العلامةالخطيب وخطاب الوحدة وحماية لبنان (أكرم بزي)

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز

في لحظة لبنانية تختلط فيها الجراح بالرجاء، ويغمرها القلق من العدوان الإسرائيلي المستمر، يطلّ خطاب العلامة الشيخ علي الخطيب ليعيد تثبيت بوصلة الهوية الوطنية الجامعة التي لطالما شكّلت جوهر المشروع اللبناني. فالكلمات التي وجّهها إلى موفد الكرسي الرسولي لا تبدو مجرّد موقف آنٍ، بل هي امتدادٌ راسخ لمدرسة فكرية وروحية أسّسها الإمام موسى الصدر، وواصل ترسيخها خلفاؤه من بعده، تقوم على الدفاع عن الإنسان، وصون التنوّع، وحماية الدولة، وترسيخ الوحدة الوطنية.
وحدة لبنان ليست شعاراً… بل رؤية تأسيسية
حين يؤكّد الشيخ علي الخطيب أنّ لبنان “رسالة” قبل أن يكون “بلداً”، فهو يضع إصبعه على المعنى العميق للأمة اللبنانية كما صاغته شريحة واسعة من روّاد النهضة الوطنية. وهذا المعنى لا ينفصل عن رؤية الإمام موسى الصدر الذي شدّد منذ بدايات حضوره في لبنان على أنّ التنوّع الديني والحضاري ليس مصدر خوف، بل هو ثروة ورسالة إنسانية.
فالامام الصدر كان أول من قال إنّ الطوائف نعمة والطائفية نقمة، داعياً إلى دولة عادلة تُشرك الجميع ولا تقصي أحداً، وإلى مقاومة لا تخدم جماعة، بل تحمي كل اللبنانيين. وهو الخط نفسه الذي واصل الشيخ أحمد قبلان البناء عليه عندما رفع شعار الدولة القادرة والعادلة، ودافع عن العيش المشترك ضد كل مشاريع التفتيت.
خطاب الشيخ الخطيب يأتي اليوم ليؤكّد أنّ هذا النهج ليس مجرد تراثٍ أو ذاكرة، بل هو رؤية مستمرة لصون الكيان اللبناني في لحظات الخطر.
الشيعة… مكوّن مؤسس ومدافع عن لبنان
من خلال التأكيد على الالتزام بالأخوّة الإنسانية والدينية، يذكّر الشيخ الخطيب العالم بأنّ الشيعة في لبنان لم يكونوا يومًا جماعة على هامش الدولة، بل ركناً مؤسِّساً من أركانها منذ ما قبل إعلان لبنان الكبير، وشريكاً كاملًا في صياغة هويته الحديثة.
لقد قدّموا عبر التاريخ رجال دولة وفكر وروّاد نهضة، وكانوا في مقدمة المقاومين للاحتلال الإسرائيلي، دفاعاً عن الأرض وعن جميع اللبنانيين من دون تمييز. وحين يكرر الشيخ الخطيب أن المقاومة لم تكن خياراً عشقاً للسلاح، بل اضطراراً أمام غياب الدولة، فهو يعيد تثبيت جوهر عقيدة وطنية تعتبر الدفاع عن لبنان واجباً وجودياً، لا وظيفة حزبية أو مذهبية.
يحمل خطاب الشيخ الخطيب بعداً ديبلوماسياً واضحاً. فهو يقدّم إلى موفد الفاتيكان رواية لبنان الحقيقية: بلدٌ متنوّع، مجروح، متمسك بالعيش المشترك، لكنه محاصر بعدوان إسرائيلي لم يتوقف يوماً.
ويؤكد أنّ اللبنانيين – ومن بينهم الشيعة في مقدّمهم – دفعوا أثماناً باهظة لحماية الكيان، وأنّ العالم مطالب اليوم بتخفيف آلام هذا البلد، لا بتكريس الانقسام داخله أو الضغط عليه لتغيير هويته السياسية.
إنّ الرسالة هنا مزدوجة:
– إلى الداخل: بأن الوحدة الوطنية هي الشرط الأول للنجاة.
– إلى الخارج: بأن لبنان ليس ورقة في صراعات الآخرين، بل وطن كامل الحقوق يستحق دعماً حقيقياً.
دينٌ للإنسان… ومقاومة للدفاع لا للهيمنة
الاستناد إلى قول الرسول الكريم والإمام علي بن أبي طالب في خطاب الشيخ الخطيب ليس شكلاً بل مضموناً. فهو يعيد التأكيد أن الإسلام – كما فهمه روّاد مدرسة النجف وجبل عامل – يقوم على إنسانية الإنسان قبل أي اعتبار آخر. وأنّ الحروب التي تُشن باسم الدين هي تشويه لمقاصده.
وهذا الفكر يتقاطع بعمق مع نهج الإمام موسى الصدر الذي شدّد منذ انطلاقته على أن “الإنسان أثمن ما في الوجود”، وأنّ مشروعه يقوم على حماية هذا الإنسان في ذاته وكرامته ومعتقده.
من الإمام موسى الصدر وصولاً إلى الشيخ علي الخطيب، تتكرّس مدرسة وطنية واضحة:
– لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه.
– التنوّع مصدر قوة ورسالة حضارية للعالم.
– الدولة العادلة هي الضامن الوحيد للجميع.
– المقاومة واجب اضطراري لحماية الأرض والإنسان، لا مشروعاً بديلاً عن الدولة.
إنّ هذا الامتداد الفكري والسياسي يعكس الدور العميق للمكوّن الشيعي في تثبيت فكرة لبنان المعاصر، وفي حماية وحدته وسيادته، وفي الدفاع عنه كلّما عصفت به الأخطار.



