رأي
الطوائف اللبنانية منافذ حضارية (فرح موسى)
بقلم د.فرح موسى – الحوار نيوز
في ستينات القرن الماضي،وتحديدًا في ٢٩-٥-١٩٦٩،قام الرئيس اللبناني في حينه شارل حلو بزيارة تهنئة للإمام موسى الصدر بمناسبة انتخابه رئيسًا للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى،وكانت للإمام كلمة ترحيبية في استقبال الرئيس حلو،قال فيها:”فخامة الرئيس إن من يظن أن وجود الطوائف المختلفة في لبنان هو سبب ضعف الإحساس الوطني والقومي،من يظن ذلك هو بالتأكيد ينظر من زاوية ضيقة،فالطوائف المختلفة والمنظمة تشكل منطلقًا للتعاون،وهي نوافذ حضارية على مكاسب لمليارات من البشر…نوافذ لتجارب تُغني الحياة وتمنع من الإنقسام وتقوي الوحدة الوطنية والإنسانية…”،
هكذا،باختصار نورد النص بتصرف منا لأجل إيضاح مطلب نود الحديث عنه في لحظة انقسام وطني قاتلة،وفي ظل أجواء الانتصار على العدو وهزيمة الطوائف أمام المصالح الضيقة!نعم،هذه حقيقة النظرة الى الطوائف اللبنانية ،وإلى كل تنوع بشري يتعايش بالحوار،ويتفاعل مع الواقع بانفتاح ووعي بحقيقة المراد من هذا التنوع في الخلق والوجود.
فالطوائف،كما يقول الإمام الصدر،نوافذ حضارية،فلماذا تحولت عن كونها كذلك لتكون مهالك للمنتمين إليها!؟ومتى كان التنوع في المجتمع الإنساني سببًا لانهيار منظومة الاجتماع البشري في ما ينشده من تكامل وتواصل وتعارف؟فهل تعلمون أيها الناس أن الإمام غيبته منظومة الفساد العربية لمنع الطوائف من أن تكون جسرًا للتواصل والحوار؟كيف نجيب على سؤال لماذا استحالت الطوائف اللبنانية الى أحزاب وفرق تنشد القطيعة،وتمنع من التكامل!؟
لا شك في أن الإمام كان يعرف أنه لكي تكون الطوائف نوافذ حضارية وتستمر على ذلك،تحتاج إلى وعي وسياسة إصلاحية تُبقي على هذه النوافذ مفتوحة لكل حوار وتلاقِ بين البشر.فالإمام بين لعلماء الدين قبل غيرهم أن تنوع الشرائع هو عامل غنى للناس،فهم يتعارفون ويتفاعلون بكل حرية لأجل أن يتكاملوا،فهم لم يخلقوا ليكونوا على شكل واحد ولون واحد ورائحة واحدة،فهل يعقل أن يكونوا على منهج واحد ورؤية واحدة،فالله تعالى يقول:”ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة..”فالله لم يشأ وأنتم تشاؤون ذلك !!!وأهل السياسة ،وكثيرون غيرهم ممن تسموا بالعلم وليسوا به يكذبون ويخادعون ويمنعون الناس من رؤية الله من نوافذهم!إن من عدم نوافذ نفسه وعقله لا يؤمل منه أن تكون له نوافذ في الفكر والدين والحضارة!؟
يا لها من مطالعة قدمها الإمام الصدر بحضور رئيس البلاد ليعطيه الأمل بأن طوائف لبنان ليست حجارة طين،ولا أعجاز نخل،بل هي طوائف بنظر الإمام تبعث النور والحياة من تنوعها،فماذا فعلتم علماء دين ورجال سياسة لتمنعوا وطنكم من الإنزلاق في مهاوي الفساد والهلاك! إن من يخون الشهادة مع ربه،يوم أشهد الناس على أنفسهم لا ينتظر منه في الدين والسياسة أن يشهد على نفسه بالخذلان لقومه ووطنه!؟،لقد قدم الإمام أطروحته الإنسانية والوطنية وراهن على الطوائف لبناء الوطن،وكانت النتيجة بعد تغييب الإمام تحول الطوائف من كونها نوافذ لتكون مقابر بما تمسكت به من نظام واختارته من قوالب دينية تزعم لها القداسة،فلم تعد الطائفة من النعمة الإلهية كما هو أصل وجود كل جماعة بشرية يحتم عليها الوعي الديني أن تكون ملاذًا لحرية الرأي والفكر والاعتقاد!فبدل أن تأتينا الطوائف بالمكاسب أورثتنا حسرة الانتماء وكره التنوع واختيار البلادة على نحو ما يظهر من مزاعم الدين وكأن الله خلق الناس عبثًا وتركهم سُدى!الله يقول لكم:@ألا يعلم من خلق وهو لطيف خبير..”.فيا ليت من عمل بالدين والساسية خارت قواه قبل أن يدّعي زورًا أنه ينتمى لأهل السماء،ويمثل إرادة الله تعالى في خلقه!نعم،لم تبق الطوائف نوافذ،بل أُقفل كل شيء بالسياسة لصنع مجتمع الانحلال حتى آل الأمر الى تكون الأحزاب خلاصات الطوائف،كل حزب بما لديهم فرحون،وهذه هي النتيجة الحتمية والطبيعة لمآلات التحول الطائفي في ضوء مكاسب الدنيا وأطماع الحياة ،وهذا ما ذم الله تعالى به من جعل رزقه وطائفته وكل مكاسبه أنه يكذب بحقائق الأمور،كما قال تعالى:” وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون.”،فيا ليت طوائف لبنان عقلت عن ربها،وأبقت على نوافذها مشرعة لضوء الشمس،وبحق نقول:إن النافذة التي فتحها الإمام الصدر لم يقفلها عتاة الدين والسياسة،وإنما أقفلها جهل الناس بكل كلمة نورانية شعت في أرجاء هذا الوطن اللبناني ولم يهتدِ بها أهل البصائر؛فلا زلنا نهتف بالحياة والوطنية والقومية وحقوق الطوائف حتى آل أمرنا إلى أن تكون الطوائف بكل أحزابها مشاريع انقسام في الدين والسياسة،وهذا ما نأسف له ونعجب منه،..والسلام.