السّلطة الموقوفة بين تخوين المنتفضين أو محاولة امتطائهم
واضحة للعيان الأزمات السياسيّة المستحكمة بين مكوّنات السلطة السياسيّة اللبنانيّة، راخية بثقلها على الاجتماع اللبنانيّ، تكاد تقارب ثلاثة عقود من الزمن، وما إن تخفت زمنا، حتى تستعر زمنًا آخر، وينتج عن هذا الخفوت او الاستعار، توافق حينا، وتنابذ حينًا آخر، لكنّ ذلك لا يستتبعه جفاء سياسيّ خالص، إنّما بقاء لخيوط التواصل مفتوحة على ما يسمّى "شعرة معاوية"، التي تتضخّم أحيانًا مستحيلة "حبلّا من ليف"، يغلظ أو يرقّ، بناء على ارتباط مكوّنات السلطة بالخارج ومسيراته الإقليميّة او الدوليّة.
رغم ذلك، لم يترك جفاء السلطويين أو تآنسهم، فيما بينهم، أثرًا يذكر، على التّحاصص، وتقاسم النفوذ، والغنائم، والمقدرات، والواردات والنفقات، والصفقات…، فأبواب المؤسسات العامّة مشرّعة لهم، يكيلون منها، ما شاؤوا، ومتى أرادوا، دون حسيب أو رقيب، لا بل كانوا هم أنفسهم، حسباء، رقباء، موزعين للواردات، ومستفيدين منها، في آنٍ معا؛ حتى انّهم استعاروا من "مونتسكيو" مبدأ "التعاون بين السلطات"، وأغفلوا "الفصل بينها"، وحولوا مبدا "السلطة تراقب السلطة"، إلى "السلطة تعاون السّلطة"، في تقاسم النفوذ، والتّحاصص، والغُنم، ودمجوا بعضها ببعض (تنفيذيّة، تشريعيّة وقضائيّة)، جاعلين منها واحدة، مفصّلينها حسب ما يشاؤون ويرتأون.
لم ينسَ مكونو السلطة الاقتصاد والمال، فجيّروهما لمصلحتهم أيضًا، وعقدوا شراكات تقاسم وتحاصص، مع رجال المال والأعمال والمصارف، خادمين بعضهم البعض، فأضحوا قابضين على السّلطة والمال، ساندين بعضم البعض، تكافلا وتضامنا، وصولا إلى جعل مدّخرات اللبنانيين رهائن عندهم، مغرقين النّاس بأزمات، وأثقال، وأحمال، وأوزار، لا طاقة لهم بها ولا ناقة لهم فيها ولا جمل.
اليوم، بعد ان ضاقت النّاس ذرعًا بما اقترفته مكوّنات السلطة، فاستوطنت الشوارع احتجاجًا ومطالبة، بمحاسبة من اوصلهم إلى الدّرك الذي هم فيه، وإعادة تكوين السّلطة من جديد، لما فيه مصلحتهم الآنيّة والمستقبليّة، واسترجاع ما نهب منهم، ومن حيواتهم، معيدين لأنفسهم ولبلدهم الأمل من جديد؛ في هذا الوقت بالذات، تنقسم السلطة مجدّدًا فيما بينها، في حفلة تنازع جديدة بين مكوّناتها ، قافزة فوق آلامهم، وأوجاعهم، وفقر حالهم، وبطالتهم، ونهبهم، وتدمير الاقتصاد، وسرقة أموالهم، ومدّخراتهم، وجنى أعمارهم…وكلّ ذلك، من اجل العودة لتقاسم السلطة، أو إقصاء بعض شركائها منها، او محاولة بعضها تحسين مواقعهم فيها، تحت عناوين الانحياز إلى النّاس ومطالبهم، او محاولة البعض الآخر، كبح جماح النّاس في التغيير بتخوينهم، ووسمهم خادمين لمؤامرات خارجيّة تستهدف هذه الفئة السياسيّة أو تلك.
الكلمة الآن لوجع النّاس، وأيّ كبح لصوت آلامهم سيكون وبالًا على من يطلب منهم التوجّع بصمت، وعندها لن يكون هناك عاقل ليسمع هدير الشوارع؟