الصهيونية تنجب النازية من جديد في غزة (جواد الهنداوي)
د. جواد الهنداوي – الحوار نيوز
لم تكْ النازيّة ، والتي شهدها العالم ،ظاهرةً ومفهوما ،في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي ،الاّ تلاوةً وتجسيداً لأحد مؤلفّات الصهيونية في ميدان الدسائس و الخُبث والتآمر وجرائم الابادة وجرائم ضّدْ الانسانية .
الصهيونيّة ، كحركة سياسيّة مُنظّمة ، تمخضّتْ من مؤتمر هرتزل في بازل في سويسرا عام ١٨٩٧ ، اي بأربعة عقود من الزمن قبل النازيّة . و قد تكون ( واقصد الصهيونية ) هي السبب المباشر او غير المباشر لظاهرة النازية ، ومن المؤكّد انها مصدر نكبة فلسطين وما بعد فلسطين من جرائم ابادة وقتل بحق الشعب الفلسطيني والعربي والاسلامي ، وكُّلَ ما شهدهُ العالم من فواجع كبرى في الغرب وفي الشرق .
اليوم تشهدُ غزّة لنا وللعالم بولادة نازيّة جديدة ، على ارضها ،على قطاعها المُحاصر .اليوم تصدرُ غزّة للتاريخ والانسانية شهادة اعتراف بأنّ بني صهيون ، و بريطانيا وامريكا والغرب ،هم مَن كان وراء نازيّة القرن التاسع عشر ونازيّة القرن العشرين في غزّة . العامل المشترك بين الظاهرتيّن ، وهو الدليل ، التوحّش في حجم و طريقة ارتكاب الجرائم ،التوّحش والتجرّد من الانسانية .
جرائم النازيّة ، وهم كانوا خلفها ، تتكرّر اليوم في مشاهد اشلاء الرضّع والاطفال والنساء والشيوخ ، وفي تجويعهم وحرمانهم من الماء ومن ابسط مقومات الحياة .
حرصَ بني صهيون ،طيلة العقود التي تلت النازيّة ،على منع و مُعاقبة كل مَنْ يفكّرُ او يشرعُ بالتشكيك او اعادة قراءة ظاهرة النازيّة و ضحايا النازية ، والزموا بلدانا اوروبية ،ومنها فرنسا ،باصدار قانون يحظر فيه مناقشة ظاهرة النازيّة او التشكيك بعناصرها وعدد القتلى . اصبحت اعادة قراءة النازيّة جُنحة او جريمة جنائية يُعاقبها القانون ، خلافاً لمبدأ حريّة التعبير . أصبحَ تاريخ بني صهيون امراً مقدساً ،واصبحت اسرائيل نواة لهذا المقدّس .
روّجَ بني صهيون ، لمفهوم ” معاداة الساميّة ” ليُصبح الغلاف الصلب الذي يُحيط ويحمي الصهيونية ، وبموجب التطبيقات التشريعيّة والقانونية لهذا المفهوم او المبدأ ،و التي سادتْ الدول الغربية و المنظمات الامميّة ، تمتّرستْ اسرائيل واليهوديّة والصهيونية خلف مبدأ ” معاداة الساميّة ” . ايَّ كلام او تعليق او انتقاد عن اسرائيل او عن الصهيونيّة يُحسبْ من قبل بني صهيون بأنه عمل او فعل معاد للساميّة ، ويستدعي السؤال والجواب ، واتخاذ اجراء عقابي ضّدَ من تجرّأ على ذلك .
سئِمتْ شعوب العالم ، وخاصة في الغرب ، من هيمنة بن صهيون على مصائرهم وعلى حرياتهم في التعبير ، وعلى قيمهم الاجتماعية والاخلاقية .ادركت هذه الشعوب أنّ الصهيونية تقفُ خلف الحروب والفتن والجرائم والمؤمرات التي شهدها ويشهدها العالم ، وفي مختلف الانشطة والميادين . التظاهرات المليونيّة التي يشهدها العالم ، وفي كل العواصم والمدن هي ليست فقط تعبيرا عن اشمئزازهم للجرائم التي ترتكبها اسرائيل في غزّة ، وعن تأييدهم للحق الفلسطيني ، وانما ايضاً تعبير عن نفاذ صبرهم ورفضهم لسرديات ” معاداة السامية ” و ” محرقة النازيّة ” “و ” الصهيونيّة ” و ” اكذوبة اسرائيل ” .
طوفان الاقصى أصبحَ مناسبة لشعوب العالم الحّرة ان تنتفض ضّدَ الصهيونية و ضّدَ مَنْ يُمثّل الصهيونية ، واخص اسرائيل والادارة الامريكية . ولكن ،ما يستدعي العجب هو انَّ بعض الدول العربية ماضيّة في تبني مواقف رسميّة تصّبُ في مصلحة إسرائيل رغم وحشيّة وجرائم الكيان وتجرّدُ مسؤوليه من الانسانيّة ، ورغم رفض شعوب العالم لاسرائيل، وتضامنهم مع الحق الفلسطيني .
يبدو أن بعض الدول العربية لم تدرك بعد أنَّ وجود اسرائيل ،نواة الصهيونية ،كياناً خطراً في العالم ، وليس فقط في المنطقة ، و ان هذا الكيان قدّم للعالم والانسانية شواهد على أستحالة تعايشه مع البشر ، فلا أمل للسلام مع اولئك المجبولين على نزعة الشّر والقتل و الغدر ، وعلى مّر العصور . ولم يعُدْ امل في حلّْ الدولتيّن لا جغرافياً ( بسبب المستوطنات ) ، ولا اجتماعياً و اخلاقياً بعد كل مشاهد القتل .
*رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل