العالم يتغير..ولبنان يتخبط بالصغائر(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة- خاص الحوار نيوز
شهد العالم خلال العقود السبعة الماضية تغيّرين كبيرين شكلا تبدلات رئيسية في التحالفات الدولية ،وفي طبيعة القوى المسيطرة على الساحة العالمية .ويبدو أننا اليوم على طريق تغيّر ثالث سوف يُفضي إلى تبدل التحالفات القائمة لصالح واقع عالميّ جديد.
كان التغيّر الكبير الأول بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 وسقوط النازية الألمانية بقيادة أدولف هتلر ،والفاشية الإيطالية بقيادة بنيتو موسوليني، واستسلام اليابان بعد ضربتي هيروشيما وناكازاكي النوويتين. قرر الحلفاء الأربعة المنتصرون في الحرب (الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا) إقتسام النفوذ العالمي ،وإن بنسب مختلفة،وتمحور العالم بعد ذلك بين كتلتين: غربية بزعامة أميركية عبّر عنها حلف الأطلسي (الناتو)،وأخرى شرقية بزعامة السوفيات عبّر عنها حلف وارسو.
إستمر هذا النمط العالمي حتى العام 1990 حين سقط الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية بفعل البيروستريكا التي انتهجها الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف ،وكان التغيّر الكبير الثاني الذي أتاح للولايات المتحدة أن تضع يدها على العالم وتتصرف بدوله من دون منازع أو منافس ،سياسيا وعسكريا واقتصاديا ،لدرجة صار الدولار خلال العقود الثلاثة الماضية سيد العالم وحاكمه الأخضر الوحيد.
وبين هذين التغيّرين الكبيرين شهد العالم ما اصطلح على تسميته ب”الحرب الباردة”.دارت حروب مباشرة حينا وبالواسطة أحيانا خاضها الحلفان الكبيران ،من دون أن يصطدم الجباران الأميركي والروسي بشكل مباشر لأسباب على صلة بالخشية من صراع نووي حاذر الطرفان الإنخراط فيه.
شهدت منطقتنا الجانب الأكبر من هذه الحروب،لا سيما على نية الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ،وكان للبنان حصة الأسد من هذا الصراع ،فضلا عن حرب أهلية داخلية استمرت خمسة عشر عاما،وانتهت باتفاق الطائف الذي لم يكتب له الاستكمال والوصول إلى نهاياته المنشودة.
طوال سبعة عقود لم يعرف لبنان كيف يتحول إلى وطن وينتج دولة عادلة تحفظ كرامة أبنائه ،وظل يتخبط بالصغائر في ظل نظام طائفي بغيض قوّض كيانه وأوصلنا الى ما نحن فيه من إنهيار على شتى المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية،ولولا قبس من مقاومة قدمت الغالي والنفيس ،لكانت الاحتلالات جاثمة فوق صدور اللبنانيين ،إسرائيلية وإرهابية ومن لف لفهما.
العالم اليوم يتغير للمرة الثالثة في حياة جيلنا. تتبدل مركّباته وتتحول معطياته، ما ينبئ بعالم جديد تزول فيه الأحادية الأميركية التي سادت لثلاثة عقود .لكن لبنان لم يتغير ولم يتبدل ولم يتآلف مع الواقع الجديد ليجد له مكانا ولو صغيرا في هذا العالم الجديد،فيما هو أحوج ما يكون إلى قفزة نوعية تخرجه من حالة الإنهيار المريع الذي يعاني منه.
ما تزال الصغائر تتحكم بالعقل اللبناني عند كل مفترق ومع كل استحقاق ،رئاسي كان أم نيابي أم حكومي،حيث تتفجر الذاتيات والشخصنيات مع كل حادثة أو قضية كبيرة كانت أم صغيرة.
لقد هرمنا ونحن نحلم بوطن نظيف نحمي فيه أولادنا وأحفادنا ،وقاربنا اليأس في ظل نظام سياسي لا أمل في ظله بخلاص أو إنقاذ،وصار ثابتا أن الصغائر لا تبني وطنا ولا دولة ،لأن الله لا يبدل ما بقوم حتى يبدلوا ما بأنفسهم.والسلام على من اتبع الهدى.