د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
شَهِدَ وعاش وواجه العالم، وخاصة العربي والاسلامي، لأكثر من عقديّن من الزمن ، مرحلة نشر وفرض الديمقراطية ، حتى بالوسائل القسريّة او بالقوى الغليظة والناعمة ( احتلال ،عقوبات ، تغيير انظمة حكم ) ، وقادت أميركا هذه المرحلة ،مِنْ الاعداد و التخطيط والتنظيم والتنفيذ . وحَصلَ ما حصل من عنف وارهاب وفوضى و سرقة لثروات الشعوب وتقويض لمقومات الدولة .
صاحبَت جهود و مساعي نشر الديمقراطية ظاهرة اخرى ، تستحقُ الدراسة والتحليل ، وهي التعّدي والتجاوز على القوانين والشرعيّة الدوليّة والمواثيق والاتفاقيات الدولية والامميّة . والاتفاق النووي الايراني الدولي ، كان ايضاً اتفاقاً أُممياً ، تنصّلت منه ادارة الرئيس الاميركي السابق ترامب .
تواجد القوات الاميركية في سوريّة ، شرق الفرات ، واستغلالها لحقول النفط ، حصِلَ من اجل نشر الديمقراطية ، وهو امرٌ بكل تأكيد مخالف للقوانين الدولية ولميثاق الامم المتحدة ؛ والشواهد عديدة مِن فلسطين الى فنزويلا .نجحت المساعي الامريكية ليس في نشر الديمقراطية ، و انما في نشر ثقافة انتهاك سيادة الدول والتدخل الغليظ في شؤونها والتجاوز على القوانين و الاتفاقات الدولية .
وماذا عن نتائج سياسة نشر الديمقراطية، وبالتعدّي والتجاوز على الشرعية والقوانين والمواثيق الدولية وانتهاك سيادة الشعوب؟
بالتأكيد تضرّرت كثيراً دول وشعوب ، ويُعدْ ضررهم تضحيات وانتصارا لمستقبلهم ودفاعاً عن كرامتهم وسيادتهم ، ولكن خسرت أميركا كثيراً من مكانتها و هيبتها ونفوذها في العالم وفي منطقة الشرق الاوسط .
فقدت أميركا الآن قدرتها على ممارسة سياسة الاملاءات والابتزاز مع الحلفاء والاصدقاء ، وفشلت في سياسة المواجهة والتحدي مع الخصوم والاعداء ( طالبان ،ايران ، سوريا ،فنزويلا ) .
تدخلُ رسمياً أميركا الآن ، وتسعى لجّرِ العالم معها ، في مرحلة نشر المثّلية ، حيث اعلن َ الرئيس بايدن ، وفي احتفال كبير ،في البيت الابيض ، بأنَّ أميركا ” أمّة المثليين ” او مجتمع الميم . والقيم التي تؤمن بها وتتبناها أميركا يجب ، وفق المنظور الامريكي ، ان تسود العالم .
تمهّدُ أميركا ومعها بعض الدول والمنظمات و المؤسسات الى نشر المثلية والدفاع عن الظاهرة ،ليس فقط في مجتمعاتها ، وانما في العالم ، وخاصة العربي و الاسلامي لسببّين : الاول هو الموقف الرافض لهذه الدول ومجتمعاتها لتقبّل هذه الظاهرة. وقد تستفحل ، في السنوات الثلاث المقبلة ، حالة صدام حضارات بين غرب ، شعاره وديدنه بناء مجتمع مثلي ، وحضارة شرق قائمة على منع و مكافحة المثليّة اعتبارها ظاهرة شاذة وهدّامة للاسرة والمجمتع و القيم والاخلاق ، ومنافيّة للفطرة البشرية .
والسبب الثاني الذي يجعل دول مجتمع” الميم ” تستهدف المجتمعات العربية و الإسلامية، هو استخدام الظاهرة كوسيلة اخرى من الوسائل الصّادة والمضّادة للتمدد الاسلامي الذي تشهده المجتمعات ، ولما تتميّز به المجتمعات العربية والاسلامية من قدرة ورغبة على الانجاب ،والتمسّك بمفهوم واصول الاسرة ، حيث من بين اهداف التشجيع على ممارسة المثليّة ، وعلى المدى الطويل ، هو تحديد النسل وتقليص عدد السكان في العالم .
وتوظّف أميركا وبعض دول الغرب وسائل مختلفة لترويج ونشر ثقافة المثلية كرفع رايات قوس قزح ،والتي تعبّر عن مجتمع الميم ، و توزيع منشورات ، وتبني شعارات ، دالة على المثليّة ، وتضمين مواضيع تشجّع على ثقافة المثليّة في المناهج الدراسية لمختلف المراحل . رفع رايات المثليّة على سفارات أميركا في لبنان وفي تركيا ودول اخرى ، امرٌ له دلالات عديدة ،اهمها هو تبني رسمي وسيادي امريكي لهذه الظاهرة ، و رسالة الى الدول المعنيّة بمدى اهمية واستراتيجية الموضوع لدى الادارة الامريكية .
أميركا لم تترّدد بالتصريح بنيتها فرض عقوبات اقتصادية وقانونية على اوغندا بسبب مصادقة الرئيس الاوغندي على مشروع قانون بفرض عقوبة الاعدام على مَنْ يمارس المثليّة في أوغندا . وتتداول معلومات عن قيام أميركا بتخصيص ١٢ مليون دولار كمساعدات لثلاث جامعات عراقية وافقت على تضمين مناهجها وبرامجها الدراسية على معلومات عن المثليّة ، في اطار الحريات و حقوق الانسان ( حول الموضوع ،انظر صحيفة رأي اليوم ، بتاريخ ٢٠٢٣/٦/١٦ ، تحت عنوان اكبر احتفال في البيت الابيض …) .
شهدنا في مرحلة فرض الديمقراطية ، والتي قادتها الولايات المتحدة الامريكية ، تجاوزا واعتداء على سيادة الدول وعلى القوانين والاتفاقات الدولية ، ولمْ تكْ نتائج المرحلة في صالح الولايات المتحدة الامريكية ،حيث انعكست سلباً على مكانتها ونفوذها ، و تسعى اليوم أميركا إلى نشر و فرض المثليّة وعلى حساب القيم الاجتماعية والانسانية ، وسترّتد نتائج المرحلة والمسعى سلباً على مصالح ومكانة أميركا وستصبح الهّوة اكبر بين العالم العربي والاسلامي وأميركا.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل