الشعب يريد فصل الدَين عن الدولة 1(حيان حيدر)
بقلم حيان سليم حيدر
أَوَتَسْألني لماذا؟ وهل سمعت مقولة أنّ “ما دخل الدَيْن شيئًا إلّا أفسده” ؟
وما المناسبة؟ المناسبة هي الإجراءات “الإصلاحية” الإقتصادية المالية النقدية (بل النَكَدية) المتداولة والمفروضة، هي وتداعياتها، من خداع الأرقام، من رفع الدعم المُطبّق فعليًّا وغير المُعلن رسميًّا… في جميع السلع والخدمات ومجالات الحياة.
إجراءاتٌ كثيرًا ما تذكّرنا بالشرح التاريخي والتقني القائل أنّ الرأسمالية هي “نظام” يحمي كلّ ما يمكن “له” أن يسرقه (Capitalism: to protect what you can extort)
وكنتُ قد علّقت في مقالة سابقة (1)، على خطاب وزير المالية اللبناني والذي قدّم فيه، شاكيًا مشتكيًا، موازنة العام 2019، وفذلكتها طبعًا: ذلك المخلوق العجيب متلازمة الموازنة اللبنانية، فتساءلت:
“ليته يساعدنا أحد رجال القانون إذ لم نعد نفهم أو نعلم أو نفرّق. هل أن المداخلة المذكورة أعلاه هي لائحة إتّهامية مقدمة من طرف الإدعاء … أو أنّها دُفوع شكلية مقدمة من قبل المتّهم؟ أو أنها دموع تشكيلية قُدِّمت قبل أن تُوضَع النقاط على ميمها ؟؟
فعلًا… هذه موازنة “إذا كنت لا تدري الى أين تذهب .. فكلّ الطرق تؤدّي الى هناك !” “.
يقول جورج برنارد شو (2) ما مفاده: “حكومة تسرق زيد لتعطي عمر بإمكانها دائمًا الإعتماد على دعم عمر”.
ليردف ونستون تشرشل، على عادته في مواجهة غريمه، بالقول:
“الموازنة لديها كلّ المزايا التي أكره ولا واحدة من العيوب التي أحبّ”. (مع بعض التصرّف)(3)
وتسلني حالي؟ وتسلبني مالي؟
كان المطلوب، يومذاك وما زال مطلوبًا الآن، أن يفسّر أحدٌ “لهم” دور البطل “روبِن هود” كما ورد في الأسطورة الأصلية، لأنّهم قد فهموه بالمقلوب.. فهم يأخذون من المعدومين ليعطوا المُوْسَرين !
والشعب بات: “لا يحتجّ على… بل يحتجّ لدى”، على غرار النأي بالنفس، أو النأي عن النفس كما يتلعثم بهذه العبارة بعض “المسؤولين”، بل بات المواطن يخشى أن يرى بصيص نور في آخر النفق… مخافة من أن تصله فاتورة البصيص… في آخر الشهر ! والشعب؟ هذا الغائب المغيَّب الدائم، الشعب يسبّ الدولة كما في الرواية: رُوِي عن أكار لبناني أنّه كان يسوق حماره، محمّلًا مِلحًا، فأمطرته السماء وابلًا، فسبّ دين الحكومة !
وبالعودة إلى مطلب الشعب، فصل الدَيْن عن الدولة.
وقبل أن “يحترق دفتر الإعاشة…” بصرت النور (نظريًّا) البطاقة التمويلية (التي سبق وتساءلنا فيما مضا ما إذا كانت تموينية، كما بدأت خطواتها البكر في الحياة البرلمانية، أم تمويهية كما إنتهت !) وتطبيقًا للقول أنّ: “الليبيرالي هو ذاك الذي يشعر بِدَيْن كبير تجاه المواطن وهو يقترح تسديد الدَيْن من أموال ذلك المواطن”، توقّفنا عند آلية عمل هذه البطاقة. إنّها ستعتمد على أموال الإحتياط، أموال المودعين، وبالنهاية من مال الناس، وبالتالي فالآلية تتوسّل تمويل المواطن المعدوم نفسه لنفسه في سبيل البقاء، عملًا بقول مأثور: “كمن يقف في داخل دلو محاولًا رفع نفسه وهو يدفع بمسكات الدلو إلى الأعلى”. وداوني بالتي كانت هي الداء !
كلّ ما سبق قوله هنا قد بساعد في شرح قول الكاتب مارك توين (Mark Twain) : “مِن الأسهل بكثير أن تخدع شخصًا على أن تقنعه بأنّه قد تمّ خداعه”
وهل لاحظتم أنّ كلّ موضوع البطاقة التمويلية قد إنتهى إلى “منسية” معالجات لبنان، التي تتوسّع مع الزمن والأزمات؟ الأمر الذي قصدنا إبرازه عبر تأخير التعليق عليه…
ومع هكذا إدارة لحياته بات اللبناني، وهو المذنب الأول، بات يبحث عن السرور في العذاب والقهر… وعن البهجة في الألم والمعاناة… وعن الترفيه في اليأس والإحباط… وعن التنفيس عن الغضب والنقمة في الشتيمة … فبات علينا أن نردّد مع الشاعر، وبإسم اليتيم، الذي أصبحه كلّ فرد في مجتمعنا:
” يا ربّ ضاق العيش في طلب الكِسا والمطعمِ وتناوبت أيدي الشقاء على امتهان المُعدمِ —–
أَوَتَجهلُ الأموال أنَّ لنا بها حقنَ الدَّمِ ؟(4) —–
على أن يُتبع في الجزء الثاني…
بيروت، في 26 تموز 2021م. حيّان سليم حيدر.
مواطن بانتظار وصول فاتورة بصيص النور.
(1) مقالة بعنوان: “ألا لا يجهلنَّ أحدٌ علينا …” صادرة في 30-10-2020م.
(2) “A government which robs Peter to pay Paul can always depend on the support of Paul”- George Bernard Shaw.
(3) كان تشرشل يعدّد أوصاف أحد منافسيه وليس الكلام في الموازنة.
(4) سليم حيدر – ديوان “آفاق” – قصيدة “اليتيم” – 1945 – شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – 2016.
– إنّ هذا النص هو من بنات أفكار كاتبه وليس لما هو وارد فيه أيّ علاقة بالواقع أو بأهل الواقع أو بالواقعين بما أوقعوه فيه في أصل الواقع فاعلًا أو مفعولًا به وبهم (بهنّ). وأيّ تشابه في الوقائع، أو تقاطع في الأفكار، أو تعمّق نتيجة التحليل، هو مجرّد صدفة (مقصودة) أو حقيقة مؤلمة (متعمّدة)، ولذلك وجب التوضيح.