العلامة الخطيب في خطبة الجمعة:ما يجري في شوارع أوروبا وأميركا ردة فعل على الشعور بالخيبة
الحوار نيوز – خاص
رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب أن “ما يجري في شوارع أوروبا والولايات المتحدة والجامعات العريقة، ليس سوى ردة فعل للشعور بالخيبة، وأن كل ما ادّعاه أصحاب الانظمة الليبرالية المتوحشة ليست سوى ادعاءات فارغة مُضلّلة أعمت عيونهم عن إدراك حقيقة هذا النظام المتوحش الذي يمارس الخداع والتضليل والاباطيل والتزوير”.
أدى العلامة الخطيب الصلاة اليوم في مقر المجلس بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها:
إنّ اللجوء الى لغة العنف واستخدام القوة هي لغة العاجزين والضعفاء، ولا يعني أن هؤلاء لا يدركون صوابية هذا المنطق ولكن هذه اللغة تتعارض مع مصالحهم، لذلك فإن القوى التي وضعت مواثيق الامم المتحدة والقوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان التي هي في غالبها مقبولة أن القوى التي أقرّتها هي القوى العظمى والغاشمة ولكنها ترفض تطبيقها أو تطبقها بشكل استنسابي بما يتوافق مع مصالحها، فهي تعتبر أن القوة التي تمتلكها تُعطي لها الحق في مخالفتها وهي تمارس المواربة والالتفاف عليها لإيهام الآخرين بأحقّية منطقها أو تستخدم القوة لإجبارها على التماهي معها في وفي تصويرها الحقّ باطلاً والباطل حقاً والمحقّ معتدياً والمعتدي محقاً وتسخّرها كأدوات طيّعة لفرض إرادتها.
إنه المنطق الفرعوني الذي خضع له قومه بعد أن أُبديت لهم النصيحة بترك العلوّ في الأرض والافساد قال تعالى حاكياً ذلك: { يَٰقَوْمِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَٰهِرِينَ فِى ٱلْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ}،الذي استخدم منطق القوة والتضليل في مواجهة دعوة الحق والتنبيه من سوء عاقبة هذا المسار، إنه المنطق نفسه الذي يتعاطى به الغرب في التعامل مع الآخر المستضعف وهذا ليس بالأمر الجديد عليه ولكنّه كان يحجب الحقائق عن شعوبه التي سَلّمت له منطقه (مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ).
وصدقت الشعارات التي رفعها واستتر خلفها من الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وانه يحملها رسالة يعمل على نشرها في العالم التي إعتبرتها شعوبه من أهم ما انتجته من قيم حضارية تفتخر بها أمام العالم، ومن أهم إنجازاتها الفكرية في هذا العصر الذي بدأ يكتشف بفضل ما أنجزته المقاومة وما تعرّض له المدنيون من الشعب الفلسطيني في غزة من مجازر وابادة انه اْسْتُغْفِل وأن القوى الحاكمة والمتحكّمة بمقدراته التي أعطته ثقتها وأمّنته على ما اعتبرته من اهم انجازاتها قد خانت هذه الامانه وهي ترتكب أفظع جريمة في التاريخ الإنساني بإسمه، وما يجري في شوارع أوروبا والولايات المتحدة والجامعات العريقة ليس سوى ردة فعل للشعور بالخيبة، وأن كل ما ادّعاه أصحاب الانظمة الليبرالية المتوحشة ليست سوى ادعاءات فارغة مُضلّلة أعمت عيونهم عن إدراك حقيقة هذا النظام المتوحش الذي يمارس الخداع والتضليل والاباطيل والتزوير ويلقي بالاتهامات الباطلة كتوصيف حركات التحرر كالمقاومة بالارهاب التي تدافع عن حقّ شعوبها في التحرّر من الظلم والاستعباد الذي يمارسه عليها الطاغوت الغربي الفاجر صانع الارهاب وداعمه باسم الدين وباسم الإسلام الذي لم تستحِ ولم تخجل في الاعتراف به وزيرة الخارجية الامريكية الأسبق هيلاري كلينتون، الامر الذي ينمّ عن الاستخفاف المهين بالوعي العربي والإسلامي للأسف لأدراكها أن اعترافها بذلك لن تكون له أية تبعات أو ردات فعل سلبية في العالم العربي والاسلامي على الولايات المتحدة والغرب ومصالحه لأنه غارق في وحول الماضي المذهبي مُكبّل بقيوده الكفيلة بمنعه من التحرّر والانعتاق منها.
نعم إنها محنة العقل العربي والإسلامي بل داؤه الذي ليس فقط انه لم يقتنع بعد بالبحث عن علاجه الشافي بل لم يقتنع انه مصاب بالمرض حتى يبحث عن العلاج، نحن اذاً بحاجة إلى اقناعه بانه مصاب بالمرض أما الدواء فهو متوفر وموجود وهو جدير بالمعالجة ما إن يقتنع بذلك وهو التخلي عن العقلية المذهبية وتسيسها.
إنّ العرب والمسلمين اليوم أشبه بالمريض النفسي الذي يرى نفسه في أتمّ الصحة والعافية وأن الآخرين هم المرضى، لذلك نحتاج إلى هذا النوع من الأطباء ليحلوا لنا هذه المعضلة، لقد شَخَّصْنا هذا المرض بالمذهبية السياسية ولكن نحتاج إلى من يقنع المريض بذلك.
أما نحن في لبنان فالمريض مقتنع بأن المرض هو في الطائفية السياسية والجميع يقرّ بذلك وأن الشفاء من هذا المرض قوامه بإقامة دولة المواطنة ومع ذلك يمتنع فريق من اللبنانيين من الذهاب الى هذه المعالجة ويصرّ على الانتحار، فمن يحلّ لنا هذه العقدة النفسية يا ترى التي تقنع اللبنانيين بعدم الانتحار غير الطبيب النفسي الذي لم نجد له أثراً حتى الآن غير المقاومة التي ذهبت إلى اقتلاع جذور المرض المتمثل بالكيان الاسرائيلي الذي تراهن عليه بعض القوى في الداخل العربي والإسلامي ومنه لبنان، هذه القوى المتماهية مع المشروع الغربي معتقدة ان في نجاح هذا المشروع في تثبيت أركانه فرصتها في تحقيق مشروعها الذي طالما حلمت به وراهنت عليه وتصرّفت على اساسه بالتآمر على ضرب أي حركة نهضوية في العالم العربي والاسلامي بالتحالف مع الانظمة التي أعطيت نفس الوظيفة وأدخلت المنطقة في جدية عظيمة وحروب عبثية لصرف النظر عن المهمة الأساسية لمواجهة الخطر الأصيل المتمثّل بالكيان الصهيوني والمشروع المكمل له بتفتيت المنطقة الى كيانات مذهبية.
لقد تصارع هذان المشروعان لمدة ليست قصيرة استطاع المشروع التفتيتي أن يتغلب لفترة قصيرة ظهر في الاستسلام لإرادة الغرب بتوقيع اتفاقيات مذلة للعالم العربي والاسلامي والمسارعة إلى إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني إعلاناً لوفاة العروبة والاسلام وانتصاراً للصهيونية العالمية ولم يتبقَّ سوى دفن هذا الميت الذي لم يجد من يدفنه ويحثو التراب على جثمانه ولكن سرعان ما خرج المارد من القمقم معلناً أن الذي مات هو من باع وليست الامة، فهذه الامة عصية على الاعداء وأن موتها أمنية لن تتحقّق للأعداء، ذلك وعد الله الذي لن يخلف وأن أمة روحها المقاومة لن تموت وقد أعدّت لعدو الإنسان والتاريخ والقيم موت الزؤام، تتغير الانظمة وتمضي ولكن الأمة حيّة باقية بروح عيسى ومحمد والانبياء.
لقد أصابت المقاومة بالمعالجة بالذهاب إلى رأس الافعى الذي تدوسه اليوم وتمعن في سحله وعذابه فيحاول يائساً أن يظهر قدرته على الانتصار والبقاء وحلفاؤه يمدّونه بما يعتقدونه أسباباً للبقاء على قيد الحياة ولكن هيهات هيهات فقد فات ما فات وهل غير الله يعيد الأموات؟ .
فيا أهل غزة الإباء والعزة، ويا أهلنا في الجنوب الأوفياء لم يبقَ الا القليل من الصبر، فالنصر صبر ساعة وها قد دنت ساعة الانتصار ويحلّ السلام على أمة السلام، والسلام يقرؤكم السلام..
{ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }.