دولياتسياسة

الضربة المقبلة لإيران.. بين “البروباغندا” الإعلامية وحسابات الكواليس المغلقة (أكرم بزي)

 

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز

 

تكشف التغطيات الصحفية التي تلت اجتماع مارالاغو في 29 كانون الأول/ديسمبر 2025 عن تحول جوهري في المقاربة الأميركية لملف إيران، حيث انتقل الخيار العسكري من احتمال نظري إلى أداة تنفيذية جاهزة تُفعّل عند أي محاولة لإعادة بناء القدرات النووية أو الصاروخية. وقد تبلور هذا التحول إعلاميا في ما عرف بـ«خطة النقاط العشرين»، بوصفها إطارا عمليا للمنع النشط لا للاحتواء المرحلي.

 

ترتكز الخطة على مبدأ «صفر إعادة بناء»، مع تضييق حاسم للفاصل الزمني بين الرصد والتنفيذ، بما يحول الوقت نفسه إلى أداة ردع. ولا يقتصر الاستهداف على المنشآت النووية، بل يشمل منظومة الصواريخ الباليستية كاملة، من سلاسل الإمداد ونقل التكنولوجيا إلى الشبكات اللوجستية والمعرفية.

 

كما تقوم الخطة على ربط الساحات الإقليمية ضمن معادلة واحدة، وتحميل إيران مسؤولية أفعال شركائها في غزة ولبنان واليمن والعراق، بهدف منع استخدام ساحة لتخفيف الضغط عن أخرى. وفي هذا الإطار، لا تلغى الدبلوماسية، لكنها تعاد صياغتها، الامتثال يسبق الحوار، والقوة تصبح شرط السياسة لا نقيضها.

 

وبذلك، تعبر «خطة النقاط العشرين» عن انتقال استراتيجي من الردع المؤجل إلى المنع النشط، حيث يختصر الزمن، وتربط الجبهات، ويعاد رسم حدود المواجهة وفق قواعد جديدة.

 

مصادر دبلوماسية: تراجعت احتمالات ضرب إيران؟

 

بعكس السردية التي هيمنت على التغطيات الغربية والعربية عقب اجتماع مارالاغو، يكشف مصدر دبلوماسي وثيق الصلة بقنوات التواصل الإيرانية عن صورة مغايرة تماما لمسار الأمور. فوفق هذا المصدر، فإن احتمالات توجيه ضربة عسكرية جديدة إلى إيران تراجعت بشكل كبير، وأن ما يجري في الكواليس الدبلوماسية لا ينسجم إطلاقا مع مناخ التصعيد الذي جرى الترويج له إعلاميا.

 

ويشير المصدر إلى أن أجواء الاتصالات غير العلنية، والمساومات التي تدور في الأروقة الخلفية بين أطراف إقليمية ودولية فاعلة، تميل إلى تثبيت خطوط تهدئة محسوبة، لا إلى فتح باب مواجهة واسعة. ويضيف أن القراءة الغربية للاجتماع، والتي ذهبت باتجاه تصويره كمقدمة لعمل عسكري وشيك، تعكس أكثر رغبات سياسية وإعلامية منها تقييما واقعيا لموازين القوى بعد حرب حزيران الماضية.

 

وفي هذا السياق، يتوقف المصدر مطولا عند ما يسميه “حرب الأيام الاثني عشر”، مؤكدا أن إسرائيل استخدمت خلالها كامل ما تملكه من أدوات القوة العسكرية، الجوية والاستخبارية، من دون أن تنجح في تحقيق اختراق استراتيجي حاسم. بل يذهب أبعد من ذلك، معتبرا أن تل أبيب اضطرت في الساعات الأخيرة من الحرب إلى الاستعانة المباشرة بالولايات المتحدة، ليس بهدف توسيع المواجهة، بل لـ«إنزالها عن الشجرة» وإيجاد مخرج سياسي–عسكري يسمح بإنهاء القتال من دون الظهور بمظهر المهزوم.

 

وبحسب هذا التقدير، فإن الضربات الأخيرة التي استهدفت منشآت فوردو ونطنز لم تكن تعبيرا عن تفوق حاسم، بل جزءا من سيناريو إخراج سياسي يتيح لإسرائيل إنهاء الحرب بصورة “مشرفة” بعد أن فوجئت بحجم ونوعية الرد الصاروخي الإيراني. ويشدد المصدر على أن الصواريخ التي استخدمتها إيران في تلك الجولة، سواء من حيث الدقة أو المدى أو الكثافة، لم تكن في الحسبان الإسرائيلي، وخلقت صدمة عملياتية انعكست مباشرة على قرار وقف النار.

 

الأهم، وفق المصدر الدبلوماسي، أن إيران خرجت من تلك المواجهة وهي في موقع استعادة الردع، لا فقدانه. فإلى جانب الرسالة العسكرية، أدت الحرب إلى كشف جزء كبير من الشبكات الاستخبارية العاملة داخل إيران، ما سمح بتنفيذ حملة اعتقالات ومعالجات أمنية أعادت إحكام السيطرة الداخلية وحدت من قدرة الاختراق الخارجي. هذا العامل، برأي المصدر، يغفل عمدا في معظم التحليلات الغربية، رغم كونه عنصرا حاسما في الحسابات اللاحقة لأي مواجهة محتملة.

 

وانطلاقا من ذلك، يرى المصدر أن أي حديث عن ضربة جديدة شبيهة بما جرى في حزيران يتجاهل معطى أساسيا، الولايات المتحدة وإسرائيل، إن قررتا الذهاب إلى خيار عسكري، فهما بحاجة إلى وقت طويل لإعادة بناء الجاهزية السياسية والعسكرية والاستخبارية. وقد لا يكون هذا الوقت أقل مما احتاجته خطط الحرب السابقة، بل ربما أطول، في ظل تبدل البيئة الإقليمية وتزايد كلفة المخاطرة.

 

خلاصة هذه الرواية أن مناخ التصعيد الإعلامي لا يعكس بالضرورة الاتجاه الفعلي للقرار السياسي. فبعد حرب قصيرة لكنها كثيفة، تغيرت الحسابات، وتراجعت شهية المغامرة، وباتت إدارة الردع وضبط الاشتباك، لا الذهاب إلى ضربة كبرى، هي العنوان الأرجح للمرحلة الراهنة.

 

في هذا السياق، يفرض السؤال نفسه بحدته الكاملة، هل باتت احتمالات توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، كما تروج لها وسائل إعلام عالمية وعربية، مسألة وقت بعد أن جرى حسم القرار السياسي، أم أن اللحظة لم تنضج بعد لخوض حرب من هذا الحجم؟ ولا سيما أن الضربة الأخيرة جاءت في ذروة مفاوضات قائمة بين إيران والولايات المتحدة، فيما بادرت إسرائيل إلى مباغتة طهران بخطوة بدت أقرب إلى خدعة مزدوجة نفذها الحليفان التاريخيان، واشنطن وتل أبيب، في توقيت محسوب بدقة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى