العدوان على اليمن..ومؤشرات السقوط الأميركي (فرح موسى)

أ.د.فرح موسى – الحوار نيوز
حينما تأتي من تاريخ اليمن، وسمو المعنى، وخلود المجد،تعرف أنهم أهل حكمة،وإليهم نسبت،كما نسب الإيمان،كما قال رسول الله ص:”الحكمة يمانية،والإيمان يمان”،والمراد بذلك هنا،العلم المشتمل على المعرفة بالله تعالى.
فأهل اليمن عُرفوا بنصرة الحق والقيام به مهما بلغت التضحيات في سبيله. ومن منن الله الجزيلة،وعطاياه العظيمة على اليمن وأهله،أنهم كُرّموا بفضائل ليست لغيرهم،شرفوا بها،ويكفيهم منها إقامة الدولة الإسلامية على أرضهم ،وعلى أيدي رجالهم الأوس والخزرج مع رسول الله في المدينة المنورة،وهم عرفوا بالأنصار،ونسبوا إلى الحرية منذ نعومة الأظفار.ولهذا،نرى الكثير من أهل اليمن يفتخرون بانتسابهم إلى الأنصار،وينتصرون للحق في القدس وفلسطين،فإذا كان الهدف من العدوان الأميركي على اليمن يهدف إلى إخراجهم من حق وإدخالهم في باطل، فهذا مما لم يسجل في تاريخ اليمن وأمجاده،بل بلغ من فخار المجد،وعلو الشأن،أن آيات الله تعالى وصفتهم بأنهم لا يخافون في الله لومة لائم في نصرة الحق وأهله في كل زمان ومكان.
وانطلاقًا من ذلك،نرى أن ما أقدم عليه أهل اليمن في نصرة الشعب الفلسطيني،رغم ما هم عليه من حصار وضيق، هو مما ينسجم مع نبل الأنفس،وحقيقة الإيمان،وصدق الانتماء،إذ هم اختاروا التصدي للعدو الصهيوني،وفرض الحصار البحري على سفنه،وضرب منشآته في عمق الكيان،لكون مقتضى الإيمان والإسلام،وكذلك التقوى،نصرة المظلوم والدفاع عنه،فكيف إذا كان هذا المظلوم أخًا لهم في حقيقة الإيمان وصدقية الانتماء؟
فهم أبوا أن يكونوا كسائر الأعراب،خوفًا،ونفاقًا،وتجارةً،وأصروا على النصرة للحق الفلسطيني رغم علمهم بكل ما قد يتسبب به ذلك من أذية وخسائر على بلادهم،وكما نرى اليوم،هم يتعرضون لعدوان صهيوني أمريكي،لا لشيء إلا لأنهم أخلصوا لله تعالى في نصرة الشعب الفلسطيني،وقد أعلن المعتدون على اليمن،أنهم يريدون حماية الملاحة في البحار، ولكن يبقى السؤال،ماذا لو فشل العدوان في تحقيق أهدافه؟
إن أدنى تدبّر في ما مارسته أمريكا من عدوانية اتجاه العرب والمسلمين منذ عقود من الزمن،يُظهر أنها لم تفلح في سياساتها وحروبها لتحقيق الأمن والاستقرار،وحماية المصالح،وفشلت في تحقيق أهدافها،منذ الحرب الفيتنامية،وانتهاءً بحروب أفغانستان، والعراق،وحيث حطّت بها الهزائم في شرق أو غرب،وجاءت الحروب بعد طوفان الأقصى ،لتكشف مدى الوهن الأميركي في غزة ولبنان، وصمود محور المقاومة في مواجهة أعتى هجوم غربي استعماري على بلاد العرب والمسلمين. وكان من أعظم المفاجآت للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط،ظهور اليمن بقوته العظيمة وقدرته على إقفال الممرات المائية على المعتدين. وهنا يكمن السؤال،هل يمكن لأمريكا وحلفائها تحقيق النصر وتأمين حرية الملاحة؟ أم ستكون لهم خيبة العصر في استمرار الحصار،وعدم القدرة على فتح البحار؟
إن طغيان القوة غالبًا ما يودي بأهله إلى التهلكة. نعم ،قد تكون للطغيان طفراته في التاريخ،كما هو شأن الطغيان الأميركي اليوم،فيحقق الهيمنة،وتكون له سطوة القوة،إلا أن ذلك لم يدم لأحد ممن طغوا وتجبّروا،والعدوان الأميركي اليوم ليس بدعًا من العدوانية في ما شهدته بلاد العرب والمسلمين طيلة العقود الماضية، فهذا العدوان عاد ليتلبّس الموقف في عدوانه اليوم على اليمن،ظنًا منه أن طغيان القوة يمكن أن يحقق له الأهداف،فهو يقتل ويدمّر من دون أن تكون له أدنى تبصرة في الشعب اليمني وخياراته الاستراتيجية.ولو كانت للأميركي قدرة التعقّل لما أقدم على مزيد من التهور بعد تجربته في غزة فلسطين ولبنان. فالتدمير والغزوات الجوية لم يثبت للأعداء أنها حققت لهم الانتصارات،أو ضمنت لهم صوابية الخيارات،بل كانت دائمًا مصدرًا للخيبة في ضمانة المجد:”وحارس الازدهار”..فأنى للعدو أن يُبصر غده،وهو لما ينته بعدُ من صدمة البوار حيث حطت به مفاوز القفار ومضايق البحار.ولا شك في أن ما ينتظره الأميركي من دروس اليمن،سيكون له امتيازه الخاص ،لجهة ما قد يلحق به من هزيمة وسقوط في القدرة والهيبة معًا،فعناد اليمن للحق ونصرته ليس شيئًا في التاريخ،وإنما هو التاريخ،وقد خبرته شعوب الأرض،ومدحه الإسلام،لا يخضع لمساومة،ولا يسكن لعداوة.
وإذا كان مراد الأميركي في عدوانه على اليمن تخفيف وطأة الحروب التجارية، أو إيصال الرسائل لإيران،أو غيرها،فلعل الرئيس الأميركي اختار المكان الخطأ،لكون اليمن منذ سنوات ينتظر فرصته لإسقاط الصلف الأميركي في باب المندب قبل مضيق هرمز.إنه عصر السقوط الأميركي على أبواب صنعاء،فلننتظرولنرَ ما إذا كانت الملاحة في البحر الأحمر ستفتح أبوابها؟ أم أن اليمن سيُعيد كرّة تاريخه، ليكون له مجد العزة في زمن الهزائم العربية والإسلامية.فليرتقب الأميركي يوم تأتي السماء بدخان مبين،وتفتح أبواب جهنم على المعتدين في كل أرض من باب المندب،إلى حيث تبحر سفن الخائبين..والسلام.
*رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية.
16/٣/٢٠٢٥.