محمد صادق الحسيني
عندما يعلن قائد المنطقه الوسطى في الجيش الاميركي الجنرال فرانك ماكينزي ، وخلال مؤتمر صحفي يعقده في البنتاغون يوم ١٤/٣/٢٠٢٠ ، ان الجيش الاميركي سيحتفظ بحاملتي الطائرات الاميركيتين ، هاري ترومان ودوايت ايزينهاور ، اللتين تعملان بالطاقة النوويه ، لمدة طويلة في الشرق الاوسط ( بحر العرب ) وذلك لردع الجيران وحلفائهم ، وهي المره الاولى التي تتناوب فيها حاملتا طائرات مع المجموعه الضاربة لكل منهما ، مناوبة قتاليه وفي نفس منطقة العمليات، فإن الجنرال ماكينزي يكذب .
اذ ان عمليات الحشد البحري والجوي الاميركيه هذه ، التي تشهدها بحار جنوب الجزيره العربيه وغرب المحيط الهندي وبحار الصين ، لا يقتصر تهديدها على ايران فقط ،وانما تجري هذه التحشدات في اطار الحشد الاستراتيجي ، ضد الصين وروسيا وايران والذي سبق ان تطرقنا له في مقالات عدة ، خاصة اذا ما أضفنا الى عمليات الحشد هذه ، حول الحدود الجنوبيه والجنوبية الغربيه للصين ، نقول انه اذا ما أضفنا لذلك عمليات الحشد البري والجوي والبحري الذي تنفذه الولايات المتحده ، منذ اكثر من عام ، في أوروبا الشرقيه وعلى حدود روسيا الشماليه الغربيه ، الممتدة من لينينغراد شمالاً حتى مواني لواءً الاسكندرون السوري المحتل ، وتحت غطاء التدريبات العسكريه مع قوات حلف الناتو ، فان صورة هذا الحشد الاستراتيجي الهائل تصبح اكثر وضوحاً وبالتالي فان قراءة الاهداف الاستراتيجيه من وراء ذلك تصبح أسهل قراءةً .
وفي اطار التضليل الاستراتيجي للعدو ، اي للصين وروسيا وايران ، ولاستكمال عمليات الحشد والاستعدادات تحت غطاء من الضبابيه ، فان البنتاغون قد أعلن عن مناورات عسكرية مشتركة ، مع قوات حلف الناتو في شرق أوروبا ، اي على حدود روسيا الشماليه الغربيه ، وأنه سينقل ما مجموعه ٣٧ الف جندي اميركي الى مناطق التدريبات المشتركه ، الا انه ادعى قبل ايّام انه أوقف عمليات النقل هذه بسبب المخاوف من فيروس كورونا ، وهو ادعاء كاذب كون عمليات نقل الوحدات الاميركيه الى بولندا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا ( على بحر البلطيق ) لا زالت مستمره . وبالتالي فان اعلان وقف تلك العمليات هو كذب يضاف الى ما سبقه من إعلانات للبنتاغون ، كذلك الاعلان الذي تحدث عن اتصالات اميركية عراقيه ، لنقل منظومات باتريوت للدفاع عن القواعد الاميركيه في العراق خوفا من هجمات إيرانية جديده ضد تلك القواعد . لكن الحقيقة ان البنتاغون قد قرر فرض وجود هذه المنظومات في العراق ضمن عمليات الحشد الاستراتيجي التي أشرنا اليها اعلاه ، خاصة وان لديه في السعوديه ودوّل الخليج الاخرى من القوات البحرية والجوية ما يكفي لتهديد ايران ، والتي لا تخاف هذا التهديد ، المتواصل منذ ما يزيد على اربعين عاماً .
اذاً فما هو الهدف الاستراتيجي المباشر ، لعمليات الحشد هذه ، والتي تتواصل بوتيرة متسارعة في الاونه الاخيره ؟
لا شك في ان الهدف الاستراتيجي ، من وراء هذه الحشود العسكريه الهائلة ، هو إرادة الولايات المتحده في اعادة فرض سيطرتها وهيمنتها على العالم بأسره ومنع الصين ، بالتعاون مع روسيا وايران بشكل خاص ومع تكتلات دولية اوسع بشكل عام ، نقول منع الصين من ان تتحول الى الاقتصاد العالمي الاول وما يعنيه ذلك من تحولها الى القوة العسكرية والسياسية الاولى في العالم ، الامر الذي يضع حداً لأوهام الامبراطوريه الاميركيه ، في إمكانية العوده لتكريس هيمنتها المطلقه والاحاديه على العالم .
وبما ان الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى ، كما قال القائد العسكري الألماني الفذ كارل فون كلاوسو فيتس ( ولد سنة ١٧٨٠ وتوفي سنة ١٨٣٠ ) ، اي بوسائل قتاليه ، فان الولايات المتحده الاميركيه وبعد فشل كل حروبها الاقتصادية والتجارية والمالية ضد كل من الصين وروسيا وايران وفشلها في منع هذه الدول من ان تتصدر التقدم العلمي والتكنولوجي وبالتالي الصناعي والتجاري ( لان التقدم العلمي والتكنولوجي يعطي المجال لتطوير صناعة تكنولوجية متقدمة جداً وقادرة على انتاج اقل كلفة من انتاج الولايات المتحده وبذلك اقدر على المنافسة في الاسواق التجاريه العالميه ) ، فانها وبسبب هذا الفشل قد قررت الانتقال الى ممارسة السياسة بوسائل اخرى ، اي بوسيلة الحرب .
وبما ان الحرب لا بد لها من سبب لإشعالها ، وفي هذه الحالة مع الصين في البدايه ، فقد لجأت الولايات المتحده الى استخدام الحرب الجرثومية ، بنشر وباء الكورونا في كل من الصين ومن يتعاون معها كايران ، حتى لو كان ذلك تعاوناً اقتصادياً بحتاً ، كما هو وضع العلاقات الصينيه الايطاليه ، التي شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات التحاريه ، بتاريخ ١٩/٣/٢٠١٩ ، الى جانب اتفاقية تخص التعاون الإيطالي مع الصين في تنفيذ مشروع طريق واحد وحزام واحد . هذه العلاقات المتميزة بين الصين وإيطاليا هي التفسير المنطقي الوحيد لانتشار فيروس الكورونا بهذا الشكل الواسع في إيطاليا ، خلافاً لبقية الدول الاوروبيه الاخرى وعلى الرغم من انها الدوله الاوروبيه الاولى التي طبقت اجراءات عزل ووقايه قاسية جداً لمنع انتشار هذا الوباء .
اذاً فان الولايات المتحده تستخدم الحرب الجرثومية ، ضد العديد من الدول حالياً ، لاشعال فتيل حرب ، ضد الحلف الصيني الروسي الايراني ، وذلك انطلاقاً من التداعيات الكارثية التي سيسببها انتشار هذا الوباء على الاقتصاد العالمي وعلى أسواق المال العالميه ، الامر الذي سيؤدي الى حالة من الكساد والركود العالمي ، الذي لم يشهده العالم منذ الانهيار الاقتصادي العالمي سنة ١٩٢٩ ، وما سينتج عن ذلك من توترات على صعيد العالم .
ولكن هذه التوترات لا يجب ان تفضي الى حرب عالمية ثالثة جديده وذلك للاسباب التاليه :
١)الموقع الجغرافي لكل من الصين والولايات المتحده والذي لا يسمح الاخيره بالسيطرة على الصين كما سيطرت على اليابان سنة ١٩٤٥ .
٢)انحسار قدرة الولايات المتحده على خوض حروب كبيره ، بعد هزائمها في افغانستان والعراق وهزيمة مشروعها الممول خليجياً لتدمير سورية وضرب محور المقاومه ، وكذلك ما تعانيه من أزمة مالية غير مسبوقة تعبر عن نفسها في الأرقام الفلكية للدين الاميركي العام .
٣)قناعة الولايات المتحده الاميركيه ، بشقيها العميق وغير العميق اي الدوله العميقه والاداره الاميركية، في البيت الابيض ، بان الوضع التسليحي لقواتها وقوات العدو ( الصين روسياً ايران ) والتكتيكات التي يتبعها العدو وإتقانه لمزاوجة الحرب الكلاسيكية مع حرب العصابات ، نقول قناعتها بان كل هذه العوامل لن تجعلها قادرة على خوض حرب عالمية جديده .
٤)وهنا سيطرح السؤال المحق حول واقعية احتمال ان تكون الاداره الاميركيه تعمل على إشعال حرب ضد الصين وروسيا وايران في المرحلة المقبله .
ان واقعية الطرح اعلاه تحددها اهداف الولايات المتحده نفسها : منع الصين من التحول الى القوه الاقتصاديه الاعظم في العالم . اي منعها من السيطرة على العالم . وفي ظل انعدام قدرة الولايات المتحده على تكريس سيطرتها وهيمنتها فانها ستكون مضطرة للتفاوض مع الصين حول اقتسام او تنظيم سيطرة الدولتين على العالم ، اي الاتفاق على اقامة نوع من الكوندومينيوم ( الاداره المشتركه ) للعالم .
٥)يعتقد المخططون الاستراتيجيون الامريكيون ان تحقيق هذا الهدف لا يحتاج الى اكثر من حرب تحريك تجبر الصين على الجلوس الى طاولة المفاوضات ، قبل ان تصبح القوة الاقتصادية الاولى في العالم ، وذلك بهدف إجبارها على القبول بحل الكوندومينيوم / الاداره المشتركه / .
وعليه فان هؤلاء الاستراتيجيون قد وضعوا خططهم على اساس خوض حرب بلا جبهات محدده وخطوط دفاعية واضحة، وانما على اساس تنفيذ عمليات قصف جوي وبحري وصاروخي ،( باستخدام الصواريخ البعيدة المدى كصواريخ توماهوك ) مكثف ضد اهداف استراتيجية هامه داخل عمق العدو . وهي استراتيجية معدلة عن استراتيجية الناتو في تدمير يوغوسلافيا ، عبر هذا النوع من القصف المكثف عام ١٩٩٩ ، والتي ادت في حينه الى تغيرات مهمه في المشهد الاستراتيجي لمنطقة البلقان .
ولكن مسرح العمليات الذي نحن بصدده يختلف تماماً عن ذلك اليوغسلافي . فموازين القوى بين طرفي النزاع الحالي وتلك في حرب يوغوسلافيا ١٩٩٩ تختلف تماماً ، كما ان الوضع الدولي والتحالفات الدوليه قد تغيرت تماماً ، الامر الذي ادى الى تغير جذري في قدرات الطرف الصيني الروسي الايراني العسكريه والتي لن ندخل في تفاصيلها ونكتفي بالتذكير بان لدى الصين من القوات الصاروخيه والبحريه ما يكفي لإغراق جميع الاساطيل الاميركيه في كل مسرح العمليات الممتد من سواحل المتوسط غرباً وحتى بحر الصين الشرقي ، الذي يفصل الصين عن اليابان ، مضافاً اليها القواعد الجويه والبحريه الاميركيه في كل من اليابان وكوريا الجنوبيه .
واما عن روسيا فحدث ولا حرج، ذلك لان أنظمة دفاعاتها الصاروخية اقرب الى الخيال منها الى الحقيقه، وآخرها نظام الدفاع الصاروخي الجديد ، المخصص لمكافحة السفن الحربيه ، والذي سيعرض لأول مره خلال احتفالات النصر على النازية ، الذي سيقام في موسكو يوم ٩/٥/٢٠٢٠ .
وهو نظام صاروخي محمول ، تتكون كل منظومة منه من اربع عربات تحمل ٣٢ صاروخاً بعيد المدى . علماً ان كل رشقة صواريخ من هذا الطراز كافية لتدمير حاملة طائرات امريكيه مع كل المجموعه القتاليه التي ترافقها خلال دقائق معدودة دون ان يكون لها اي خط في النجاة او اعتراض الصواريخ الروسيه المهاجمة وذلك كونها صواريخ فوق صوتيه .
ولكن ما علاقة فلسطين والشعب الفلسطيني بهذا النزاع الدولي المحتمل ؟ وما هي العوامل التي تدعو اللاجئين الفلسطينيين لشد الرحال وركوب سفن العوده والتوجه الى موانئ بلادهم في عكا ، التي هزمت نابليون ، وحيفا عروس المتوسط ، ويافا التي هزمت موج البحر وموج الصهيونيه ، وبقيت شامخة على ارض فلسطين ؟
انها علاقة المنطق ، التي تربط الشعب الفلسطيني وثورته ومقاومته بالقوى الدوليه المعاديه للسيطرة والهيمنة الامبرياليه ، والتي جعلته ومنذ بدايات الثوره الفلسطينيه جزءاً من هذا المعسكر وهو الكثير من الجهد العسكري وغيره عبر عقود من الزمن ،وهو بالتالي سيكون جزءاً من محور المقاومه الذي سيطلق المرحلة الاخيره من هجومه الاستراتيجي لتحرير فلسطين كاملة . ذلك الهجوم الذي سينطلق من الجبهة الشمالية والجنوبية في آن واحد لتلتقي الجبهتان في القدس المحرره . علماً اننا لا نستبعد اطلاقا ان يتحقق كلام سماحة السيد حسن نصر الله حول احتمال ان لا تكون هناك ضرورة لشن هجوم عسكري لانهاء وجود كيان الاحتلال الصهيوني وانما سيجري تفكيكه حتى بدون قتال . وهذا ما تشير اليه خطط حلف المقاومه ، التي يجري تمحيصها حالياً ، والمتعلقة بالتخطيط لإعادة اسكان الشعب الفلسطيني في مدنه وقراه المحتله واعادة بناء ما دمره الاحتلال منها . بمعنى ان جهد المختصين في الحلف قد انتقلت الى تنظيم حياة الشعب الفلسطيني بعد تحرير وطنه منطلقين من ان التحرير هو عمل في حكم الناجز .
وما ذلك على الله بعزيز