الشرق الأوسط بين توليد الأزمات وتشكّل الهوية (محمد عبد الله فضل الله)
محمد عبد الله فضل الله – الحوار نيوز
مر الشرق الأوسط ويمر بجملة من الأحداث والأزمات المفتعلة وغير المفتعلة المتولدة من صميم الشخصية العربية والإسلامية التي دفعت بتاريخ المنطقة مع تقاطعات دولية وتغذية خارجية وحسابات محلية ،كلها صبت في مسار إعادة تشكيل الهوية وفق المزاجات والأجواء العامة التي لم تهدأ يوما ،فبقيت المنطقة تعيش منطق اللاحرب واللاسلم ،وبين تفاؤل مفرط بمستقبل مشرق وتشاؤم مفرط بسوداوية أكثر في قادم الأيام.
إن جيل الشباب اليوم تربى وتغذى على ما صنعته أحداث العقود المنصرمة بما تضج من أحداث أمنية وسياسية ومن انتكاسات وانتصارات مرحلية مع الكيان الصهيوني واحتلاله لفلسطين ،مع ما صاحب ذلك من اضطراب النظام الدولي القائم على القطب الأميركي الأوحد والذي يصارع اليوم من أجل الاحتفاظ بقوته في وجه روسيا والصين منعاً لقيام تعددية دولية .
ماذا تريد أيها الشباب اليوم في ظل استعار لغة الماديات والعصبيات ؟
نعم هناك ضياع تام إذ تتشكل هوية المجتمعات على قياس ما تنتجه المؤسسات الإعلامية والسياسية التقليدية والحزبية والطائفية والمذهبية ،بعيداً عن التحرر الفعلي المفترض أن يكون متجذرا في نفوس كثيرين ممن يلقى على عاتقهم مهمة استنهاض المجتمعات وتغيير واقعها ، فلا نزال نبتعد عن مساندة قضايانا المحقة وتبنيها ، ولا نزال نستغرق في مشاكلنا وأزماتنا المادية والمعيشية الخانقة ، مع تزايد الانفلاتات والنزاعات في ليبيا والسودان وسوريا والعراق واليمن وأفغانستان وانتشار الإرهاب والتطرف، وتحول النزاعات بين الدول إلى حروب أهلية مع ما يرافق ذلك من هجرة وتصدع مجتمعي ، ناهيك عن إحباط عام من فشل جهود الإصلاح وتنامي الضغوط الاقتصادية.
في ظل هذه الأجواء الملبدة وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، نرى أن غالبية شعوب المنطقة شكلت شخصيتها خلال مرحلة دولية وإقليمية مضطربة عاصرت تطورات عالمية علمية وتكنولوجية تاريخية هائلة، ولكن هل استفاد العرب من هذه التطورات إذ لا تزال أجيالهم تعيش على تربية رجعية وخطابات مذهبية مستعرة، فترى من يحمل جهازاً متطورا في يده ويستعمله في نشاطه اليومي، ولكن يحمل عقلا مريضا منغلقاً ونفسية معقدة غير منفتحة ومشتتة الغاية والقوى ، أضف إلى ذلك غياب دور الأمة في التهيئة الفعلية لإنتاج قادة سياسيين واجتماعيين فعليين.
ما دامت السلبية مسيطرة وما لم نبن جيلا متحسسا لدوره ومسؤولياته ،سيظل القلق سيد الموقف، والتوتر هو من يتحكم بشخصياتنا مع وجود الكيان الصهيوني والسياسات الخارجية الاستعمارية وتآمر المنتفعين من الداخل وسيطرتهم على مقدرات المجتمعات العربية والإسلامية.
في خضم ذلك لا يمكن لنا حسم خيارات التفاؤل والتشاؤم لأن المسألة ليست مزاجية، بل تخضع لحسابات الواقع وقواه التي توجهه، فإذا لم نستثمر قوانا في تصفية السلبيات فلا يمكن التغلب على التحديات ومواجهتها ، فاحترام سيادة الدول وعدم التدخلات الخارجية والإقليمية بها شرط أساسي وضروري لوقف تشكيل المجتمعات والتلاعب بمصيرها وتوليد أزماتها إذا ما أرادت هذه الدول فعلا الهدوء وترسيخ الاستقرار.
على جيل الشباب تقع المسؤولية الكبيرة لتحقيق نوع من الاستقرار والتوازن الاجتماعي وتوسيع الصداقات مع الآخرين، مع تجنيب المنطقة ويلات أن تكون ساحة للحرب الباردة بخاصة مع التنافس المتوقع بين الولايات المتحدة والصين بحسب ما يقوله بعض الدبلوماسيين وما نراه ونسمعه مع ما يرافق ذلك من تداعيات الحرب في أوكرانيا وبين روسيا والغرب.
نعم التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية كبيرة وما لم نخلق جيلا مؤمنا بضرورة التخطيط الاستراتيجي للازدهار والتنمية المستدامة ،بعيداً عن التطرف والسطحية، ستظل المنطقة واقعة تحت رحمة التجاذبات الإقليمية والدولية وساحة لتنفيس العقد المحلية والطائفية.
ولنا أن نتساءل ماذا فعلنا كأمة عربية وإسلامية كي نواجه أزمات اليوم، من أزمة الغذاء والدواء والمناخ والإنتاج وحماية الأمن الغذائي والمائي العربي ؟
ماذا فعلنا محلياً لمواجهة الفوارق الضخمة بين طبقات وفئات المجتمع، وتأميناً للهوية والدولة الوطنية الجامعة؟
في لبنان المستباح اليوم والمنكشف أمام الأزمات الخانقة ، قسم من شبابه مهاجر ولا يعنيه بلده كثيرا وقسم آخر منغمس في تفاصيل حياته اليومية وقسم متعصب لمذهبه وحزبه وطائفته بينما يغيب الشعور الوطني والانتماء لدولة المؤسسات التي تعاني وتكافح للبقاء.
لطالما كانت الحريات وكان التسامح من ميزات لبنان، أقله في فترة معينة تنعمنا بها ، فما لم يترب جيل الشباب على حس المواطنة وما لم نطفىء نار التعصب ونرفض تقديس الأشخاص والزعامات والشعارات سيبقى التوتر والاهتزاز حاكماً على واقعنا المتشظي، وقد يجرنا في لحظة ما إلى انفجار كبير .. فلينتبه الغافلون من سباتهم …