الشيعة في لبنان :أقوياء أم خائفون؟
يعتقد أغلبية المولودين الشيعة أنهم كانوا ضحايا الظلم عبر التاريخ وأنهم لم يظلموا أحدا، تماما كأغلبية المولودين الدروز والموارنة، فلكل طائفة حجتها ودليلها، تئن من وجع التاريخ وتنزّه نفسها عن الأخطاء بحق الآخرين، ولأن كلامنا عن الشيعة فنحن سنتناول الآخرين بالتي هي أحسن فيما بعد.
وإذا عدنا للتاريخ نجد ان "الشيعة" ليسوا بفئة واحدة ،بل كانوا وما زالوا فئات متعددة مختلفة في ما بينها بفوارق تفوق عما هي مختلفة به عن "أهل السنة والجماعة"، فمنهم الإثنا عشرية والاسماعيلية والزيدية و….
وغير صحيح ان "الشيعة" كانوا فقط في المعارضة ،بل عرف التاريخ دولاً عديدة كانت الكلمة العليا فيها للشيعة الاسماعيليين خاصة، الذين امتد حكمهم طيلة حكم الدولة الفاطمية على سبيل المثال وليس الحصر كي لا يطول الكلام ونخرج عن موضوعنا.
هذا الاعتقاد الخاطىء لدى أغلبية الشيعة أنهم كانوا دائما خارج الحكم وفي المعارضة جعلهم يعتقدون انهم ما ظلموا أحدا يوما وأنهم لم يعطوا فرصة لتقديم نموذجهم في الحكم والمستمدّ وفق آرائهم من الإسلام الصحيح الذي أراده النبي محمد (ص) واؤتمن عليه الإمام علي (ع) وأهل البيت ،والذي يدركه فقط في زماننا هذا الراسخون في العلم من مجتهدين ومراجع دينية.
نحن نؤمن ان الحقيقة لا يعرفها الا لله، إنما في قراءة أهل السنة للتاريخ وللعلاقة مع الشيعة ،نجد أن اهل السنة والجماعة قد عانوا كثيراً واشتكوا أكثر من حكم بعض الحكام الشيعة أو المحسوبين على الشيعة او من مستشارين شيعة مقربين للحكام لا بل أكثر من ذلك، فهم يحملونهم مسؤولية سقوط بغداد في زمن آخر خليفة عباسي، لا بل أكثر من ذلك يحملونهم مسؤولية التعامل او التخابر مع المغول.
من الصعب الجزم ان فئة ما لم تظلم فئة أخرى ،وقد كان الحكم يتداوله الجميع ولو لفترات زمنية مختلفة.
ان ما نشهده حاليا من شراسة في التدرب والتجهيز والاعداد على القتال والاستنفار الدائم للمجتمع الشيعي ليكون على أهبة الاستعداد للقتال، ليس مرده فقط إستفزازت الولايات المتحدة الأميركية للجمهورية الاسلامية او الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان وفي ارض فلسطين ،إنما ايضا حاجة ملحة للتنبه للدفاع عن النفس كفرد وكمجموعة، حاجة مستمدة من خوف وقلق تاريخي على الوجود، حاجة على علاقة بردّة فعل واعية ولا واعية لشعور بإضطهاد مزمن .
فكلما استعديت للحرب وتدربت وتجهزت عسكريا ،كلما تعبر عن خوف وقلق في داخلك .فالخائف هو الذي يقفل الابواب والنوافذ كي لا يتعرض للخطر عندما تسهو العين. وهكذا هو حال أغلبية الشيعة في لبنان او على الأقل قياداتهم السياسية-العسكرية-الدينية، تعتقدهم أقوياء وهم ليسوا بأقوياء بل هم يواجهون الخوف في داخلهم من عودة الزمان الى الوراء الى حيث يعتقدون أنهم كانوا دوما مظلومين وما هم بظالمين لأحد.
صحيح ان كل ما تقدمنا به يجعلنا نجزم ان المجتمع الشيعي هو مجتمع إسبرطي بإمتياز لكن من دون حكمة أثينا.وصحيح ان الفصائل الشيعية المسيطرة نجحت في التعبئة وشد العصبيات ونجح أبناء الطائفة الشيعية في تطوير ثقافة وعلوم بشكل مواز، لكن هذه العلوم فشلت في التحوّل إلى قيم إجتماعية جديدة عصرية حضارية.
الشيعة مقتنعون انهم لم يظلموا أحدا ونسوا انهم ظلموا أنفسهم بأنفسهم ،لأنهم ما ان وطأت اقدامهم ارض السلطة حتى فكر كثيرون منهم كيف يستفيدون من السلطة ماليا بدل ان يؤسسوا لنظام عادل غير مرتش، يقدم خدمات طبيعية للفقراء ويحد بين أبناء الوطن بالمواطنة، كما كان يعمل في سبيله السيد موسى الصدر.
خارج العسكر لم يسجل للشيعة في لبنان انجاز واحد يليق بأفكار الامام علي (ع) على الرغم من توفر المال، ونأمل الا تكون الحجة بحالة الحرب. الكلام عن الشيعة هنا ليس تبرئة لطوائف ولأحزاب أخرى ،بل اتهام لها ايضا لان نموذجها الاجتماعي-السياسي-الديني معيب وعار.
*طبيب نفسي