
الحوارنيوز – محليات
رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب في خطبة الجمعة اليوم “أن العدو حين يستفيق من صدمته، وأنه بعد اعتماده القوة الغاشمة مع اختلال التوازن للقوة العسكرية والاعلامية لصالحه، لن يحقق له الأمن والاستقرار والبقاء في هذه المنطقة.
وقال إننا “سنقف بقوة الى جانب الدولة وبهذه الالتزامات والتعهدات التي وردت في البيان الوزاري واقرته الحكومة بلا لف ولا دوران ولا تلاعب بالالفاظ ، بل بالسعي الحقيقي لتحرير الارض واعادة البناء والإعمار ووقف الاعتداءات المستمرة على السيادة والمواطنين”.
وأهاب بالمواطنين المشاركة في تشييع الشهيدين الكبيرين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين الأحد المقبل ،موجها التحية إلى الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل لبنان.
وكان العلامة الخطيب أمّ المصلين في مقر المجلس في حارة حريك، وألقى خطبة الجمعة ،وجاء فيها:
قال تعالى :
{ وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
نزلت هذه الآية ايها الاخوة بعد ما اصاب المسلمين في معركة “أُحد” في مواجهة المشركين، وما نتج عنها من خسائر في اعداد الشهداء وشعورهم بالإحباط والحزن والهم والهزيمة النفسية، حيث كانت المرة الاولى التي يتعرض فيها المسلمون وبشكل غير مسبوق وبهذه الاعداد الكبيرة من الخسائر. لهذا كان الشعور بقساوة الخسارة والهزيمة والصدمة النفسية كبيرا، لم يستطع البعض تحمله. ومن هنا تدخل الوحي للحؤول دون تمكن هذا الشعور في نفوس المسلمين ولإعادة التوازن النفسي اليهم.
وهذا الشعور ،أعني الشعور لديهم بالاحباط والهزيمة النفسية في الواقع، كان اخطر على وضعية الدعوة الجديدة والجماعة المسلمة اخطر في نتائجه من حجم الخسائر المادية التي تكبدتها ، لأن الخسائر المادية مهما بلغت يمكن ترميمُها طالما لم تنكسر الإرادة ولم يتبعها الاحساسُ بالهزيمة من الداخل، ولم تؤد الهزيمةُ العسكرية الى التسليم بنتائجها والتعامل معها على انها نهايةُ المطاف، وهذه قاعدة واقعية وليست امرا دينيا صرفا. ولكن الدين اكد عليها وابرزها ورسّخها بأن اعطاها عمقا ايمانيا، وان الله تعالى هو الحق ومع الحق، وأن من كان مع الحق كان الله معه، وان معركة الباطل هي معركة مع الحق، وان من صارع الحق صرعه كما يقول اميرُ المؤمنين علي ابن ابي طالب ع.
واعطاها الدين أيضا بُعدا عباديا، وان من يُقتل فيها دفاعا عن الحق لا يعد خاسرا، بل على العكس من ذلك فهو يحصل على امتياز الشهادة ويرتقي الى حياة افضل، وان الحصول على رتبة الشهادة اصطفاء من الله سبحانه وتعالى.
يقول تعالى:
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ
وكل هذه الاعتبارات هي من الايمان بالله تعالى، وان المواجهة مع الباطل هي انتصار للحق وانتصار لله تعالى، وان من كان مع الله كان الله معه، وان تنصروا الله ينصركم، وان من يقتل في هذا السبيل فقد اصطفاه الله تعالى وفاز بالحصول على ارفع وسام الهي وبحياة الخلود في جنة عرضها السموات والأرض، حيث لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
فالمؤمن لا يقاتل من اجل مكسب دنيوي شخصي، وانما من اجل الحق وفي سبيل الله ،وهو منتصر على كل حال، لأنه يكون قد فاز باحدى الحسنيين: اما النصر او الشهادة . فإن قتل فقد فاز بما يتمناه من الشهادة، وان انتصر فقد حقق الهدف.
قال تعالى:
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوْلِيَآءَ ٱلشَّيْطَٰنِ ۖ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا
كل هذه العوامل تعطي الجماعة المؤمنة امتيازات على قوى الباطل في المواجهة، تقلب موازين المعركة وتحقق لها الغلبة والانتصار ما يفتقده الباطل حتى عندما تختل موازين القوى المادية لصالح العدو الذي يفتقد العامل الحاسم في المواجهة، وهو الحافز والارادة والايمان. اما المؤمن فيدخل المعركة وهو مؤمن بأحقية القضية التي يقاتل من اجلها، وان العدو مهزوم ضعيف الكيد والمكر والوسيلة التي يستخدمها في معركته.
ولكن هل يعني ذلك ان المؤمنين لن يتعرضوا للهزيمة مطلقا ؟
الجواب بالنفي.. والواقع يصدق ذلك، وقد تحدثنا عن الهزيمة في معركة “أحد” ،ان المؤمنين هم بشر بالتالي وينتابهم الضعف احيانا في سوء التقدير والتخطيط والاعداد واللامبالاة بقدرات العدو، ولكن الهزيمة لن تكون حاسمة وتكون الخسارة خسارة معركة، إن تدارك المؤمنون اسبابها وهي طبيعية، ولكنها في طريق الارتقاء بقدراتهم بشكل طبيعي. فالحرب سجال “يوم لنا من عدونا ويوم لعدونا منا” كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : “الحرب سجال، فيوم لنا من عدونا، ويوم لعدونا منا، حتى إذا رأى الله صدقنا، أنزل علينا النصر، وبعدونا الكبت”.
فهل هي قاعدة عامة تجري في كل زمان ومكان، ام انها امر خاص بزمان ومكان واشخاص معينين؟
في الواقع ان كلام المولى ليس الا ترجمة لما ورد من آيات في كتاب الله، تحكي قاعدة عامة، ما إن تحققت شروطها حصلت.
ومع ان المواجهة التي خاضتها قوى المقاومة ردا لعدوان العدو وجرائمه المتمادية على الأمتين العربية والاسلامية وشعوبهما في حرب الابادة التي ارتكبها في غزة وجنوب لبنان، لم تنته بهزيمة المقاومة، بل افشلت اهدافه في استرجاع أسراه وسحق المقاومة في غزة ولبنان بالقوة العسكرية للناتو، فلسوف يتيقن العدو حين يستفيق من صدمته ان اعتماده القوة الغاشمة مع اختلال التوازن للقوة العسكرية والاعلامية لصالحه، لن يحقق له الأمن والاستقرار والبقاء في هذه المنطقة، وهي نقلة نوعية لصالح بلداننا وشعوبنا،الأمر الذي سيتأكد في المستقبل ويتيقن معه المشككون من صحة هذه المقولة، كما حصل في بداية الصراع مع العدو حيث شُنت حرب اعلامية شعواء تروج لمقولة ان العين لا تقابل المخرز، حتى تكاملت تجارب المقاومة واستطاعت لاول مرة بعد اصرارها على المواجهة وعدم تأثير الحرب النفسية التي خاضها العدو باعلامه الخاص وبادواته الداخلية المأجورة او المهزومة نفسيا على قرارها، وتحقق الانتصار وإخراجُ العدو مهزوما ذليلا بلا قيد او شرط، وانما تحت ضربات المقاومة.
واستمرت المقاومة في تحقيق الانتصارات المتتالية رغم محاولات المحاصرة بالفتن المذهبية واشغالها بنزاعات طائفية باءت بالفشل بتوفيق الله تعالى واخلاص ابنائنا وجمهور المقاومة والمخلصين من ابناء وطننا وامتنا، وبفضل وعي القيادة التي صمدت بقوة ووعي للمخططات الشيطانية التي عملت على تفكيك القاعدة الجماهيرية للمقاومة وعدم انجرارها ووقوعها في الافخاخ المنصوبة، والتي جهدت في تفكيك هذه البيئة الحاضنة للمقاومة وجرها الى الفتن المذهبية الداخلية، والتي مازالت مستمرة للإيقاع بين قواها وخصوصا في هذه المرحلة الحساسة، وبعد الملحمة الاسطورية التي سجلها ابناؤنا الابطال على تخوم الحدود الجنوبية في مواجهة حلف الناتو ، واستخدم فيها العدو احدث الاسلحة الفتاكة، ولكنه رغم الخسائر الفادحة والجرائم الوحشية التي ارتكبها بقي عاجزا عن تحقيق اهدافه الخبيثة، ولم نستسلم لارادته ولن يستطيع كسر ارادتنا ولن يستطيع تطويعنا بالسياسة كما لم يستطع بالحرب العسكرية والجرائم الوحشية وقتله القادة الابرار، وعلى رأسمهم السيدان الشهيدان السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين.
لقد دفع السيد الشهيد حسن نصرالله القائد التاريخي الفذ والشجاع والمخلص مع اخوته هذا الثمن الكبير، ليس من أجل ان تكون النتيجة الاستسلام للعدو، وانما لتحقيق الاهداف التي انشأت المقاومة من اجلها، وهي تحقيق عزة الامة وكرامتها وبناء الدولة القوية العادلة والتي تأخذ على عاتقها الدفاع عن حياض الوطن وكرامة بنيه، وهي نتيجة اخرى من نتائج هذه المعركة، وانتصار اخر في معركة بناء الدولة التي سنقف بقوة من اجل تحققها بالفعل وليس بالكلام . فقد كانت مطلبنا الاول الذي عبر عنه الامام موسى الصدر وافشله الاخرون، ونحن الان سنقف بقوة الى جانب هذه الدولة وبهذه الالتزامات والتعهدات التي وردت في البيان الوزاري واقرته الحكومة بلا لف ولا دوران ولا تلاعب بالالفاظ ، بل بالسعي الحقيقي لتحرير الارض واعادة البناء والإعمار ووقف الاعتداءات المستمرة على السيادة والمواطنين.
فتحية الى الشهداء وعلى راسهم السيد الرمز والقائد الملهم السيد الشهيد حجة الاسلام والمسلمين حسن نصرالله قدس سره، الذي قضى حياته في خط المقاومة والجهاد حتى اصطفاه الله شهيدا مع اخوة اعزاء قادة ومجاهدين اخلصوا لله، فاصطفاهم الله شهداء للوطن والامة رضوان الله تعالى عليهم وحشرهم الله مع شهداء كربلاء، واجزل لهم العطاء.
وتحية للامة التي انجبتهم وللارحام التي انجبتهم.. الصابرون لله اكرم من اعطى وانجب من صبر وضحى، فلله دركم وطاب مرقدكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. لقد وجب علينا حقكم وعلى امتكم وستبقى امانتكم في رقابنا لمتابعة المسيرة وتحقيق الأهداف، فهبوا يا اهلنا الاخيار لتوديع السادة الاخيار، ولنكرم انفسنا في موكب التشييع المهيب للسيد الحبيب ولصفيه النجيب.
الرحمة لكم وعظيم الاجر للاسر الشريفة والتبريك لهم والتعزية لرسول الله ص جدهم، ولعلي وفاطمة وللائمة الاطهار اباؤهم،
والسلام عليهم يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون أحياء،
ولارواحهم الزكية السلام والسورة المباركة الفاتحة.