الحوار نيوز
يبدو الحكام الجدد لطالبان في أفغانستان أكثر انفتاحا على العالم من أولئك الذين حكموا البلاد قبل ثلاثة عقود،لا سيما مع جيرانهم ،وفي طليعتهم الصين على الرغم من تنافر الأيديولوجيا بين الطرفين ،الشيوعية والإسلام.
فقد شهدت علاقات حركة طالبان مع الصين تطورا تدريجيا منذ فتح المكتب السياسي لطالبان في قطر، وبدأت العلاقات من لقاءات بين مسؤولي الطرفين، وتطورت إلى زيارات سرية لقيادات حركة طالبان للصين، وبلغت تلك العلاقات أوجها حينما ترأس الملا عبد الغني برادر رئيس المكتب السياسي للحركة وفدا رفيع المستوى في زيارة إلى الصين، في شهر يوليو/تموز الماضي، وقوبل بحفاوة واستقبال رسمي من الحكومة الصينية، إذ أجرى الوفد الطالباني محادثات مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي.
ووصف وانغ يي حركة طالبان بأنها “قوة عسكرية وسياسية مهمة في أفغانستان”، وقال إن الحركة ستلعب “دورا مهما في إحلال السلام بالبلاد، وفي المصالحة وإعادة الإعمار”. وأوضحت تلك التصريحات أن الصين تتوقع وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان وتستعد للتعامل مع الحكام الجدد في كابل.
فقد لعبت كل من قطر(كونها الدولة المضيفة للقيادات السياسية لحركة طالبان)وباكستان بحكم علاقاتها الوطيدة مع الحركة، دورا مهما في تسهيل العلاقات بين حركة طالبان والصين، خاصة باكستان التي تجمعها روابط اقتصادية وعسكرية متينة مع بكين، إضافة إلى توتر علاقات البلدين مع الهند، التي لها عداوة تاريخية مع باكستان، ولديها مشاكل حدودية معقدة مع الصين تصل في بعض الأحيان إلى الاشتباكات الحدودية المسلحة.
وبعد سيطرة طالبان على الحكم في كابل، أكد الجانب الصيني في مناسبات مختلفة بأن الصين تحترم خيارات الشعب الأفغاني، وتتعامل مع الواقع السائد في أفغانستان، وكان من الواضح من التصريحات أن الصين حريصة على التعامل مع حكومة حركة طالبان والاعتراف بها.
ويرى رئيس تحرير صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية هو شيجين أن الصين “تقيم علاقاتها على أساس المنفعة المتبادلة”، ويشير إلى أن “الصين في حال ذهابها إلى أفغانستان لن تسعى لملء أي فراغ، انطلاقا من سياساتها الخارجية، التي ترفع شعار احترام خيارات شعوب جميع البلدان”.
وما يؤكد رغبة الصين في إقامة علاقات قوية مع أفغانستان في ظل حكم طالبان أن الصين -مثل روسيا- لم تغلق سفارتها في كابل عقب سيطرة طالبان على الحكم، خلافا لموقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بل في بادرة بروتوكولية ذات دلالات مهمة، التقى السفير الصيني لدى كابل وانغ يو نائب رئيس الوزراء الأفغاني الجديد المولوي عبد السلام حنفي.
ما تقدم يطرح سؤالا عن مغزى العلاقات المتنامية بين حركة طالبان والصين، والأهداف التي تريد الصين تحقيقها من وراء العلاقات مع حكومة طالبان، بالرغم من التباعد -بل والتناقض- الأيديولوجي بين الصين، التي يقودها حزب شيوعي ماركسي ملحد، والحكومة الجديدة في أفغانستان بقيادة حركة طالبان الإسلامية؟
وبدراسة متأنية للسير التدريجي للعلاقات الصينية الطالبانية، يتبين أن الأهداف الأساسية للعلاقات الصينية مع حركة طالبان يمكن تلخيصها في 3 محاور رئيسة، كما يقول هو شيشينغ مدير معهد جنوب آسيا :”الصين ستستفيد من اتصالاتها مع حركة طالبان محاولتها التأثير في 3 جوانب رئيسة: السياسة، والاقتصاد والأمن”.
ويرى معهد جنوب آسيا -التابع لمعهد الصين للعلاقات الدولية الحديثة- أن تطورات الوضع في أفغانستان سيكون لها تأثير غير مباشر في آسيا الوسطى وباكستان والشرق الأوسط، ما سيؤثر بعد ذلك على استقرار حدود الصين، ومشروع “الحزام والطريق” والمنطقة والعالم، مضيفا أن الصين يتعين عليها المشاركة في عملية إعادة إعمار أفغانستان في المستقبل.
وفي المحور الأول، تريد الصين حث حركة طالبان وحكومتها على منع الحركات الإسلامية للشعب الأيغوري المسلم في تركستان الشرقية (شينغيانغ) -خاصة الأجنحة المسلحة لتلك الحركات- من اتخاذ الأراضي الأفغانية -في ولاية بدخشان وجبال بامير المتاخمة لإقليم شينغيانغ- منطلقا لضرب أهداف داخل الإقليم الخاضع للصين.
وفي المحور الثاني، ترغب الصين في الاستثمار بأفغانستان بهدف الإسهام في استخراج الثروات الطبيعية والمعادن، مثل الحديد والنحاس واليورانيوم والليثيوم، وغيرها، التي تم اكتشافها بكميات كبيرة في أفغانستان، وتقدر قيمتها مبدئيا -حسب مصادر أميركية- بأكثر من 3 تريليونات دولار.
ويبدو أن حركة طالبان لديها رغبة مماثلة، وترحب بالاستثمار الصيني في أفغانستان. فقد وصفت حركة طالبان الصين بأنها “دولة صديقة”، ورحبت بها لإعادة إعمار أفغانستان وتنميتها. وقال الناطق باسم الحركة سهيل شاهين -في تصريحات صحفية- إن حركته ستضمن سلامة الاستثمارات الصينية في أفغانستان، كما صرح متحدث آخر لطالبان بأن الحكومة الجديدة في أفغانستان ستعتمد على الأموال الصينية في النهوض باقتصاد البلد.
وفي المحور الثالث، تهدف الصين -وهي جارة لأفغانستان- للاستفادة من الموقع الجيوإستراتيجي لأفغانستان لصالح مشروع “الحزام والطريق” الذي ترى الصين فيه تحقيقا لأهدافها الإستراتيجية في بسط نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة، خاصة في جنوب آسيا وآسيا الوسطى، في سياق التنافس الصيني الأميركي من جانب، والتنافس الصيني الروسي من جانب آخر.
ماذا تريد طالبان من الصين؟
أما حركة طالبان وحكومتها، فتريد من الصين الحماية والدعم السياسيين في المحافل الدولية، في مواجهة عراقيل محتملة قد تضعها الدول الغربية أمام أفغانستان، كما تنتظر من بكين الدعم الاقتصادي والاستثمار في مشاريع إعادة البناء والتنمية. ولا يستبعد المراقبون تشكيل محور جديد للتحالف الإقليمي بين الصين وباكستان وأفغانستان ودول أخرى في المنطقة.
*عن موقع “الجزيرة نت”
زر الذهاب إلى الأعلى