السيد بين السقف الاقليمي العالي والتاريخي.. والسقف الداخلي المنخفض (علي يوسف)
كتب علي يوسف
في كلمة السيد نصرالله، بين جردة الأربعين عاما، وبين التحديات المطروحة والدور الاقليمي والوضع اللبناني ومخاطر المشاريع الاميركية الداخلية التي تهدف لإضعاف المقاومة وتحقيق مواجهة بينها وبين الجيش اللبناني …تظهر بوضوح تناقضات في السقوف السياسية ناتجة عن حرص اخلاقي يتناقض والواقع الفعلي ،وإن كان المسار اقوى من مفاعيل هذا الواقع ….
لا يمكن فهم كيف يتناسب سقف سياسي اقليمي هدفه تحرير فلسطين وصراع وجود ومصالح وثروات وتوازنات استراتيجية، مع سقف داخلي يقوم على تسمية نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة ،وهو يمثل المشروع الغربي في لبنان،وعلى الاصرارعلى التحالف مع التيار الوطني الحر الذي تتراوح سياسات اركانه بين اقصى التعامل مع الغرب وصولا الى التطبيع العملي غير المعلن مع العدو الإسرائيلي، وبين الوقوف مع المقاومة في وقفة عز وطنية والوقوف مع المقاومة للافادة من قوتها في مواجهة اطراف لبنانية اخرى من الطائفة عينها او الطوائف الاخرى بما فيها جزء من بيئة المقاومة وخزانها البشري والفكري ……
في قراء سريعة لخطاب السيد نصرالله لا بد من تسجيل الملاحطات الآتية :
١- اكد السيد “نحن قوة اقليمية ونحن جزء من محور المقاومة بل نحن من صنّاعه “
٢-في موضوع الصراع مع العدو (“قاتلنا العدو وهزمناه واثبتنا ان مقولة الجيش الذي لا يُقهر هي مقولة خاطئة .. هوجيش يُقهر ويُذل،واعطينا الأمل لمقاومة العدو في الأرض المحتلة “)، والموقف من موضوع ترسيم الحدود البحرية حاسم (” من انتظر سنوات يستطيع ان ينتظر بضعة ايام .. والتهديدات الاسرائيلية غير ذات اهمية “)… هو موقف تهدئة وتطمين : تهدئة للتوتر الناتج عن احتمال الحرب ،وتطمين ان التهديد لا يغير موقفنا والامر يتعلق ببضعة ايام انتظار … والمهم انه لم يتوقف عند ما يثار حول الاتصالات او المعلومات المتناقضة التي تنشر …
٣-في الموضوع الفلسطيني ،تأكيد على المواقف عينها من دون تعديل مع التأكيد على تقديم كل الدعم والأهم من دون تحديد.
٤- في موضوع سوريا والعراق تأكيد على صحة الموقف في التدخل واستعداد لتكرار التدخل في اطار الجردة وفي التأكيد على الدور الاقليمي
٤- في الموضوع اللبناني، للاسف سقوف متناقضة: تحذير غير مباشر للجيش من افتعال صراع مع المقاومة مع التأكيد على وجود مشروع اميركي في هذا الشأن .. مع موقف منخفض غير محدد المعالم من القوى الداخلية ، وخصوصا تلك المرتبطة بالمشاريع الاميركية وتمايز واضح في التأكيد على وحدة الموقف مع حركة “امل” باعتباره مصلحة للمقاومة ومصلحة للبنان، وهذا موقف مفهوم وطبيعي كون بيئتهما بيئة واحدة هي بيئة المقاومة وخزانها ..
اما في موضوع الانقاذ والخروج من الازمة فيمكن القول ان طرح فكرة الخروج من الازمة “بالتعاون والحوار بين مختلف القوى”، هو طرح يفتقد الى وضوح في اسباب الازمة ولا يأخذ بعين الاعتبار الانهيار الاخلاقي والتكويني للدولة اللبنانية… ويحمل في مضامينه منطق المعالجات وليس اعادة البناء … وكذلك الاصرار على المشاركة في الحكومات من دون الحديث عن الاصرار على تحديد طبيعة هذه الحكومات والعمل على منع قيام حكومات تخدم المافيات والاحتكارات والمشاريع الاميركية ..
ويبدو ان منطق “خدمة الناس ” الذي شدد عليه السيد هو الذي يحكم النظرة لبناء الدولة القوية والعادلة والمستقلة … الا ان هذا المنطق وللاسف لا يتوافق وبناء الدولة … لأن الدولة لاتقوم على الحسنات وعلى عمل الخير ومعاونة الجار لجاره ولتعاطف الغني مع الفقير وقيام الغني بالاحسان وتقديم المساعدات للفقراء ….
لا تقوم الدولة على منطق خدمة الناس …بل تقوم على نظام الحقوق والقانون والتمثيل السياسي والنظام الاقتصادي الذي يؤمن التطور البشري والعلمي وتحقيق التنمية والازدهار والعيش الكريم للشعب …
ولا بد من الاشارة هنا إلى ان دعوة الناس للزراعة لا تنعكس تحديدا لدور القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني، وان زيادة الانفاق الصحي لا تعني بالضرورة وجود نظام صحي، الا اذا كان هذا الإنفاق من ضمن نظام واضح ،وكذلك في التعليم …
ولعل افضل ما يمكن ان يُعتبر مدرسة في بناء الدولة هو قول الامام السيد الخامنئي في اول خطاب له بعد تسلمه لمهامه كمرشد “يجب علينا ان ننتج العلم لا ان نستهلكه”…..
في الخلاصة ،
ان تناقض السقوف السياسية او على الاقل عدم تناسبها يؤدي حكما الى ثغرة في القناعات ،ويُحول التأييد إلى انصياع مرده الى الثقة بالقائد.. الا ان الخطورة في هذا الوضع ان اي خلل في هذه الثقة سيؤدي الى ارتدادات خطيرة على المشروع، وبالتالي على القضية….