كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
كان لافتا للانتباه بصورة لم يتوقعها المتابعون، إحجام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن التوسع في مقاربة الشأن اللبناني الداخلي ،بعد “المناكفة” الحامية بين حليفيه الرئيسيين،التيار الوطني الحر وحركة “أمل”،والأسئلة المحرجة التي وجهها رئيس التيار جبران باسيل للحزب وللسيد مباشرة.
برر السيد هذا الاحجام ” بطبيعة المناسبة والوقت المتاح اللذين لا يسمحان لي أن أتطرق للوضع المحلي الداخلي الآن”..ومع ذلك وجه رسالة مختصرة مؤداها “أهمية الحوار بين اللبنانيين، والحرص جداً على الحلفاء والأصدقاء، وتمسُّك الحزب بالتفاهم مع التيار الوطني الحر واستعداده لتطويره بما يحقق المصلحة الوطنية”،واعدا بالحديث عن الشأن الداخلي في وقت قريب”.
وبين سطور هذه الرسالة المقتضبة يمكن فهم حجم الإحراج الذي ينتاب قائد المقاومة ،وهو الذي اعتاد أن يقارب الأمور بصراحة لم يسبقه إليها أحد.لكن طبيعة المرحلة كما يبدو تفرض عليه التروي والحكمة، حتى ولو على قاعدة “بالع الموسى”.
لم يعد سرا أن حزب الله حريص على التمسك بحليفيه الرئيسيين على الساحة اللبنانية “مهما كلف الثمن”،وله في ذلك مبرراته المنطقية التي تتصل بدوره الكبير في لبنان والمنطقة،وباستقرار البلد ووحدة الطائفة الشيعية كبيئة حاضنة للمقاومة التي دفع أثمانا غالية في السياسة وتحمّل ضغوطا قاسية في شتى المجالات، في الداخل والخارج، من أجل صيانتها والحفاظ عليها.
منذ تولى السيد نصر الله قيادة الحزب والمقاومة في أوائل التسعينات ،أخذ على نفسه عهدا بعدم الصدام مع الجناح الآخر للطائفة ،حركة “أمل” ،باعتبار أن كلفة هذا الصدام كانت غالية جدا في السابق ،وستكون أغلى لاحقا على المقاومة ودورها.ومنذ ذلك الحين ربط علاقة متينة مع الرئيس نبيه بري نظرا للدور الذي يتمتع به كرئيس لحركة “أمل” ومجلس النواب ،وباعتباره شخصية سياسية قادرة على التعاطي بمرونة وحنكة أكثر مع منظومة سياسية حاكمة فيها ما فيها من الاختلالات والتسويات،ومع قوى خارجية وضعت جدرانا عالية بينها وبين الحزب.وقد أثبتت نظرية السيد في هذا المجال صحتها بدليل الاستقرار المجتمعي الذي تعيشه الطائفة،خاصة في بيئاتها الجغرافية الثلاث ،الجنوب والضاحية والبقاع،وهو ما وفر للمقاومة أجواء مناسبة لاستكمال التحرير ومواجهة الإرهاب والقيام بأدوار كبيرة في المنطقة.
في المقابل لم يكن تفاهم مار مخايل أقل تأثيرا إيجابيا من استقرار الطائفة الشيعية ،حيث انفتح الحزب على فريق وازن في الساحة المسيحية ،وانفتح الفريق المسيحي على الساحة الشيعية،وتبادل الطرفان المصالح السياسية التي عادت على كل منهما بإيجابيات لا مجال لتعدادها في شتى المجالات.ويحفظ التيار الحر للحزب أنه غامر بفراغ رئاسي لأكثر من سنتين لإيصال العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة الأولى.كما يحفظ الحزب للتيار أنه غامر بالوقوف الى جانب المقاومة في أقسى الظروف،خاصة في حرب تموز عام 2006.
مشكلة الحزب مع حليفيه أن الكيمياء لم تتوافر لديهما،وهو حاول جاهدا تمتين الوصال بينهما،ولكن من دون جدوى،إلى أن وصلت الأمور الى ما وصلت اليه من إنفصام عبّر عنه رئيس التيار بصراحة و”خبث سياسي” أمس ،وكان الرد العنيف للحركة عبر المعاون السياسي للرئيس بري في مؤتمره الصحافي اليوم.ووسط هذا الخضم رأى السيد نصر الله أن مقاربة الشأن الداخلي قد “تزيد الطين بلة” ففضل تجاوز الأمر ،ربما في رهان على الوقت الذي يلعب غالبا لصالح التهدئة.لكن في النتيجة أحرجه الحلفاء فأخرجوه.
كان جبران باسيل مغاليا في إحراج الحزب في موقفين:الأول أن وحدة البلد أهم من وحدة الطائفة ،والثاني أن الدولة أهم من المقاومة.ولعله في ضمير الحزب وثقافته أن لا بلد ولا دولة من دون المقاومة ووحدة الطائفة.فيوم اصطدمت الطائفة المارونية لم يبق بلد ولا دولة ،وكذلك حصل يوم تصارعت الطائفة الشيعية،وأي طائفة أخرى.وفي غياب المقاومة كانت اسرائيل تحتل عاصمة لبنان وتلغي دولته.
في الخلاصة ليس سهلا وصل ما انقطع بين حليفي الحزب ،ولسوف تتحمل الساحة اللبنانية مزيدا من المعاناة جراء ذلك،خاصة وأن رئيس الجمهورية بما يملك من صلاحيات دستورية ،هو على خط الصراع وليس طرفا محايدا يمكنه أن يلعب دورا موفّقا ومهدّئا.ولسوف يتحمل الحزب العبء المعنوي لهذا الصراع على أبواب انتخابات نيابية مفصلية،وإن كان من مصلحة التيار الحر اعتماد التوافق والتفاهم سبيلا لحفظ موقعه في الاستحقاق النيابي ،حيث تمنحه البيئة الشيعية “بركتها” في خمس دوائر انتخابية.
زر الذهاب إلى الأعلى