حروبسياسة

إنها الحرب..ولا مكان للأحكام المسبقة !(واصف عواضة )

 

كتب واصف عواضة – الحوارنيوز

لعله من المبكر جدا الحكم على نتائج الحرب التي اندلعت بعنف بين إسرائيل وإيران. وحبذا لو يكون المحللون و”الخبراء” أكثر حكمة وتعقلا في استطلاع آفاقها ،بدل التبصير والتنجيم المستند في معظم الأحيان إلى الأهواء والطموحات والمواقف الجاهزة.

فالحروب تنتهي عادة بأحدى خلاصتين:منتصر ومهزوم فيفرض الأول شروطه على الآخر كما حصل في الحربين العالميتين الأولى والثانية ،وإما بالتعادل فيجنح الطرفان إلى التسوية والصفقات السلمية أو بتجميد الصراع إلى مراحل لاحقة. وبالتأكيد لن تخرج الحرب الإسرائيلية- الإيرانية عن هذا السياق،خاصة وأن طرفي الصراع يمتلكان من القدرات العسكرية والإستراتيجية ما يحمل على ضرورة التأني في إصدار الأحكام المسبقة.

لا يستطيع أحد الإنكار أن الهجوم الإسرائيلي على إيران كان صاعقا ،وحقق الكثير من الأهداف ،وبينها القضاء على مجموعة القيادة والسيطرة الإيرانية وضرب عدد من المواقع النووية التي لم يعرف بعد حجم أضرارها ،فضلا عن تدمير العديد من المواقع العسكرية ،بما عكس حالة من النشوة في إسرائيل ودول الغرب وبعض دول العرب.

لكن الصورة تبدلت أو تكاد بعد الرد الإيراني الصاعق والمحدود الذي نقل الإسرائيليين من حالة النشوة إلى حالة الصدمة ، نتيجة فشل قبّتهم الحديدية ودفاعاتهم الجوية في التصدي الكامل  والتام  للصواريخ الإيرانية المحدودة التي أطلقت على مدى ست دفعات متتالية ،فأفاقوا على مشهد من الدمار قالوا أنهم لم يشهدوا له مثيلا من قبل. وعليه تبدل النقاش السياسي والإعلامي في إسرائيل في ساعات قليلة بنسبة 180 درجة، كما يقول المراقبون .

أمام هذا المشهد الذي لم يمض عليه 48 ساعة ،لا بد من الحكمة والتوازن في قراءة الوضع ،وسط سيل من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها أو الحسم فيها قبل أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

تمتلك إسرائيل طاقات وقدرات عسكرية هائلة ،مستندة إلى دعم أميركي وغربي متسلسل . فما يكاد يفرغ مخزونها العسكري في جانب ما ،حتى تكون الولايات المتحدة قد زودتها بما يسد هذا الفراغ. ويؤكد ذلك أن كل معارك إسرائيل هي معارك أميركية خالصة. ويرفد هذا الدعم غطاء سياسي منقطع النظير يمنع عن الدولة العبرية أي حرج دولي يبدو غائبا إلى أقصى الحدود.

إلا أن هذا الواقع يستدعي سؤالا استراتيجيا بالغ الأهمية حول المصالح الأميركية في المنطقة ،والمصلحة الإسرائيلية في بقاء النار مشتعلة داخل وحول الكيان الصهيوني. فمن الذي يخدم مَن في هذا الواقع؟ ومن الذي يستغل مَن في هذه المعركة:دونالد ترامب أم بنيامين نتنياهو؟

لا شك أن الولايات المتحدة تحرص كل الحرص على حياة إسرائيل وحضورها الفاعل في المنطقة ،من باب الحرص على مصالحها الحيوية ،باعتبار الدولة العبرية سيفا مسلطا على رقاب دول المنطقة. لكن في النتيجة بات العقلاء في إسرائيل يرون أن إسرائيل هي من يدفع الثمن في هذه الإستراتيجية،فيما الولايات المتحدة تدفع بهم إلى حرب وجودية ،وبالتالي تبتز من خلالهم الدول الغنية في المنطقة لتدعيم اقتصادها.

في الجانب الإيراني ،صحيح أن ميزان القوى العسكري مختل لصالح إسرائيل والغرب ،وأن الخسائر التي تتكبدها إيران كبيرة ، لكن ثبت بما لا يرقى إليه شك أن الطاقات العسكرية الإيرانية قادرة على إنزال خسائر فادحة بإسرائيل ،وبإسرائيل وحدها.ومع كل معركة تثبت طهران أنها تمتلك مخزونا متطورا من الأسلحة التي يمكن أن توجع إسرائيل .وما حصل الليلة الماضية ،وما يمكن أن يحصل في الليالي المقبلة ،بات يشكل حالة قلق للإسرائيليين.

يحلم الأميركيون والإسرائيليون بتغيير النظام في إيران.لكن ذلك يتطلب مفهوما آخر للحرب ،يتخطى الضربات الجوية والصاروخية ،إذ لم يسقط نظام بفعل هذه السياسة السالفة الذكر. والجمهورية الإسلامية أثبتت في غير مرحلة أنها رسخت خلال 46 عاما خميرة شعبية وتنظيمية صلبة ،لا يمكن إسقاطها إلا باجتياح بري ،تماما كما حصل في العراق وأفغانستان .ولذلك فإن إسقاط النظام الإيراني لا يمكن أن يتأمن إلا عن أحد طريقين:إنهيار داخلي أو إجتياح بري ،فهل الولايات المتحدة مستعدة لمثل هذا الإجتياح؟

 ثمة الكثير من الأسئلة الحائرة حول آفاق الحرب ،وستبقى حائرة إلى أن تتوضح الأمور عسكريا.فمن الذي سيتعب أولا :إسرائيل والولايات المتحدة ،أم إيران؟

ثمة من يراهن على أن نفَس دونالد ترامب قصير جدا،والعبرة والنموذج كانا في تعاطيه مع اليمن،ولن تطول الحرب كثيرا ،وأن التسوية نتيجة حتمية ..ولكن بعد أن يتعب الطرفان كثيرا،فلننتظر ونر .. ولكن من دون أحكام مسبقة !     

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى