتلاقي بين القوى السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية لانتظام المؤسسات الدستورية وحلّ الازمات الداخلية ومشاكل المواطنين الذين لن ييأسوا أو يضعفوا ويخضعوا لأحلام الحالمين في التخلّي عن خيار المقاومة في الدفاع عن لبنان وشعبه التي أعطت لهذا البلد مزيداً من القيمة والاهتمام الدولي ما كان ليكون لولا المقاومة والشعب المؤيد لها من غالبية المواطنين.
إننا اليوم قادمون على افتتاح سنة دراسية جديدة يمثل عبئاً متجدداً على الاهل، كما إننا في نهاية الصيف وعلى مقربة من حلول فصل الشتاء مما يدعو ليس الحكومة فقط أن تتحمَّل مسؤولياتها بل القوى السياسية خصوصاً في ما يتعلق بتطورات المنطقة ويستدعي منها الاستعداد لمواجهة كل ما ينتظرنا على كل الصعد.